الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاعدةٌ مهمةٌ: لا يوجد مسألةٌ يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نصٌّ، ويقال أيضًا: لا يوجد قط مسألةٌ مُجْمَعٌ عليها إلا وفيها بيانٌ من الرسول صلى الله عليه وسلم (1).
وأما العلم بثبوت الإجماع في مسألةٍ لا نص فيها فهذا لا يقع (2).
الوجه الثالث: نبذة عن علم الغيب واعتقاد المسلمين فيه
.
قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26، 27]، قال العلماء - رحمة الله عليهم -: لما تَمَدَّحَ سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحدٌ سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزةً لهم ودلالةً صادقةً على نبوتهم (3).
فمن الثوابت في عقيدة المسلمين أن علم الغيب خاصٌّ بالله تعالى، ووراء طور البشر:
فالاطلاع على الغيب يختص بالله تعالى، فهو يملكه ويتصرف فيه كما يشاء، وهي صفته الدائمة، ولم يجعل لولي أو نبي، أو جني أو ملك، أو شيخ أو شهيد، أو إمام، أو سليل إمام، ولا لعفريت ولا لجنية أن يطلعوا على الغيب متى شاءوا، إن الله قد يطلع من يشاء على ما يشاء متى يشاء، لا يجاوز علمه ما أراد الله إطلاعه عليه مثقال ذرة، وكان ذلك خاضعًا لإرادة الله تعالى، لا لهواهم. (4)
وهذا ليس مقررًا في عقيدة المسلمين فقط؛ بل في كل رسالة ونبوة؛ لأن الله استأثر بعلم الغيب، لذلك لما سأل فرعون موسى عن شيء من الغيبيات رد علمها إلى من لا يعلمها في الأصل إلا هو سبحانه، قال تعالى حاكيًا قول فرعون لموسى:{قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه: 51] ثم حكى إجابة موسى {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52] وكذا في أمر الاختلاف في عدد أصحاب الكهف يقول الله جل وعلا:
(1) مجموع الفتاوى (19/ 195).
(2)
المصدر السابق (19/ 270).
(3)
تفسير القرطبي (19/ 28).
(4)
رسالة التوحيد (1/ 65).
وقال عن المدة التي لبثوها في الكهف: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)} [الكهف: 25، 26].
لذا لا يُستفتى في الغيب إلا من يعلمه؛ وهو الله أو من علمه الله عز وجل وهم أنبياء الله ورسله صلى الله عليهم وسلم؛ وذلك عن طريق الوحي إليهم بذلك؛ لذا أطلع رب العالمين نبيه صلى الله عليه وسلم على بعض أخبار الأمم السابقة، فقال رب العالمين:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78]، وقال تعالى بعد أن قص على النبي صلى الله عليه وسلم نبأ مريم بنت عمران:{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)} [آل عمران: 44] أي أنه لا سبيل لك أن تعلم نبأهم؛ لأنك لم تشهد هذا الأمر فهو لك غيبٌ لا قِبَلَ لك أن تعلمه بدون تعليم الله إياك. وكذا قال تعالى بعد أن قص على النبي صلى الله عليه وسلم نبأ نوح وقومه: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)} [هود: 49]. وكرر ذلك بعد أن قص عليه قصة يوسف عليه السلام. ومما سبق نخلص بالنتيجة الآتية:
1 -
أن الله عز وجل استأثر بعلم الغيب سواء ما كان شهادةً لقومٍ، ثم صار غيبًا لآخرين كأخبار السابقين، أو ما هو غيبٌ للجميع وهو خبر كل ما يُسْتَقْبَلُ.
2 -
أن الله تعالى يطلع خلقه على ما يشاء من الغيب كما قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255].