الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دينه، ويكون من أمته بعد أن كان صاحب شريعة مستقلة، وأتباع مستكثرة، أمر قضاه الله في الأزل فأمضاه، فأطيلوا أيها اليهود أو اقصروا، فيكون المعنى إذن والله أعلم:
أنه ما من أحد من أهل الكتاب المختلفين في عيسى عليه السلام على شك إلا وهو يوقن بعيسى عليه السلام قبل موته بعد نزوله من السماء أنه ما قتل وما صلب، ويؤمن به عند زوال الشبهة، والله أعلم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا، وإمامًا عادلًا، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها" وفي رواية: "وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين" وفي رواية: "حتى يهلك الله الملل كلها غير الإسلام" فيهلك الله في أمانه الملل كلها إلا الإسلام، يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} موت عيسى عليه السلام ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات -، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعوه إلى المال فلا يقبله أحد" وفي رواية:"يفيض المال حتى لا يقبله أحدا"(1)، ولمسلم عنه رضي الله عنه:"كيف بكم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟ " وفي رواية: "فأمَّكم منكم".
قال الوليد بن مسلم أحد رواة الحديث: قال ابن أبي ذئب: تدري ما أمكم منكم؟ قلت تخبرني قال: فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم. (2)
ولمسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - قَالَ - فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ الله هَذِهِ الأُمَّةَ"(3).
الوجه الثاني: إيمان الكتابي قبل موت الكتابي نفسه
.
(1) أخرجه البخاري (2222، 2476)، ومسلم (2233).
(2)
أخرجه مسلم (244، 245، 246).
(3)
أخرجه مسلم (247)، انظر تفسير الطبري (9/ 383).
قول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} والمعنى: ما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى، وبأنه عبد الله ورسوله، يعني: إذا عاين قبل أن تزهق روحه قبل موته، أي: قبل موت الكتابي نفسه، وذلك؛ لأن من نزل به الموت من أهل الكتاب لا يموت حتى يتجلى له ما كان جاهلًا فيؤمن عند ذلك بعيسى عليه السلام، فما من أهل الكتاب أحد يحضره الموت إلا آمن عند الموت قبل خروج روحه بعيسى عليه السلام، وأنه عبد الله وابن أمته، ولكن لا ينفعه هذا الإيمان؛ لأنه في حضرة الموت وحالة النزع، وتلك الحالة لا حكم لما يفعل أو يقال فيها، فلا يصح فيها إسلام، ولا كفر، ولا وصية، ولا بيع، ولا عتق، ولا غير ذلك من الأقوال؛ لقول الله تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء: 18]
وقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 84، 85]، وكذلك لما أدرك فرعون الغرق قال:{قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90]، فقال تعالى:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)} [يونس: 91]، فما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف.
فعن شهر بن حوشب: قال لي الحجاج آية ما قرأتها إلا تخالج في نفسي شي منها - يعني هذه الآية - وقال: إني أُوتى بالأسير من اليهود والنصارى فأضرب عنقه فلا أسمع من ذلك؟ فقلت: إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة دبره ووجهه، وقالوا: يا عدو الله، أتاك موسى نبيًا فكذبت به؟ فيقول: آمنت أنه عبد نبي، وتقول للنصراني: أتاك عيسى نبيًا فزعمت أنه الله أو ابن الله؟ فيؤمن أنه عبد الله ورسوله حيث لا ينفعه إيمانه.