الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشافع، واللام الداخلة على ذلك الضمير لام التعليل أي رضي الرحمن قول الشافع لأجل الشافع أي إكرامًا له كقوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)} [الشرح: 1].
فإن الله ما أذن للشافع بأن يشفع إلا وقد أراد قبول شفاعته، فصار الإذن بالشفاعة وقبولها عنوانًا على كرامة الشافع عند الله تعالى. (1)
الوجه السادس: إثبات أن الشفاعة نوعان، وأن الإنسان يكون له نصيب من شفاعته سواء في الدنيا أو في الآخرة
.
قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)} [النساء: 85]{وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً} أي يتوسط في أمر فيترتب عليه خير من دفع ضر أو جلب نفع ابتغاء لوجه الله تعالى. {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً} ، وهي ما كانت بخلاف الحسنة بأن كانت في أمر غير مشروع {يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} أي: نصيب من وزرها الذي ترتب على سيئة مساوٍ لها في المقدار من غير أن ينقص منه شيء. المقصود مع ذلك الترغيب في التوسط في الخير والترهيب من ضده، والشفاعة الوساطة في إيصال خير أو دفع شر سواء كانت بطلب من المنتفع أم لا.
وفي الآية فوائد:
1 -
في الآية مدح الشفاعة، وذم السعاية، وهي الشفاعة السيئة وذكر الناس عند السلطان بالسوء وهي معدودة من الكبائر.
2 -
روي في فضل الشفاعة أحاديث كثيرة، منها عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجه أقبل على جلسائه فقال: "اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب"(2).
وفي الحديث الحض على الخير بالفعل، وبالتسبب إليه بكل وجه، والشفاعة إلى الكبير
(1) التحرير والتنوير (6/ 310 - 311).
(2)
البخاري (6027)، ومسلم (2627).
في كشف كربة ومعونة ضعيف؛ إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى الرئيس، ولا التمكن منه ليلج عليه أو يوضح له مراده ليعرف حاله على وجهه، وإلا فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يحتجب، فيستحب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة سواء كانت الشفاعة إلى سلطان ووال ونحوهما، أم إلى واحد من الناس، وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كف ظلم أو إسقاط تعزير أو تخليص عطاء لمحتاج أو نحو ذلك.
وأما الشفاعة في الحدود فحرام، فلا يستثنى منه الوجوه التي تستحب فيها إلا الحدود، وإلا فما لأحد فيه تجوز الشفاعة فيه، ولا سيما من وقعت منه الهفوة أو كان من أهل الستر والعفاف، وأما المصرون على فسادهم المشتهرون في باطلهم فلا يشفع فيهم ليزجروا عن ذلك، فالشفاعة في تتميم باطل أو إبطال حق ونحو ذلك فهي حرام (1).
3 -
نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض، فما يجوز في الدين أن يشفع فيه فهو شفاعة حسنة، وما لا يجوز أن يشفع فيه فهو شفاعة سيئة.
فمن يشفع شفاعة حسنة كان له فيها أجر وإن لم يشفع؛ لأن الله تعالى يقول {وَمَنْ يَشْفَعْ} ولم يقل (ومن يُشَفَّعْ) ويتأيد هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: "اشفعوا تؤجروا".
4 -
الشفاعة الحسنة هي التي روعي بها حق مسلم، ودفع بها عنه شر، أو جلب إليه خير، وابتغى بها وجه الله، ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز.
5 -
نكتة اختيار النصيب في الحسنة، والكفل في السيئة وذلك أن النصيب يشمل الزيادة؛ لأن جزاء الحسنات يضاعف، وأما الكفل فأصله المركب الصعب ثم استعير للمثل المساوي فلذلك اختير إلى لطفه بعباده إذا لم يضاعف السيئات كالحسنات، ويقال: إنه وإن كان معناه المثل لكنه غلب في الشر وندر في غيره (2).
فهذا أمر الله لعباده بالشفاعة في الدنيا وهم في الآخرة أشد احتياجًا لها، فهل يحرمهم
(1) فتح الباري (10/ 465 - 466)، وشرح مسلم للنووي (8/ 426).
(2)
محاسن التأويل (5/ 331 - 334)، والتحرير والتنوير (5/ 144).