الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - شبهة: كيف يطلب يوسف عليه السلام الولاية
؟ .
نص الشبهة:
كيف يطلب نبي الله يوسف عليه السلام الولاية في قوله للملك: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} مع أن الإسلام نهى عن ذلك.
والرد على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: الأصل في الإسلام أن لا يطلب الإنسان الولاية
.
الوجه الثاني: جواز طلب الولاية لمن كان لها أهلًا أو تعينت عليه.
الوجه الثالث: بيان لماذا طلب يوسف عليه السلام الولاية؟
الوجه الرابع: وقيل: طلبُ يوسف عليه السلام الولاية خاصٌ بشريعته.
الوجه الخامس: أن يوسف عليه السلام طلب الولاية بالحفظ والعلم، لا بالنسب والجمال.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: الأصل في الإسلام أن لا يطلب الإنسان الولاية.
عَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ:"يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خزي وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا"(1).
وعنه أيضًا أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتيمٍ"(2).
قال النووي: هَذَا الْحَدِيث أَصْل عَظِيم فِي اِجْتِنَاب الْوِلَايات، لَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْف عَنْ الْقِيَام بِوَظَائِفِ تِلْكَ الْوِلَايَة، وَأَمَّا الْخِزْي وَالنَّدَامَة فَهُوَ حَقّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا، أَوْ كَانَ أَهْلًا وَلَمْ يَعْدِل فِيهَا فَيُخْزِيه الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة وَيَفْضَحهُ، وَيَنْدَم عَلَى مَا فَرَّطَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ وَعَدَلَ فِيهَا فَلَهُ فَضْل عَظِيم، تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة كَحَدِيثِ: "سَبْعَة
(1) أخرجه مسلم (1852).
(2)
أخرجه مسلم (1856).
يُظِلّهُمْ الله. . ."، وَالْحَدِيث الْمَذْكُور هُنَا عَقِب هَذَا: "أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُور. . ." وَغَيْر ذَلِكَ، وإِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ مُنْعَقِد عَلَيْه، وَمَعَ هَذَا فَلِكَثْرَةِ الْخَطَر فِيهَا حَذَّرَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا، وَكَذَا حَذَّرَ الْعُلَمَاء، وَامْتَنَعَ مِنْهَا خَلَائِق مِنْ السَّلَف، وَصَبَرُوا عَلَى الْأَذَى حِين اِمْتَنَعُوا (1).
فعن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا"(2).
قال الشوكاني: وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ طَلَبَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ مَكْرُوهٌ، فَيَدْخُلُ فِي الْإِمَارَةِ الْقَضَاءُ وَالْحِسْبَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَأَنَّ مَنْ حَرَصَ عَلَى ذَلِكَ لَا يُعَانُ وَيُعَارِضُ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فِي آخِرَ الْبَابِ - يعني: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ المسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ"(3).
قَالَ الْحَافِظُ: وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يُعَانُ بِسَبَبِ طَلَبِهِ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهُ الْعَدْلُ إذَا وَلِيَ؛ أَوْ يُحْمَلَ الطَّلَبُ هُنَا عَلَى الْقَصْدِ وَهُنَاكَ عَلَى التَّوْلِيَةِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَإِذَا كَانَ الطَّالِبُ مَسْلُوبَ الْإِعَانَةِ تَوَرَّطَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ وَخَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، فَلَا تَحِلُّ تَوْلِيَةُ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ؛ رُبَّمَا كَانَ الطَّالِبُ لِلْإِمَارَةِ مُرِيدًا بِهَا الظُّهُورَ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَالتَّنْكِيلَ بِهِمْ، فَيَكُونُ فِي تَوْلِيَتِهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ يُوسُفُ عليه السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} ، وَقَالَ سُلَيْمانُ: {وَهَبْ لِي
(1) شرح صحيح مسلم للنووي (12/ 210).
(2)
أخرجه البخاري (6722)، مسلم (1652).
(3)
ضعيف. أخرجه أبو داود (3575)، ومن طريقه البيهقي (10/ 88) من طريق موسى بن نجدة، عن جده يزيد بن عبد الرحمن وهو أبو كثير قال: حدثني أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره.
وهذا إسناد ضعيف. فيه: موسى بن نجدة؛ قال الذهبي: "لا يعرف"، وقال الحافظ:"مجهول"، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (1186).
مُلْكًا}، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْأَنَبِيَاءِ عليهم السلام.
قُلْت: ذَلِكَ لِوُثُوقِ الْأَنْبِيَاءِ بِأَنْفُسِهِمْ بِسَبَبِ الْعِصْمَةِ مِنْ الذُّنُوبِ، وَأَيْضًا لَا يُعَارِضُ الثَّابِتُ فِي شَرْعِنَا مَا كَانَ فِي شَرْعِ غَيْرِنَا، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ فِي شَرْعِ يُوسُفَ عليه السلام سَائِغًا، وَأَمَّا سُؤَالُ سُلَيْمَانَ فَخَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاع؛ إذْ مَحَلُّهُ سُؤَالُ الْمَخْلُوقِينَ لَا سُؤَالُ الْخَالِقِ، وَسُلَيْمَانُ عليه السلام إنَّمَا سَأَل الْخَالِقَ (1).
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإمَارَةِ، وَسَتكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَ الْمُرْضعَةُ وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ"(2).
وعَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّى فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ الله، أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَّاكَ الله عز وجل، وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ:" إِنَّا وَالله لَا نُوَلِّى عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ"(3).
قال ابن حجر: قال المهلب: الحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها؛ حتى سفكت الدماء، واستبيحت الأموال والفروج، وعظم الفساد في الأرض بذلك، ووجه الندم أنه قد يقتل، أو يعزل، أو يموت؛ فيندم على الدخول فيها؛ لأنه يطالب بالتبعات التي ارتكبها، وقد فاته ما حرص عليه بمفارقته.
قال: ويستثنى من ذلك من تعين عليه، كأن يموت الوالي ولا يوجد بعده من يقوم بالأمر غيره، وإذا لم يدخل في ذلك يحصل الفساد بضياع الأحوال.
قلت: وهذا لا يخالف ما فرض في الحديث الذي قبله من الحصول بالطلب أو بغير طلب؛ بل في التعبير بالحرص إشارة إلى أن مَنْ قام بالأمر عند خشية الضياع يكون كمن أعطى بغير سؤال لفقد الحرص غالبًا عمن هذا شأنه، وقد يغتفر الحرص في حق مَنْ تعين عليه لكونه يصير واجبًا عليه (4).
(1) نيل الأوطار (9/ 131).
(2)
أخرجه البخاري (7148).
(3)
أخرجه البخاري (7149)، مسلم (1733
(4)
فتح الباري 13/ 126.