الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقول أن يمدحهم على التقصير، والتفريط؟ .
ثالثًا: أن عثمان كان يُرفع الخلاف إليه الواقع من الناسخين ليحكم بالحق، فكيف يترك لحنًا فيه؟ والدليل على ذلك ما يلي:
1 -
قال ابن الأنباري: فكيف يُدَّعي عليه أنه رأى فسادًا فأمضاه، وهو يوقَف على ما كتب، ويُرفع الخلاف إليه الواقع من الناسخين ليحكم بالحق، ويُلزمهم إثبات الصواب وتخليده (1).
2 -
أنه قد ثبت أن زيد بن ثابت أراد أن يكتب التابوت بالهاء على لغة الأنصار فمنعوه من ذلك، ورفعوه إلى عثمان رضي الله عنه وأمرهم أن يكتبوه بالتاء على لغة قريش (2).
3 -
عن مولى عثمان قال: كنت عند عثمان، وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف شاة إلى أُبي بن كعب، فيها "لم يتسن"، وفيها "لا تبديل للخلق"، وفيها "فأمهل الكافرين". قال: فدعا بالدواة فمحا إحدى اللامين، وكتب {لِخَلْقِ اللَّهِ} ، ومحا "فأمهل"، وكتب {فَمَهِّلِ} ، وكتب {لَمْ يَتَسَنَّهْ} ألحق فيها الهاء. (3)
رابعًا: أن عثمان لم يستقل بجمع المصحف؛ بل شاركه الصحابة في جمعه وكتابته، ولم ينشروه بين المسلمين حتى قابلوه على الصحف التي جمع القرآن فيها على عهد أبى بكر رضي الله عنه، فلم يتداوله المسلمون إلا وهو بإجماع الصحابة موافق تمام الموافقة للعرضة الأخيرة التي عرض فيها النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل عليه السلام.
الوجه الثاني: هذا الخبر مما يستحيل عقلًا وشرعًا وعادةً
.
ومما يدل على ذلك الآتي:
أولًا: كيف يُظن بالصحابة أنهم يلحنون في الكلام فضلًا عن القرآن؟ وهم الفصحاء اللد، فكيف يظن بهم اللحن في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنزل، وحفظوه وضبطوه وأتقنوه؟ .
(1) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 2/ 272.
(2)
الترمذي (3104)، وراجع مسألة جمع القرآن من هذه الموسوعة.
(3)
أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن صـ 159.
ثانيًا: كيف يُظن بهم اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته؟ .
ثالثًا: كيف يظن بهم عدم تنبيههم ورجوعهم عنه، ثم كيف يظن بعثمان أنه ينهي عن تغييره، ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ، وهو مروي بالتواتر خلفًا عن سلف؟ هذا مما يستحيل عقلًا وشرعًا وعادة (1).
رابعًا: إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتسارعون إلى إنكار أدنى المنكرات، فكيف يقرون اللحن في القرآن مع أنهم لا كلفة عليهم في إزالته؟ .
خامسًا: إن العرب كانت تستقبح اللحن غاية الاستقباح في الكلام، فكيف لا يستقبحون بقاءه في المصحف؟ ! .
سادسًا: إن الاحتجاج بأن العرب ستقيمه بألسنتها غير مستقيم؛ لأن المصحف الكريم يقف عليه العربي والعجمي (2).
سابعًا: إن ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان رضي الله عنه لما فيه من الطعن عليه، مع محلّه من الدين، ومكانه من الإسلام، وشدّة اجتهاده في بذل النصيحة، واهتباله بما فيه الصلاح للأمة، فغير ممكن أن يتولى لهم جمع المصحف مع سائر الصحابة الأتقياء الأبرار ليرتفع الاختلاف في القرآن بينهم ثم يترك لهم فيه مع ذلك لحنًا وخطأً يتولى تغييره من يأتي بعده، ممن لا شك أنه لا يدرك مداه ولا يبلغ غايته ولا غاية من شاهده. هذا ما لا يجوز لقائل أن يقوله، ولا يحل لأحد أن يعتقده.
وقال ابن الأنباري في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان: في الأحاديث المروية عن عثمان في ذلك لا تقوم بها حجة؛ لأنها منقطعة غير متصلة، وما يشهد عقل بأن عثمان وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في زمنه يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام فيتبين فيه خللًا، ويشاهد في خطه زللًا فلا يصلحه، كلا والله ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز، ولا يعتقد أنه أخر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده، وسبيل الجائين من بعده
(1) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 2/ 270.
(2)
كتاب المصاحف لابن أبي داود 1/ 234 الحاشية.