الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوافقه كمن يشفع عنده في أمر يحبه ويرضاه وقد يكون عنده ما يخالفه كمن يشفع إليه في أمر يكرهه ثم قد يكون سؤاله وشفاعته أقوى من المعارض فيقبل شفاعة الشافع، وقد يكون المعارض الذي عنده أقوى من شفاعة الشافع فيردها ولا يقبلها، وقد يتعارض عنده الأمران فيبقى مترددًا بين ذلك المعارض الذي يوجب الرد وبين الشفاعة التي تقتضي القبول فيتوقف إلى أن يترجح عنده أحد الأمرين بمرجح فشفاعة الإنسان عند المخلوق مثله: هي سعى في سبب منفصل عن المشفوع إليه يحركه به ولو على كره منه فمنزلة الشفاعة عنده منزلة من يأمر غيره أو يكرهه على الفعل إما بقوة وسلطان وإما بما يرغبه فلا بد أن يحصل للمشفوع إليه من الشافع إما رغبة ينتفع بها وإما رهبة منه تندفع عنه بشفاعته وهذا بخلاف الشفاعة عند الرب سبحانه فإنه ما لم يخلق شفاعة الشافع ويأذن له فيها ويحبها منه ويرضى عن الشافع لم يمكن أن توجد والشافع لا يشفع عنده لحاجة الرب إليه ولا لرهبته منه ولا لرغبته فيما لديه وإنما يشفع عنده مجرد امتثال لأمره وطاعة له فهو مأمور بالشفاعة مطيع بامتثال الأمر فإن أحدا من الأنبياء والملائكة وجميع المخلوقات لا يتحرك بشفاعة ولا غيرها إلا بمشيئة الله تعالى وخلقه فالرب سبحانه وتعالى هو الذي يحرك الشفيع حتى يشفع والشفيع عند المخلوق هو الذي يحرك المشفوع إليه حتى يقبل والشافع عند المخلوق مستغن عنه في أكثر أموره وهو في الحقيقة شريكه ولو كان مملوكه وعبده فالمشفوع عنده محتاج إليه فيما يناله منه من النفع بالنصر والمعاونة وغير ذلك كما أن الشافع محتاج إليه فيما يناله منه: من رزق أو نصر أو غيره فكل منهما محتاج إلى الآخر. ومن وفقه الله تعالى لفهم هذا الموضع ومعرفته تبين له حقيقة التوحيد والشرك والفرق بين ما أثبته الله تعالى من الشفاعة وبين ما نفاه وأبطله ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.
الوجه الخامس: ذكر الآيات التي تدل على أن الشفاعة بإذن الله ورضاه لمن يشاء
.
مثل قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ، فهذه صفة من صفات الله تعالى
توضح مقام الألوهية ومقام العبودية، فالعبيد جميعًا يقفون في حضرة الألوهية موقف العبودية لا يتعدونه ولا يتجاوزونه، يقفون مقام العبد الخاشع الخاضع الذي لا يقدم بين يدي ربه ولا يجرؤ على الشفاعة عنده إلا بعد أن يؤذن له؛ فيخضع للإذن ويشفع في حدوده، وهم يتفاضلون فيما بينهم ويتفاضلون في ميزان الله ولكنهم يقفون عند الحد الذي لا يتجاوزه عبد. إنه الإيحاء بالجلال والرهبة في ظل الألوهية الجليلة العلية، يزيد هذا الإيحاء عمقًا صيغة الاستفهام الاستنكارية التي توحي بأن هذا أمر لا يكون، وأنه مستنكر أن يكون، فمن هذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه؟
وفي ظل هذه الحقيقة تبدو سائر التصورات المنحرفة للذين جاءوا من بعد الرسل؛ فخلطوا بين حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية، فزعموا لله سبحانه خليطًا يمازجه أو يشاركه بالنبوة أو بغيرها من الصور في أي شكل وفي أي تصور، أو زعموا له سبحانه أندادًا يشفعون عنده فيستجيب لهم حتما، أو زعموا له سبحانه من البشر خلفاء يستمدون سلطانهم من قرابتهم له، في ظل هذه الحقيقة تبدو تلك التصورات كلها مستنكرة مستبعده، لا تخرج عن الذهن ولا تجول في الخاطر ولا تلوح بظلها في خيال، وهذه هي النصاعة التي يتميز بها التصور الإسلامي فلا تدع مجالًا لتلبيس أو وهم أو اهتزاز في الرؤية، الألوهية ألوهية، والعبودية عبودية، ولا مجال لالتقاء طبيعتهما أدنى التقاء، والرب رب والعبد عبد ولا مجال لمشاركة في طبيعتهما ولا التقاء. فأما صلة العبد بالرب، ورحمة الرب للعبد والقربى والود والمدد، فالإسلام يقررها ويسكبها في النفس سكبًا، ويملأ بها قلب المؤمن ويفيضها عليه فيضًا، ويدعه يعيش في ظلالها الندية الحلوة دون ما حاجة على خلط طبيعة الألوهية وطبيعة العبودية، ودون ما حاجة إلى الغبش والركام والزغللة والاضطراب الذي لا تتبين فيه صورة واحدة واضحة ولا ناصعة ولا محددة (1).
وقوله تعالى: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس: 3]، فالأمر كله له والحكم كله
(1) الظلال (1/ 288).
عليه، وما من شفعاء يقربون إلى الله زلفى، وما من شفيع من خلقه إلا حيث يأذن له بالشفاعة وفقًا لتدبيره وتقديره، واستحقاق الشفاعة بالإيمان والعمل الصالح لا بمجرد التوسل بالشفعاء. وهذا يواجه ما كانوا يعتقدونه من أن للملائكة التي يعبدون تماثيلها شفاعة لا ترد عند الله. (1)
ولأن المشركين جعلوا آلهتهم شفعاء فإذا أنذروا بغضب الله يقولون {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] أي حماتنا من غضبه، فبعد أن وصف الإله الحق بما هو منتف عن آلهتهم نفى آلهتهم وصف الشفاعة عند الله وحماية المغضوب عليهم منه، وأكد النفي بـ (من) التي تقع بعد حرف النفي لتأكيد النفي، وانتفاء الوصف عن جميع أفراد الجنس الذي دخلت (من) على اسمه بحيث لم تبق لآلهتهم خصوصية. وزيادة {إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} احتراس لإثبات شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم بإذن الله.
قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} والمقصود من ذلك نفي الشفاعة لآلهتهم من حيث إنهم شركاء لله في الألوهية فشفاعتهم عنده نافذة كشفاعة الند عند نده (2).
وقوله تعالى: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)} [مريم: 87]. يقول تعالى ذكره لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد - يوم يحشر الله المتقين إليه وفدًا - الشفاعةَ حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض إلا من اتخذ منهم عند الرحمن في الدنيا عهدًا بالإيمان وتصديق رسوله والإقرار بما جاء به والعمل بما أمر به.
فالعهد: شهادة أن لا إله إلا الله ويتبرأ إلى الله من الحول والقوة ولا يرجوا إلا الله (3).
وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109]، يقول تعالى:{يَوْمَئِذٍ} أي يوم القيامة لا تنفع الشفاعة أي عنده إلا من أذن له الرحمن ورضي له
(1) المصدر السابق (3/ 1763).
(2)
التحرير والتنوير (11/ 88).
(3)
الطبري (16/ 128).
قولا كقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ، وقوله:{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26]، وقال تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وقال: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} وقال: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38].
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً فَقَالَ: "أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقونَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَلَا تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ؟ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولونَ: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّى غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسلِ إِلَى الأَرْضِ وَسَمَّاكَ الله عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبِيُّ الله وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقولُ لَهمْ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ نفسي نفسي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ الله، فَضَّلَكَ الله بِرِسَالَاتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى صلى الله عليه وسلم: إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ،
وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا نفسي نفسي اذْهَبوا إِلَى عِيسَى صلى الله عليه وسلم، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ الله، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ في الْمَهْدِ، وَكَلِمَةٌ مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى صلى الله عليه وسلم: إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا - نفسي نفسي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبوا إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَيَأْتُونِّي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ الله، وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَغَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِى تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجدًّا لِرَبِّى ثُمَّ يَفْتَحُ الله عَلَىَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ اشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أمتي أمتي. فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، وَالذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى". (1)
فجملة {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} كجملة {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ} في معنى التفريع على {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} أي لا يتكلم الناس بينهم إلا همسًا، ولا يجرؤون على الشفاعة لمن يهمهم نفعه، والمقصود من هذا أن جلال الله والخشية منه يصدان عن التوسط عنده لنفع أحد إلا بإذنه، وفيه تأييس للمشركين من أن يجدوا شفعاء لهم عند الله، واستثناء من أذن له الرحمن من عموم الشفاعة باعتبار أن الشفاعة تقتضي شافعًا؛ لأن المصدر فيه معنى الفعل فيقتضي فاعلا أي لا أن يشفع من أذن له الرحمن في أن يشفع فهو استثناء تام وليس بمفرغ، واللام في (أذن له) تعددية فعل "أذن" مثل قوله:{قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} وتفسير هذا ما ورد في حديث الشفاعة من قول النبي صلى الله عليه وسلم "فيقال لي: سل تعطه واشفع تشفع"، وقوله:{وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} عائد إلى {مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} وهو
(1) البخاري (7410)، ومسلم (322).