الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - شبهة: حول قوله تعالى: {كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا}
.
نص الشبهة:
حول قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران: 105].
يقولون: ألا يعني هذا الكلام أن اليهود والمسيحيين اختلفوا بين بعضهم، لكن الكتاب الموجود بين أيديهم الذي هو - البينات - هو صحيح لا لبس فيه، ولهم عذاب عظيم؛ لأنهم ابتعدوا عنه، وواجب محمد هنا أن يردهم إليه لا أن يعطيهم كتابًا آخر.
والرد على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: التفسير الصحيح للآية
.
الوجه الثاني: النبي صلى الله عليه وسلم مكلف بالتبليغ بالقرآن الكريم، ولم يكلفه الله أن يرد المختلفين من أهل الكتاب إلى كتابهم؛ لأن القرآن فيه بيناتهم وزيادة:
1 -
القرآن بلاغ للناس.
2 -
القرآن إنذار للأحياء جميعًا.
3 -
النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى.
4 -
نهي الله عز وجل نبيه أن يتهاون في تبليغ القرآن.
5 -
كل الرسل الذين جاءوا من قبل نبينا كانوا يبينون للناس ما اختلفوا فيه من قبل، ويأتونهم بكتاب جديد.
الوجه الثالث: الإسلام جاء ناسخًا للكتب السماوية الأخرى.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: التفسير الصحيح للآية.
قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران: 105].
قال أبو جعفر الطبري: يعني بذلك جل ثناؤه: {وَلَا تَكُونُوا} يا معشر الذين آمنوا: {كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا} من أهل الكتاب {وَاخْتَلَفُوا} في دين الله وأمره ونهيه {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} ، من حجج الله، فيما اختلفوا فيه، وعلموا الحق فيه فتعمدوا خلافه، وخالفوا أمرَ الله، ونقضوا عهده وميثاقه جراءة على الله {وَأُولَئِكَ لَهُمْ} ، يعني: ولهؤلاء الذين تفرقوا، واختلفوا من أهل الكتاب من بعد ما جاءهم {عَذَابٌ} من عند الله {عَظِيمٌ} ، يقول جل ثناؤه: فلا تتفرقوا، يا معشر المؤمنين، في دينكم تفرُّق هؤلاء في دينهم، ولا تفعلوا فعلهم، وتستنوا في دينكم بسنتهم، فيكون لكم من عذاب الله العظيم ما لهم. (1)
وقال ابن كثير: ينهى هذه الأمة أن تكون كالأمم الماضية في تفرقهم واختلافهم، وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قيام الحجة عليهم. (2)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَفَرَّقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتفرقت النَّصَارَى إِحْدَى أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً". (3)
قال صاحب عون المعبود: هَذَا مِنْ مُعْجِزَاته صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ غَيْب وَقَعَ. قَالَ الْعَلْقَمِيّ: قَالَ شَيْخنَا أَلَّفَ الْإِمَام أَبُو مَنْصُور عَبْد الْقَاهِر بْن طَاهِر التَّمِيمِيّ فِي شَرْح هَذَا الْحَدِيث كِتَابًا قَالَ فِيهِ: قَدْ عَلِمَ أَصْحَاب الْمُقَاوَلَات أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرِدْ بِالْفِرَقِ الْمَذْمُومَة الْمُخْتَلِفِينَ فِي فُرُوع الْفِقْه مِنْ أَبْوَاب الْحَلَال وَالْحْرَام، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِالذَّمِّ مَنْ خَالَفَ أَهْل الْحَقّ فِي أُصُول التَّوْحِيد، وَفِي تَقْدِير الْخَيْر وَالشَّرّ وَفِي شُرُوط النُّبُوَّة وَالرِّسَالَة، وَفي مُوَالَاة الصَّحَابَة وَمَا جَرَى مَجْرَى هَذِهِ الْأَبْوَاب؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهَا قَدْ كَفَّرَ بَعْضهمْ بَعْضًا بِخِلَافِ النَّوْع الْأَوَّل فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ
(1) تفسير الطبري (4/ 39).
(2)
تفسير ابن كثير (1/ 535).
(3)
رَوَاهُ أبو داود (6247)، والترمذي (2640)، وعند ابن ماجه (3993) عن أنس بن مالك وإسناده صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (1492، 203).
غَيْر تَكْفِير، وَلَا تَفْسِيق لِلْمُخَالِفِ فِيهِ؛ فَيَرْجِع تَأْوِيل الْحَدِيث فِي اِفْتِرَاق الْأُمَّة إِلَى هَذَا النَّوْع مِنْ الِاخْتِلَاف، وَقَدْ حَدَثَ فِي آخِر أَيَّام الصَّحَابَة خِلَاف الْقَدَرِيَّة مِنْ مَعْبَد الْجُهَنِيّ وَأَتْبَاعه، ثُمَّ حَدَثَ الْخِلَاف بَعْد ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَكَامَلَتْ الْفِرَق الضَّالَّة اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة، وَالثَّالِثَة وَالسَّبْعُونَ هُمْ أَهْل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة، وَهِيَ الْفِرْقَة النَّاجِيَة (1).
وقال في تحفة الأحوذي: المراد من أمتي الإجابة (2)، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم. (3)
ومما جاء في ذم التفرق والحث على الجماعة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجْابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِينَا، فَقَالَ:"أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ. أَلا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ. عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ. مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ. مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ"(4).
قال في تحفة الأحوذي: قَوْلُهُ: "خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ "خُطْبَةُ عُمَرَ هَذِهِ مَشْهُورَةٌ، خَطَبَهَا بِالْجَابِيَةِ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِدِمَشْقَ فَقَالَ أَيْ: رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ "أَيْ: التَّابِعِينَ "ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" أَيْ: أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ. وَقَوْلُهُ: "بِأَصْحَابِي"، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِهِ وُلَاةَ الْأُمُورِ "ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ" أَيْ: يَظْهَرُ وَيَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ نَكِيرٍ" حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ" أَيْ: لَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْحَلِفُ لِجُرْأَتِهِ عَلَى الله "وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ"
(1) عون المعبود (6/ 22).
(2)
الإجابة: أمة النبي نوعان: أمة إجابة، وأمة دعوة؛ فأمة الدعوة هم من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأمة الإجابة هم من آمن به.
(3)
تحفة الأحوذي (7/ 332).
(4)
رَوَاهُ الترمذي (2165) وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وأحمد (1/ 26). وصححه الألباني في صحيح الجامع (2546)، وفي الصحيحة (430).