الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - شبهة: حول سجود الملائكة لآدم
.
نص الشبهة:
في سورة البقرة: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 31 - 34]، وجاء في سورة الأعراف (11)، والحجر (28)، وغيرها ما في هذا المعنى.
قال المعترض: في أول الأمر علم الله آدم الأسماء ثم عرضهم على الملائكة، فعجزوا عن التسمية، واعترفوا بالعجز؛ فكيف يمتحن الله الملائكة فيما لا يعرفونه، ويعطي الإجابات لآدم ليعلم ما لا يعلمون؟ وكيف أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم؟ وحاشا لله القدوس أن يأمر بالسجود لغير ذاته العلية! قال الله في الخروج (34: 14): فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لإِلهٍ آخَرَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسْمُهُ غَيُورٌ. إِلهٌ غَيُورٌ هُوَ.
الجواب عن هذه الشبهة من عدة وجوه:
الوجه الأول: دلالة صيغ الأمر في لغة العرب التي نزل بها القرآن
.
الوجه الثاني: السجود بين شرعنا وشرع من سبقنا.
الوجه الثالث: حكمة بالغة.
الوجه الرابع: السجود في الكتاب المقدس!
وإليك التفصيل
الوجه الأول: دلالة صيغ الأمر في لغة العرب التي نزل بها القرآن.
اعلم أن علماء البلاغة ينصُّون على قاعدة وهي: كلُّ من صِيَغِ الأمْرِ وصيغةِ النهي قد تخرج عن دلالَتَيْهِما بقرائنِ حاليّة أو قوليّة إلى معانٍ كثيرة، منها ما يلي:
(الدعاء - الالتماس - الإِرشاد - التمنّي - الترجّي - التيئيس - التخيير - التسوية -
التعجيز - التهكّم والإِهانة - الإِباحة - التوبيخ والتأنيب والتقريع - الندب - التهديد - الامتنان - الاحتقار والتقليل من أمر الشيء - الإِنذار - الإِكرام - التكوين - التكذيب - المشورة - الاعتبار - التعجّب أو التعجيب) إلى غير ذلك من معان (1).
وبهذا نفهم أن أمر الله للملائكة الإخبار عن أسماء المسميات ليس من باب التكليف بما لا يطاق، وإنما هو من باب تجلية مصالح أعظم من مجرد الإخبار بمسميات الأشياء نذكر من هذه المصالح:
1 -
تبكيتًا للملائكة عليهم السلام (والتبكيت يعني الغلبة بالحجة والإلزام بالسكوت للعجز عن الجواب) وإظهارًا لعجزهم عن إقامة ما علقوا به رجاءَهم من أمرِ الخلافةِ حيث قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ} ، فإن أدنى مراتب استحقاق الخلافة هو الوقوف على أسماء من في الأرض، فمن لم يقدر على معرفة مراتب الأشياء وأسماءها لا يستحق أن يكون خليفة عليها وكأنه أراد أن يقول لهم: إذا عجزتم عن معرفة هذه الأشياء مع مشاهدتكم لها فأنتم عن معرفة الأمور المغيبة عنكم أعجز (2).
مع الإقرار التام بأنهم ما قالوا هذا الكلام الذي بُكِّتُوا من أجله إلا لرغبتهم في الوصول إلى كل سبيل يزدادون به إلى الله تقربا فهم كما أخبر الله عنهم {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} .
2 -
تبيين لفضل آدم وأنه ليس كما ظنوا به فلما كان قولهم عليه السلام، فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الأرض، أراد الله تعالى، أن يبين لهم من فضل آدم، ما يعرفون به فضله، وكمال حكمة الله وعلمه (3).
3 -
الجمع لهم بين الأسلوب العلمي والعملي في التعليم حيث أجابهم أولًا بقوله: {إِنِّي
(1) البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها (1/ 175).
(2)
الجواهر (1/ 63) بتصرف، أبو السعود (1/ 114) بتصرف، تفسير الرازي (1/ 195).
(3)
تفسير السعدي (1/ 34).