الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يمنعهم أن يعذبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم، فيؤمنوا به، وهم يصدون المؤمنين بالله ورسوله عن المسجد الحرام.
وإنما قلنا هذا القول أولى بالأقوال في ذلك بالصواب؛ لأن القوم - أعني مشركي مكة - كانوا استعجلوا العذاب فقالوا: اللهم إن كان ما جاء به محمد هو الحق، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فقال الله لنبيه: ما كنت لأعذبهم وأنت فيهم، وما كنت لأعذبهم لو استغفروا، وكيف لا أعذبهم بعد إخراجك منهم، وهم يصدون عن المسجد الحرام، فأعلمه جل ثناؤه أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل، وأعلمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد إخراجه إياه من بين أظهرهم، ولا وجه لإبعادهم العذاب في الآخرة، وهم مستعجلوه في العاجل، ولا شك أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون؛ بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر الدليل الواضح على أن القول في ذلك ما قلنا (1).
قال ابن الجوزي: المعنى: لو استغفروا لما عذبهم الله، ولكنهم لم يستغفروا فاستحقوا العذاب، وهذا كما تقول العرب: ما كنت لأهينك وأنت تكرمني؛ يريدون ما كنت لأهينك لو أكرمتني، فأما إذا لست تكرمني، فإنك مستحق لإهانتي (2).
الوجه الثاني: أن المراد بقوله {يَسْتَغْفِرُونَ} استغفار المؤمنين المستضعفين بمكة
.
فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وخرج المؤمنون الذين كانوا يستغفرون وبسببهم دفع العذاب، استحق الكفار العذاب بقوله:{وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} .
قال ابن الجوزي: وما كان الله معذبهم يعني المشركين وهم - يعني المؤمنين الذين بينهم - يستغفرون، قال ابن الأنباري: وصفوا بصفة بعضهم؛ لأن المؤمنين بين أظهرهم، فأوقع العموم على الخصوص كما يقال قتل أهل المسجد رجلًا، وأخذ أهل البصرة فلانًا، ولعله لم يفعل ذلك إلا رجل واحد (3).
(1) تفسير الطبري (6/ 238).
(2)
زاد المسير (3/ 320).
(3)
زاد المسير (3/ 350).
قال الشنقيطي: المراد بقوله: {يَسْتَغْفِرُونَ} استغفار المؤمنين المستضعفين بمكة، وعليه فالمعنى: أنه بعد خروجه صلى الله عليه وسلم، كان استغفار المؤمنين سببًا لرفع العذاب الدنيوي عن الكفار المستعجلين للعذاب بقوله:{فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32].
وعلى هذا القول فقد أسند الاستغفار إلى مجموع أهل مكة الصادق بخصوص المؤمنين منهم، ونظير الآية علي قوله تعالى:{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} مع أن العاقر واحد منهم بدليل قوله تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)} ، وقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 15، 16] أي: جعل القمر في مجموعهن الصادق بخصوص السماء التي فيها القمر؛ لأنه لم يجعل في كل سماء قمرًا، وقوله تعالى:{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] أي: من مجموعكم الصادق بخصوص الإنس على الأصح إذا ليس من الجن رسل.
وأما تمثيل كثير من العلماء لإطلاق المجموع مرادًا بعضه بقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] زاعمين أن قوله {مِنْهُمَا} أي من مجموعهما الصادق بخصوص البحر الملح؛ لأن العذب لا يخرج منه لؤلؤ ولا مرجان، فهو قول باطل بنص القرآن العظيم.
فقد صرح تعالى باستخراج اللؤلؤ والمرجان من البحرين كليهما حيث قال: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12].
فقوله: {وَمِنْ كُلٍّ} ونص صريح في إرادة العذب والملح معًا، وقوله:{حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} هي اللؤلؤ والمرجان، وعلى هذا القول، فالعذاب الدنيوي يدفعه الله عنهم