الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصل إلى النجاشي تفاصيل الأحكام الشرعية حتى يلزمه العمل بها، فإن العمل يجب مع التمكن من العلم والقدرة على العمل، فإذا لم يتمكن من العلم أو كان عاجزًا عن العمل لم يجب عليه، والله المستعان (1).
الوجه السابع:
وقيل: إن يوسف عليه السلام انظر له في أملاكه دون أعماله، فزالت عنه التبعة فيه (2).
الوجه الثامن: حكم السفر والعمل مع الكفار في بلاد الكفر
.
إن السفر والإقامة في بلاد الكفار لا تجوز إلا بشروط بَيَّنها أهلُ العلم، وملخصها:
1 -
أن يأمن الإنسان على دينه، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان ما يبعده عن الانحراف.
2 -
أن يكون مضمرًا لعداوة الكافرين وبغضهم، مبتعدًا عن موالاتهم ومحبتهم.
3 -
أن يتمكن من إظهار دينه من الصلاة وغيره.
4 -
أن يكون بقاؤه هناك لضرورة أو مصلحة؛ كالدعوة إلى الله تعالى، أو تعلم علم لا يوجد في بلده.
قال ابن عثيمين: وأما الإقامة في بلاد الكفار فإن خطرها عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه، وقد شاهدنا وغيرُنا انحرافَ كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به؛ رجعوا فساقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه، وكافرًا به وبسائر الأديان والعياذ بالله؛ حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي بل يتعين التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهوي في تلك المهالك.
فالإقامة في بلاد الكفر لا بد فيها من شرطين أساسين:
الشرط الأول: أَمْنُ المقيم على دينه؛ بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ، وأن يكون مضمرًا لعداوة
(1) تأملات في سورة يوسف (156، 157).
(2)
تفسير الماوردي (3/ 242).
الكافرين وبغضهم، مبتعدًا عن موالاتهم ومحبتهم، فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان؛ قال الله تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22]، وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} [المائدة: 51]
الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه؛ بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تَجُزْ الإقامةُ لوجوب الهجرة حينئذ.
وبعد تمام هذين الشرطين الأساسيين تنقسم الإقامة في دار الكفر إلى أقسام:
القسم الأول: أن يقيم للدعوة إلى الإسلام والترغيب فيه؛ فهذا نوع من الجهاد، فهي فرض كفاية على من قدر عليها، بشرط أن تتحقق الدعوة، وأن لا يوجد من يمنع منها، أو من الاستجابة إليها؛ لأن الدعوة إلى الإسلام من واجبات الدين.
القسم الثاني: أن يقيم لدراسة أحوال الكافرين والتعرف على ما هُمْ عليه من فساد العقيدة، وبطلان التعبد، وانحلال الأخلاق، وفوضوية السلوك؛ ليُحذر الناسَ من الاغترار بهم، ويبين للمعجبين بهم حقيقة حالهم، وهذه الإقامة نوع من الجهاد أيضًا؛ لما يترتب عليها من التحذير من الكفر وأهله المتضمن للترغيب في الإسلام وهديه؛ لأن فساد الكفر دليل على صلاح الإسلام، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.
القسم الثالث: أن يقيم لحاجة الدولة المسلمة وتنظيم علاقاتها مع دولة الكفر كموظفي السفارات؛ فحكمها حكم مَنْ أقام من أجله، فيحصل بإقامته مصلحة كبيرة، ويندرئ بها شر كبير.
القسم الرابع: أن يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج، فتباح الإقامة بقدر الحاجة، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على جواز دخول بلاد الكفار للتجارة، وأثروا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.
القسم الخامس: أن يقيم للدراسة وهي من جنس ما قبلها إقامة لحاجة، وأن يكون العلم الذي سيتعلمه لا يوجد أو غير متاح في بلده.
القسم السادس: أن يقيم للسكن؛ وهذا أخطر مما قبله وأعظم، لما يترتب عليه من المفاسد بالاختلاط التام بأهل الكفر، وشعوره بأنه مواطن ملتزم بما تقتضيه الوطنية من مودة، وموالاة، وتكثير لسواد الكفار، ويتربى أهلُه بين أهل الكفر فيأخذون من أخلاقهم وعاداتهم، وربما قلدوهم في العقيدة والتعبد، وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر؛ ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله، وهو يشاهد ذلك بعينه، ويسمعه بأذنيه، ويرضى به؟ !
بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده، ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين، مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم (1).
* * * *
(1)"شرح الأصول الثلاثة" للشيخ ابن عثيمين؛ ضمن مجموع الفتاوى له (6/ 132).