الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
لم تقتصر اللجنة على هذين الرجلين فقد صح أن عثمان رضي الله عنه اختار أربعة من الصحابة لنسخ المصاحف هم: زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهؤلاء الثلاثة من قريش (1).
وقيل: إن عثمان اختار اثني عشر رجلًا من قريش والأنصار منهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت (2).
قال ابن حجر: وكأن ابتداء الأمر كان لزيد وسعيد للمعنى المذكور فيهما في رواية مصعب ثم احتاجوا إلى من يساعد في الكتابة بحسب الحاجة إلى عدد المصاحف التي ترسل إلى الآفاق، فأضافوا إلى زيد من ذُكر، ثم استظهروا بأُبيِّ بن كعب في الإملاء (3).
قلت: ويشهد لهذا الجمع ما أخرجه الطحاوي عن زيد رضي الله عنه قال: ثم عرضته، يعني المصحف، عرضة أخرى فلم أجد فيه شيئًا، وأرسل عثمان إلى حفصة أن تعطيه الصحيفة وحلف لها ليردنها إليها، فأعطته، فعرضت المصحف عليها فلم يختلفا في شيء، فردها عليها وطابت نفسه، وأمر الناس أن يكتبوا المصاحف (4).
ثالثًا: منهج الجمع
.
1 -
الأصل أن تتفق اللجنة بالإجماع على ما يكتب، أما عند الاختلاف في كتابة شيء فإنهم يكتبونه بحرف قريش. حيث قال عثمان بن عفان رضي الله عنه للرهط القرشيين الثلاثة:"إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم"(5).
فالمقصود بالاختلاف هنا من حيث الرسم والكتابة، لا من حيث الألفاظ والكلمات، ويدل عليه قوله "فاكتبوه" فيكون المعنى: إذا اختلفتم أنتم وزيد في رسم كلمة، فاكتبوها
(1) البخاري (4987).
(2)
وقد ذكر الحافظ ابن حجر نقلًا عن ابن أبي داود أسماء تسعة من أعضاء هذه اللجنة ممن صرح بأسمائهم. الفتح 9/ 19، جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين (21).
(3)
فتح الباري 9/ 19.
(4)
المشكل 7/ 137.
(5)
البخاري (3506).
بالرسم الذي يوافق لغة قريش ولهجتها (1).
3 -
الإشراف المباشر من عثمان بن عفان رضي الله عنه على الجمع حيث كان يتفقد اللجنة باستمرار، ويتعاهدهم على الدوام.
عن كثير بن أفلح أنه قال: وكان عثمان يتعاهدهم، فكانوا إذا تدارءوا في شيء أخروه، قال محمد، فقلت لكثير - وكان فيمن يكتب -: هل تدرون لم كانوا يؤخرونه؟ قال: لا، قال محمد: فظننت ظنًا إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدًا بالعرضة الآخرة فيكتبونها على قوله (2).
4 -
رجوع اللجنة إلى الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه فيما يحتاجون إليه للتأكد من كتابته وكيفية ذلك. قال زيد: فأمرني عثمان أن أكتب له مصحفا، وقال: إني جاعل معك رجلًا لبيبًا فصيحًا، فما اجتمعتما فيه فاكتباه، وما اختلفتما فيه فارفعاه إليَّ، فجعل معه أبان بن سعيد بن العاص فلما بلغ: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت. قال زيد: "فقلت أنا: التابوه، وقال أبان: التابوت، فرفعنا ذلك إلى عثمان فكتب: التابوت (3).
وأخرج البخاري أن ابن الزبير (أحد أعضاء اللجنة) قال: قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 240]. قال: قد نسختها الأخرى، قلت: فلِمَ تَكْتُبُها؟ أَوَ تَدَعُها؟ قال: يا ابن أخي لا أغير شيئًا من مكانه" (4).
4 -
استيثاق اللجنة مما يكتبونه وبخاصة فيما تعددت فيه القراءة حيث كانوا يسألون مشاهير الصحابة عن كيفية القراءة به لا عن قرآنيته، فإن ذلك عرف في جمع أبي بكر؛ لأن عثمان رضي الله عنه أراد أن تكتب المصاحف في مجموعها على جميع القراءات التي قرأها الرسول صلى الله عليه وسلم
(1) المقنع في رسم المصاحف للداني، في رحاب القرآن 1/ 153، معجم القراءات القرآنية 1/ 45، جمع القرآن الكريم حفظا وكتابةً (59).
(2)
كتاب المصاحف 1/ 105، وابن كثير في فضائل القرآن 1/ 39، وقال: صحيح الإسناد.
(3)
الترمذي (3104) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
(4)
البخاري (4530).
ليقضي على الفتنة التي حدثت بين المسلمين؛ بسبب جهلهم هذه القراءات. يدل على ذلك ما أخرجه الطحاوي عن أبي قلابة قال: حدثني رجل من بني عامر يقال له أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "اختلفوا في القرآن على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون، فبلغ عثمان فقال: "عندي تكذبون به وتختلفون فيه فمن نأى عني كان أشد تكذيبًا، وأكثر لحنًا"، وقال لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: اجتمعوا فاكتبوا للناس، قال: فكتبوا، قال: فحدثني أنهم إذا تدارءوا في آية قالوا: هذه أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانًا، فيرسل إليه وهو على رأس ثلاث من المدينة، فيقال: "كيف أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا؟ ، فيقول: كذا، وكذا، فيكتبونها، وقد تركوا لها مكانا". قال الطحاوي: فهذا في التوكيد فوق ما في حديث خارجة، والله نسأله التوفيق (1).
أي أن مهمة الجمع لم تكن قاصرة على أعضاء اللجنة الأربعة المنصوص عليهم في حديث خارجة بن زيد فحسب؛ بل تتسع الدائرة حتى تشمل كل من سمع من رسول الله شيئًا ولو قليلًا زيادة في التوكيد.
5 -
كتبت المصاحف على اللفظ الذي استقر عليه في العرضة الأخيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صرح به غير واحد من أئمة السلف كمحمد بن سيرين، وعبيدة السلماني، وعامر الشعبي (2).
6 -
الكتابة تمت بشكل يجمع ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة في العرضة الأخيرة، وقد ساعد على ذلك عدم التشكيل، وعدم التنقيط. قال ابن الجزري "وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أن هذه المصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط، جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، متضمنة لها لم تترك حرفًا منها" إلى أن قال "وهذا القول هو الذي يظهر صوابه؛ لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه وتشهد له"، ثم قال:"فكتب الصحابة المصاحف على لفظ لغة قريش والعرضة الأخيرة، وجردوا المصاحف عن النقط والشكل لتحتمله صورة ما بقي من الأحرف السبعة"(3)، ما لم يكن في العرضة الأخيرة مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (4).
(1) مشكل الآثار 7/ 138.
(2)
النشر في القراءات العشر 1/ 16.
(3)
المصدر السابق 1/ 31.
(4)
المصدر السابق 1/ 45.