الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - شبهة: حول قوله تعالى: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ}
.
نص الشبهة:
ما كان جواب قومه؟ جواب قوم لوط في سورة الأعراف مختلف عن سورة العنكبوت ففي سورة الأعراف: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)} [الأعراف: 82].
وفي الموضع الآخر قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)} [العنكبوت: 28، 29].
والرد على ذلك من وجوه:
الوجه الأول:
كان نبي الله لوط عليه السلام ثابتًا على الإرشاد مكررًا عليهم التغيير والنهي والوعيد، فقالوا أولًا: ائتنا، ثم لما كثر منه ذلك ولم يسكت عنهم قالوا: أخرجوا، ثم إن لوطًا لما يئس منهم طلب النصرة من الله وذكرهم بما لا يحب الله فقال:{رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} فإن الله لا يحب المفسدين: حتى ينجز النصر (1).
زيادة وتوضيح:
لما أنكر لوط عليه السلام ما كانوا يفعلونه أجابوا بما حكى الله عنهم بقوله:
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أي ما أجابوا بشيء إلا بهذا القول رجوعًا منهم إلى التكذيب واللجاج والعناد وقد تقدم في سورة النمل: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} .
(1) التفسير الكبير للرازي (25/ 58)، وانظر البحر المحيط لأبي حيان (7/ 146).
وتقدم في سورة الأعراف: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ}
وقد جمع بين هذه الثلاثة المواضع بأن لوطًا كان ثابتًا على الإرشاد ومكررًا للنهي لهم والوعيد عليهم، فقالوا له أولًا: ائتنا بعذاب الله كما في الآية، فلما كثر منه ذلك ولم يسكت عنهم قالوا: أخرجوهم كما في سورة الأعراف والنمل، وقيل: إنهم قالوا أولًا: أخرجوهم من قريتكم ثم قالوا ثانيًا: ائتنا بعذاب الله (1).
(فائدة): في آية العنكبوت اختلف فيها الجواب عن سورة الأعراف وهي: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)} ، والقرآن يفسر بعضه بعضًا، ومتى كان الكلام مفهومًا كان صحيحًا فصيحًا وإن أشكل على جامدي النحاة إعرابه.
فإن قيل: إن في حكاية الجوابين تعارضًا في المعنى محكيًا بصيغة النفي والإثبات فيهما فكيف وقع هذا في كتاب الله تعالى وما الذي يدفع هذا التعارض؟ قلنا: إنه لا تعارض ولا تنافي بين الجوابين لحملها على الوقوع في وقتين، ولا شك أنه كان ينهاهم كثيرًا فكان يسمع في كل وقت كلامًا ممن حضر منهم، وقد قلنا: إن قصص القرآن لم يقصد بها سرد حوادث التاريخ؛ بل العبرة والموعظة فيما يذكر في كل سورة من القصة الواحدة من المعاني والمواعظ ما لا يذكر في الأخرى، ومجموعها هو كل ما أراد الله تعالى أن يعظ به هذه الأمة. فمن المعهود أن الرسل عليهم السلام وَكَذَا غَيْرُهُمْ مِنَ الْوُعَّاظِ الذين ينهون الضالين والمجرمين عن المنكر - يُكَرِّرُونَ لهم الوعظ بمعان متقاربة. وقد حكى الله تعالى من قول رسوله لوط عليه السلام لقومه في سورة العنكبوت ما لم يحكه في سورتي الأعراف والنمل فزاد على إتيانهم الرجال قطع السبيل، وإتيانهم المنكر في النادي الحافل والمجلس الحاشد، فكأنهم ضاقوا به ذرعًا واستعجلوا العذاب الذي أنذرهم إذا أصروا على عصيانه. والأظهر أن هذا كان بعد أمرهم بإخراجه وأن
(1) فتح القدير للشوكاني (4/ 282).