الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الأول: معنى الآية يفهمك العلة من هذا الرد عليهم
.
قال ابن كثير: {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} أي: ويقول هؤلاء الكفرة الملحدون المكذبون المعاندون: لولا أنزل على محمد آية من ربه؛ يعنون كما أعطى الله ثمود الناقة، أو أن يحول لهم الصفا ذهبًا، أو يزيح عنهم جبال مكة ويجعل مكانها بساتين وأنهارًا، ونحو ذلك مما الله عليه قادر، ولكنه حكيم في أفعاله وأقواله، كما قال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان: 10] وقال تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]. يقول تعالى: إن سنتي في خلقي أني إذا آتيتهم ما سألوا، فإن آمنوا، وإلا عاجلتهم بالعقوبة. ولهذا لما خيَّر رسول الله عليه الصلاة والسلام، بين أن يُعطى ما سألوا، فإن أجابوا وإلا عُوجلوا، وبين أن يتركهم ويُنْظرهم، اختار إنظارهم، كما حلم عنهم غير مرة صلى الله عليه وسلم ولهذا قال تعالى إرشادًا لنبيه إلى الجواب عما سألوا:{فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ} أي: الأمر كله لله، وهو يعلم العواقب في الأمور، {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} أي: إن كنتم لا تؤمنون حتى تشاهدوا ما سألتم فانتظروا حكم الله فيَّ وفيكم. هذا مع أنهم قد شاهدوا من معجزاته صلى الله عليه وسلم أعظم مما سألوا حين أشار بحضرتهم إلى القمر ليلة إبداره، فانشق باثنتين فرقة من وراء الجبل، وفرقة من دونه. وهذا أعظم من سائر الآيات الأرضية مما سألوا وما لم يسألوا، ولو علم الله منهم أنهم سألوا ذلك استرشادًا وتثبّتًا لأجابهم، ولكن علم أنهم إنما يسألون عنادًا وتعنتًا، فتركهم فيما رابهم، وعلم أنهم لا يؤمن منهم أحد، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 96، 97]، وقال تعالى:{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: 111]،
ولما فيهم من المكابرة، كما قال تعالى:{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر 14، 15]، وقال تعالى:{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} [الطور: 44]، وقال تعالى:{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الأنعام: 7]، فمثل هؤلاء أقل من أن يجابوا إلى ما سألوه؛ لأنه لا فائدة في جواب هؤلاء؛ لأنه دائر على تعنتهم وعنادهم، لكثرة فجورهم وفسادهم؛ ولهذا قال:{فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} . (1)
قال الزمخشري: وكانوا لا يعتدون بما أنزل عليه من الآيات العظام المتكاثرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها، وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر بديعة غريبة في الآيات، دقيقة المسلك من بين المعجزات. وجعلوا نزولها كلا نزول، فكأنه لم ينزل عليه قط حتى قالوا: لولا أنزل عليه آية واحدة من ربه، وذلك لفرط عنادهم وتماديهم في التمرد، وإنهماكهم في الغي فقل {إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ} أي: هو المختص بعلم الغيب المستأثر به، لا علم لي ولا لأحدٍ به. يعني: أنّ الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلا هو سبحانه، فانتظروا نزول ما اقترحتموه إني معكم من المنتظرين بما يفعل الله تعالى بكم لعنادكم وجحدكم الآيات. (2)
وقال ابن عطية: آية من ربه، آية تضطر الناس إلى الإيمان، وهذا النوع من الآيات لم يأت بها نبي قط، ولا من المعجزات اضطرارية، وإنما هي معرضة النظر ليهتدي قوم ويضل آخرون، فقل: إنما الغيب لله إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، لا يطلع على غيبه في ذلك أحد. وقوله:{فَانْتَظِرُوا} وعيد، وقد صدقه الله تعالى بنصرته محمدًا صلى الله عليه وسلم. (3).
وقيل: الآية التي اقترحوا أن ينزل ما تضمنه قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى
(1) تفسير ابن كثير (2/ 558).
(2)
الكشاف للزمخشري (2/ 337).
(3)
تفسير ابن عطية (3/ 112).