الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُصَادِفُهُ يَقْتُلُهُ. 20 وَإِنْ دَفَعَهُ بِبُغْضَةٍ أَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ شَيْئًا بِتَعَمُّدٍ فَمَاتَ، 21 أَوْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ بِعَدَاوَةٍ فَمَاتَ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الضَّارِبُ لأَنَّهُ قَاتِلٌ. وَلِيُّ الدَّمِ يَقْتُلُ الْقَاتِلَ حِينَ يُصَادِفُهُ.
الوجه السابع: وشهد شاهد من النصارى على مثله
.
وهذه كلمة قالها القس شنودة الثالث - كتاب التسامح في الحضارة الإِسلامية - ص: (25 - 31) حول سماحة الإسلام ألقاها في القاهرة في المؤتمر العام السادس عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في الفترة من 8 - 11 ربيع الأول سنة 1425 هـ الموافق 28 إبريل - 1 مايو 2004 م، وكان موضوع المؤتمر:(التسامح في الحضارة الإسلامية):
الأستاذ الدكتور/ عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء. الإمام الأكبر الدكتور/ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر. باسم الإله الواحد الذي نعبده جميعًا، نظرة الإسلام إلى السلام: يكفي أن السلام هو اسم من أسماء الله، وقد ورد في سورة الحشر:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ} [الحشر: 23]، وورد في سورة البقرة:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]، وفي سورة النساء:{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] أول مرحلة من السلام كانت في تاريخ الإسلام هي العهود والمواثيق الشهيرة، لعل في مقدمتها الميثاق الذي أُعطي لنصارى نجران، والميثاق الذي أعطي لقبيلة تغلب، ووصية الخليفة أبي بكر الصديق لأسامة بن زيد، والوصية التي قدمها الخليفة عمر بن الخطاب قبل موته، والميثاق الذي أعطاه خالد بن الوليد لأهل دمشق، والميثاق الذي أعطاه عمرو بن العاص لأقباط مصر. وفي هذه الواثيق أمَّن المسيحيين على كنائسهم، وصوامعهم، ورهبانيتهم، وأملاكهم، وأرواحهم.
ونذكر هنا في مصر أنه عندما أتى عمرو بن العاص إلى مصر كان البابا القبطي بنيامين منفيًا ثلاثة عشر عامًا بعيدًا عن كرسيه، فأمَّنه عمرو بن العاص وأعاده إلى كرسيه وأسلمهُ كنائسه التي أخذها منه الروم، وعاش معه في سلام.
ونذكر أيضًا بعض نواحي محبة وتعاون؛ فمثلًا في الدول الإخشيدية كان محمد بن طغج الإخشيدي يحتفل مع الأقباط بعيد الغطاس في جزيرة في النيل، وقد أوقدوا حوله ألف قنديل. وفي الدولة الطولونية نعرف أن جامع أحمد بن طولون بناه سعيد بن كاتب الفرغاني؛ وهو مهندس مسيحي، طلب منه أحمد بن طولون أن يبني مسجده بغير عمدٍ تمنع النظر. وفي الدولة الفاطمية كانت العلاقة طيبة جدًّا بين المسيحيين والمسلمين حتى إن يعقوب بن كلس اليهودي كان الوزير الوحيد في عهد المعز، وعيسى بن نسطورس النصراني كان كذلك في عهد العزيز بن المعز، ما يدل على أن غير المسلمين وصلوا إلى درجات كبيرة في الدولة. نرى أيضًا من سماحة الإسلام: ما قيل من كلمات طيبة عن أهل الكتاب في آيات القرآن، ففي سورة آل عمران:{مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 113، 114]، ولا شك أن هذه الكلمات كان لها تأثير في المجتمع الإسلامي، وفي العلاقة الطيبة بين المسيحيين والمسلمين وفي سورة الأنبياء:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]، وفي سورة المائدة:{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82]، وفي الحديث عن السيد المسيح في سورة الحديد:{وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} [الحديد: 27].
ومن التسامح الإسلامي أيضًا الأحاديث التي وردت عن أهل الذمة، فقد قيل (في المأثورات الإسلامية):"من آذى ذميًا فليس منا، العهد لهم ولأبنائهم عهد أبدي لا يُنقض، يتولاه ولي الأمر ويرعاه" لا ننسى العلاقة الطيبة التي قدم لها مثالًا الخليفة عمر بن الخطاب عندما دُعي للصلاة في كنيسة القدس فاعتذر عن ذلك، وقال: (لئلا يأتي المسلمون من بعدي،
ويأخذوها منكم، ويقولون: هنا سجد عمر)، وصلى بعد رمية حجر من الكنيسة، وأنشئ في ذلك المكان جامع عمر، إنها روح طيبة عاش بها الإسلام مع غير المسلمين، ولعل من النقاط البارزة في القرآن مبدأ هام هو أنه لا إكراه في الدين، فقد ورد في سورة البقرة:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]، وفي سورة يونس:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [يونس: 99، 100]. ولذلك عندما جمع هذا المبدأ - مبدأ لا إكراه في الدين - المبدأ الذي يقول: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99)} كما في [المائدة: 99]، وأيضًا:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، وفي سورة الشورى:{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} [الشورى: 48]، وفي سورة النحل:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82)} [النحل: 82]، لذلك كان من المبادئ الإسلامية القرآنية المعروفة بعدم الإكراه في الدين، وما على الرسول إلا البلاغ، وأيضًا ما ورد في سورة الغاشية:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)} [الغاشية: 21، 22]، حتى بالنسبة للكافرين ورد في سورة الكافرون:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)} [الكافرون: 1 - 6] ولهذا كان من مبادئ التسامح تلك الآية التي تقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] من أجل هذا كانت المجادلة في أمور الدين تكون بالتي هي أحسن، وهذا مبدأ من مبادئ التسامح كما في سورة العنكبوت:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ. .} [العنكبوت: 46]
وجاء في سورة النحل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] لذلك إن حدث في يوم من الأيام إكراه في الدين يكون هذا خروجًا على تعاليم الإسلام التي سجلها القرآن، غير أن هناك بعض آيات خاصة بالقتال والحرب لا تعمم على الجميع، منها {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] إذ هي موجهة في حالة الحرب وموجهة إلى أعداء الله وأعداء البلد، ومع ذلك جاء في نفس الآية:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] وأيضًا يقول القرآن {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة: 8] إذ المسائل الخاصة بالحرب والقتال والخاصة بالأعداء الذين يخرجونكم من دياركم أو يضلونكم في دينكم شيء آخر، ولكن في غير ذلك يعيش الناس في محبة تبرونهم وتقسطون إليهم، إن الله يحب المقسطين.
قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)} [الأحقاف: 10].
* * *