الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - شبهة: حول الأسباب التي منعت قوم موسى عليه السلام من دخول الأرض المقدسة
.
نص الشبهة:
أن القرآن ذكر أن قوم موسى رفضوا دخول الأرض المقدسة لأسباب وهي:
أن فيها قومًا جبارين.
وأنهم طلبوا من موسى أن يخرج أهلها أولًا حتى يدخلوها.
وكذلك أنهم قالوا: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون.
مع أن التوراة لم تذكر شيئًا من ذلك، وكل ما هنالك في هذه القصة وفي هذه الاعتراضات: أنهم تذمروا على موسى وقالوا ليتنا متنا في مصر أو في القفر. . . إلخ كما في سفر العدد (13، 14).
والجواب على هذه الشبهة من هذه الوجوه:
الوجه الأول: لا يجوز الاحتجاج بالكتاب المقدس على القرآن لأمور.
الوجه الثاني: القرآن كلام الله، وذكره للقصة يكفي ثبوتها
.
الوجه الثالث: الكتاب المقدس يذكر دخول بني إسرائيل الأرض المقدسة بالشروط التي ذكرها القرآن فاعتبروا يا أولي الأبصار.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: لا يجوز الاحتجاج بالكتاب المقدس على القرآن لأمور منها:
1 -
ثبوت تحريف التوراة والإنجيل بالدليل القاطع.
2 -
عدم إيماننا بما هو موجود الآن من هذه الكتب المحرفة، وهذه مسألة مفصلة في محلها فلتراجع (1).
ولو سلمنا بعدم التحريف؛ فالقرآن الكريم أتى بزيادة لم تأت بها التوراة فوجب قبولها.
الوجه الثاني: القرآن كلام الله، وذكره للقصة يكفي ثبوتها.
قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ
(1) انظر: مبحث "تحريف التوراة والإنجيل".
أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)} [المائدة: 20 - 26].
قال أبو جعفر الطبري: وفي قوله عز وجل: {قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} وهذا خبر من الله عز وجل عن جواب قوم موسى عليه السلام إذ أمرهم بدخول الأرض المقدسة: أنهم أبوا عليه إجابته إلى ما أمرهم به من ذلك، واعتلّوا عليه في ذلك بأن قالوا: إن في الأرض المقدسة التي تأمرنا بدخولها قومًا جبارين لا طاقة لنا بحربهم ولا قوة لنا بهم، وسموهم {جَبَّارِينَ} لأنهم كانوا لشدة بطشهم وعظيم خلقهم - فيما ذكر لنا - قد قهروا سائر الأمم غيرهم.
فقالوا: {وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا} ، يعنون: من الأرض المقدسة الجبارين الذين فيها جبنًا منهم وجزعًا من قتالهم، وقالوا له: إنْ يخرج منها هؤلاء الجبارون دخلناها، وإلا فإنا لا نُطيق دخولها وهم فيها؛ لأنه لا طاقة لنا بهم ولا يَدَ. ثم قال في قوله:{قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)} ، وهذا خبر من الله جل ذكره عن قول الملأ من قوم موسى لموسى إذ رُغِّبوا في جهاد عدوهم، ووعدوا نصر الله إياهم إن هم ناهضوهم، ودخلوا عليهم باب مدينتهم أنهم قالوا: إنا لن ندخلها أبدًا، يعنون إنا لن ندخل مدينتهم أبدًا والهاء والألف من قوله له:{إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا} من ذكر المدينة، ويعنون بقولهم:{أَبَدًا} أيام حياتنا،
{مَا دَامُوا فِيهَا} يعنون: ما كان الجبارون مقيمين في تلك المدينة التي كتبها الله لهم، وأمروا بدخولها، {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} لا نجيء معك يا موسى إن ذهبت إليهم لقتالهم؛ ولكن نتركك تذهب أنت وحدك وربك فتقاتلانهم، وكان بعضهم يقول في ذلك: ليس معنى الكلام اذهب أنت وليذهب معك ربك فقاتلا؛ ولكن معناه اذهب أنت يا موسى وليعنك الله ربك وذلك أن الله لا يجوز عليه الذهاب (1).
قال ابن كثير: وهذه القصة تضمنت تقريع اليهود وبيان فضائحهم، ومخالفتهم لله ولرسوله، ونكولهم عن طاعتهما فيما أمرهم به من الجهاد، فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجالدتهم ومقاتلتهم؛ مع أن بين أظهرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكليمه وصفيه من خلقه في ذلك الزمان، وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم، هذا وقد شاهدوا ما أحل الله بعدوهم فرعون من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده في اليم، وهم ينظرون لتَقَرَّ به أعينهم وما بالعهد من قدم، ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر لا توازي عشر المعشار في عدّة أهلها وعَدَدِهِمْ، فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام، وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل، ولا يسترها الذيل، هذا وهم في جهلهم يعمهون، وفي غَيِّهم يترددون، وهم البُغَضَاء إلى الله وأعداؤه، ويقولون مع ذلك:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] فقبح الله وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقرود، وألزمهم لعنة تصحبهم إلى النار ذات الوقود، ويقضي لهم فيها بتأبيد الخلود، وقد فعل وله الحمد من جميع الوجود (2).
وإنا لنفخر بما كان عليه صحابة نبينا من طاعتهم لله ورسوله، وعدم إعراضهم عن الجهاد والقتال عمومًا، ويوم استشارهم النبي صلى الله عليه وسلم في بدر خصوصًا.
قال ابن كثير: وما أحسن ما أجاب به الصحابة، رضي الله عنهم يوم بدر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
(1) تفسير الطبري بتصرف يسير (4/ 173 - 180)، تفسير ابن كثير 2/ 55 - 57.
(2)
تفسير ابن كثير (2/ 59 - 60).