الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال القرطبي: فمن كان إمامًا في الضلالة ودعا إليها، وأُتبع عليها، فإنه محمل وزر من أضله من غير أن ينقص من وزر المضل شيء. (1)
ثم قال: يحملون وزر من أضلوه ولا ينقص من إثم المضل شيء، وفي الخبر عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا"(2).
ومن للجنس لا للتبعيض، فدعاة الضلالة عليهم مثل أوزار من اتبعهم وقوله:{بغير علم} أي يضلوا من الخلق جهلًا منهم بما يلزمهم من الآثام؛ إذ لو علموا لما أضلوا (3).
الوجه السابع: الفتنة سببها الإنسان فيضر المفسد الصالح، وهي في ذلك ابتلاء للطائع والعاصي
.
والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها مقتل عمر رضي الله عنه، ومقتل عثمان رضي الله عنه في الفتنة، ومقتل علي رضي الله عنه بسبب الفتن، ومقتل كثير من الأخيار بسبب الفتنة وإليك تفصيل ذلك:
أ - قُتل عمر رضي الله عنه، وكان معروفًا بالعدل أمير المؤمنين الخليفة الراشد وله من الفضائل الكثيرة (4)، ومع ذلك نزلت الفتنة؛ فكانت سببًا في مقتله على يد أبي لؤلؤة المجوسي، فكانت هذه الفتنة شهادة لعمر رضي الله عنه، ووبالًا على هذا الكافر الذي مات على كفره، وإليك قصة مقتله التي فيها دروس كثيرة تبين فضل وورع وعدل عمر رضي الله عنه:
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخطَّابِ رضي الله عنه قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ؟ قَالَا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِي لَهُ مُطِيقَةٌ، مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ. قَالَ: انْظُرَا أَنْ
(1) تفسير القرطبي (7/ 154).
(2)
مسلم (2674).
(3)
القرطبي (7/ 154).
(4)
انظر فضائل ومناقب عمر رضي الله عنه في البخاري مع الفتح المجلد السابع، وصحيح مسلم - باب فضائل عمر - وترجمة عمر بن الخطاب في سير أعلام النبلاء الجزء الأول.
تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ، قَالَ: قَالَا: لَا؛ فَقَالَ عُمَرُ لَئِنْ سَلَّمَنِي الله لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِى أَبَدًا. قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ. قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا عَبْدُ الله بْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَالَ اسْتَوُوا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلًا تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ، أَوِ النَّحْلَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، في الرَّكْعَةِ الأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي - أَوْ أَكَلَنِي - الْكَلْبُ. حِينَ طَعَنَهُ، فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إِلَّا طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ. . . . . الحديث" (1).
ب - وعثمان رضي الله عنه الذي له من الفضائل الكثيرة، ومن الخير الوافر الكبير، ولما كان يوم مقتله بعد ما حاصره السبئيون، وأراد الصحابة أن يدافعوا عن أميرهم عثمان بن عفان، فأبى إخمادًا للفتنة، وتضحية بنفسه، فقد قال: عزمت على أحد كانت لي عليه طاعة الا يقاتل، فاستسلم الصحابة لكلام أميرهم وطاعة خليفتهم، فدخل عليه من أرادوا قتله؛ فقام عليه الأفاكون الآثمون وقتلوه، فسقطت قطرة من دمه على المصحف على قوله:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} ، فكان بعد ذلك أن بعث الله على قتلة عثمان من قتلهم جميعًا، ولعل الآية تشير إلى هذا الانتقام (2).
فسبحان الله العلي القدير الذي أمر بالصبر عند البلاء وعند الفتنة، فنادى أهل الإيمان قائلًا {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)} [آل عمران: 200]، وبيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك فقال عن حال المؤمن:"عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خير له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خير له. . ."(3).
(1) البخاري (3700).
(2)
انظر البداية والنهاية لابن كثير (7/ 180 - 190)، والعواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي من (140 - 150).
(3)
رواه مسلم (2999) من حديث صهيب رضي الله عنه.