الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق، فلا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذين لا ميثاق لهم، ثم أنزل الله بعد ذلك أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين هاجروا والذين آمنوا ولم يهاجروا، فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيبًا مفروضًا بقوله:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، وبقوله:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (1).
وساق الطبري - بسنده - إلى ابن عباس فقال: قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} يعني في الميراث، جعل الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام قال الله:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} يقول: ما لكم من ميراثهم من شيء، وكانوا يعملون بذلك حتى أنزل الله هذه الآية:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} في الميراث فنسخت التي قبلها، وصار الميراث لذوي الأرحام (2).
قال الشنقيطي: فدل على أن الولاية المنفية غير ولاية النصر فظهر أن الولاية المنفية غير الولاية المثبتة فارتفع الإشكال (3).
الوجه الثاني: معنى {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}
.
أي: لا نصيب لكم في المغانم ولا في خمسها إلا فيما حضرتم في القتال.
قال ابن كثير: في قوله: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} : فهؤلاء ليس لهم في المغانم نصيب، ولا في خمسها إلا فيما حضروا فيه القتال، كما روى بريده بن الحصيب الأسلمي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرًا على سرية أو جيش أوصاه في نفسه بتقوى الله وبمن
(1) تفسير الطبري (6/ 52). والأثر عن ابن عباس وإسناده ضعيف.
(2)
تفسير الطبري (10/ 52) والإسناد ضعيف.
(3)
دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي (108)، والبحر المحيط (4/ 517)، وتفسير القرطبي (8/ 57).
معه من المسلمين خيرًا، "اغْزُوا بِاسْمِ الله فِي سَبِيلِ الله، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بالله، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ - أَوْ خِلَالٍ - فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِى عَلَيْهِمْ حُكْمُ الله الَّذِي يَجْرِى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَىْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِالله وَقَاتِلْهُمْ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ الله وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ الله وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ الله وَذِمَّةَ رَسُولِهِ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ الله فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ الله وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ الله فِيهِمْ أَمْ لَا"(1)(2).
قال الشنقيطي بعد ذكر هذا الوجه: وعليه فلا إشكال في الآية، ولا مانع من تناول الآية للوجهين، فيكون المراد بها نفي الميراث بينهم، ونفي القسم لهم في الغنائم والخُمُس، والعلم عند الله. (3)
* * *
(1) مسلم (1731).
(2)
تفسير ابن كثير (2/ 447).
(3)
دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب للشنقيطي (109).