الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ لمَّا سَمِعَ أَنِّي رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ". 16 فَوَضَعَتْ ثَوْبَهُ بِجَانِبِهَا حَتَّى جَاءَ سَيِّدُهُ إِلَى بَيْتِهِ. 17 فَكَلَّمَتْهُ بِمِثْلِ هذَا الْكَلَامِ قَائِلَةً:"دَخَلَ إِلَيَّ الْعَبْدُ الْعِبْرَانِيُّ الَّذِي جِئْتَ بِهِ إِلَيْنَا لِيُدَاعِبَنِي. 18 وَكَانَ لمَّا رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ إِلَى خَارِجٍ". 19 فَكَانَ لمَّا سَمِعَ سَيِّدُهُ كَلَامَ امْرَأَتِهِ الَّذِي كَلَّمَتْهُ بِهِ قَائِلَةً: "بِحَسَبِ هذَا الْكَلَامِ صَنَعَ بِي عَبْدُكَ"، أَنَّ غَضَبَهُ حَمِيَ. 20 فَأَخَذَ يُوسُفَ سَيِّدُهُ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ السِّجْنِ، الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ أَسْرَى الْمَلِكِ مَحْبُوسِينَ فِيهِ. وَكَانَ هُنَاكَ فِي بَيْتِ السِّجْنِ) (سفر التكوين 39/ 7: 20).
ثانيًا: الفروق بين نص القصة في التوراة والقرآن:
- في التوراة:
فالمراودة حدثت مرارًا ونصحُ يوسف لامرأة سيده كان قبل المرة الأخيرة.
أما في القرآن:
المراودة حدثت مرة واحدة اقترنت بعزم المرأة على يوسف لينفذ رغبتها.
- في التوراة:
تخلو من الإشارة على تغليق الأبواب، وتقول: إن يوسف ترك ثوبه بجانبها وهرب، وانتظرت هي قدوم زوجها، وقصت عليه القصة بعد أن أعلمت بها أهل بيتها.
أما في القرآن:
يشير إلى تغليق الأبواب، وأن يوسف هم بالخروج فقدَّت ثوبه من الخلف، وحين وصلا على الباب فوجئا بالعزيز يدخل عليهما فبادرت المرأة بالشكوى في الحال.
- في التوراة:
لم يكن يوسف موجودًا حين دخل العزيز، ولم يدافع يوسف عن نفسه لدى العزيز.
أما في القرآن:
يوسف كان موجودًا حين قدم العزيز، وقد دافع عن نفسه بعد وشاية المرأة، وقال: هي راودتني عن نفسي.
- في التوراة:
تخلو من حديث الشاهد، وتقول: إن العزيز حمى غضبه على يوسف بعد سماع المرأة.
أما في القرآن:
يذكر تفصيلًا شهادة الشاهد، كما يذكر اقتناع العزيز بتلك الشهادة، ولومه لامرأته، وتذكيرها بخطئها، وتثبيت يوسف على العفة والطهارة.
- في التوراة:
تقول: إن العزيز في الحال أمر بوضع يوسف في السجن، ولم يعرض أمره على رجال حاشيته.
أما في القرآن:
يشير إلى أن القرار بسجن يوسف كان بعد مداولة بين العزيز وحاشيته.
- في التوراة:
تخلو من حديث النسوة اللاتي لُمْنَ المرأة على مراودتها فتاها عن نفسه، وهي فجوة هائلة في نص التوراة.
أما في القرآن:
يذكر حديث النسوة بالتفصيل، كما يذكر موقف امرأة العزيز منهن، ودعوتها إياهن ملتمسة أعذارها لديهن، ومصرة على أن ينفذ رغبتها.
هذه الستة فروق بارزة بين ما يورده القرآن الأمين، وما ذكرته التوراة - التي كانت أمينة قبل أن تعيث أيديهم فيها بالتحريف -.
والنظر الفاحص في المصدرين يرينا أنهما لم يتفقا إلا في أصل الواقعة من حيث هي واقعة وكفى، ويختلفان بعد هذا في كل شيء، على أن القرآن قام هنا بعملين جليلي الشأن:
أولهما: أنه أورد جديدًا لم تعرفه التوراة ومن أبرزه:
1 -
حديث النسوة، وموقف المرأة منهن.
2 -
شهادة الشاهد الذي هو من أهل امرأة العزيز.
ثانيهما: تصحيح أخطاء وقعت فيها التوراة ومن أبرزها:
1 -
لم يترك يوسف ثوبه لدى المرأة بل كان لابسًا إياه ولكن قُطع من الخلف.
2 -
غياب يوسف حين حضر العزيز، وإسقاطها - أي: التوراة - دفاعه عن نفسه.
اعتراض وجوابه: قد يقول قائل: لماذا تفترض أن الخطأ هو ما في التوراة، وأن الصواب هو ما في القرآن؟ أليس ذلك تحيزًا منك للقرآن؛ لأنه كتاب المسلمين وأنت مسلم؟ ولماذا لا تفترض العكس؟ ! وإذا لم تفترض أنت العكس، فقد يقول به غيرك، وما تراه أنت لا يطابق ما يراه الآخرون؟ ! ! ! هذا الاعتراض وارد في مجال البحث، إذن فلا بد من الإيضاح.
والجواب: لم نتحيز للقرآن لأنه قرآن، ولأنه كتابنا نحن المسلمين، ولنا في هذا الحكم داعيان:
(الأول) لم يرد في القرآن قط ما هو خلاف الحق؛ لأنه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} ، وقد ثبتت هذه الحقيقة في كل مجالات البحوث التي أجريت على مفاهيم القرآن العظيم في كل العصور، وهذا الداعي وحده كافٍ في تأييد ما ذهبنا إليه.
(الثاني) وهو منتزع من الواقعة نفسها موضوع المقارنة وإليك البيان:
كل من التوراة والقرآن متفقان على (عفة يوسف) وإعراضه عن الفحشاء، ثم اختلفا بعد ذلك، فالتوراة تقول: إن يوسف ترك ثوبه كله لدى المرأة وهرب.
والقرآن يقول: إنه لم يترك الثوب بل أمسكته المرأة من الخلف، ولما لم يتوقف يوسف عليه السلام اقتطعت قطعة منه وبقيت ظاهرة في ثوبة.
فأيُّ الروايتين أليق بعفة يوسف المتفق عليها بين المصدرين؟ ! أن يترك ثوبه كله؟ أم أن يُخرق ثوبه من الخلف؟ !
إذا سلمنا برواية التوراة أنه ليس (عفيفًا) والمرأة على حق في دعواها؛ لأن يوسف لا يخلع ثوبه هكذا سليمًا إلا إذا كان هو الراغب وهي الآتية، ولا يقال: إن المرأة هي التي أخلعته ثوبه لأن يوسف رجل وهي امرأة، فكيف تتغلب عليه وتخلع ثوبه بكل سهولة؟ ثم لما يمتنع تحتفظ هي بالثوب كدليل ماديٍّ على جنايته المشينة؟ ! وهل خرج يوسف (عريانًا) وترك ثوبه لدى غريمته .. .؟ !
والخلاصة: أن رواية التوراة فيها إدانة صريحة ليوسف عليه السلام وهذا ينافي مع العفة التي وافقت فيها القرآن الأمين.
أما رواية القرآن فهي إدانة صريحة لامرأة العزيز، وبراءة كاملة ليوسف عليه السلام.
لقد دعته المرأة إلى نفسها ففر منها، فأدركته وأمسكته من الخلف بفعل المرأة، والثانية إلى الأمام بحركة يوسف فانقطع ثوبه من الخلف، وهذا يتفق تمامًا مع العفة المشهود بها ليوسف في المصدرين ولهذا قلنا: إن القرآن صحح هذا الخطأ الوارد في التوراة.
فهل القرآن مقتبس من التوراة؟
وهل تنطبق على القرآن أسس الاقتباس أم هو ذو سلطان خاص به فيما يقول ويقرر؟ المقتبس لا بد من أن ينقل الفكرة كلها أو بعضها، وها نحن قد رأينا القرآن يتجاوز هذه الأسس؛ فيأتي بجديد لم يذكر فيما سواه، ولم يذكر فيما زعموا أنه نقل منه، ويصحح خطأً وقع فيه ما سواه.
فليس الاختلاف فيها اختلاف حبكٍ وصياغة، وإنما هو اختلاف يشمل الأصول والفروع، هذا بالإضافة إلى إحكام البناء وعفة الألفاظ وشرف المعاني.
إن الذي روته التوراة هنا لا يصلح ولن يصلح أن يكون أساسًا للذي ذكره القرآن، وإنما أساس القرآن هو الوحي الصادق الأمين، ذلك هو مصدر القرآن "الوضيء" وسيظل ذلك هو مصدره، تتساقط بين يديه دعاوى الباطل ومفتريات المفترين في كل عصر ومصر (1).
* * *
(1) موقع وزارة الأوقاف المصرية على الإنترنت.