الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الأول: الأدلة الشرعية المتفق على حجيتها في الإسلام
.
لمناقشة احتجاج المعترض بقوله: أجمع علماء الإسلام، ينبغي أن نعطي نبذةً أصوليةً هامةً عن الأدلة الشرعية المتفق على حجيتها في الإسلام؛ وهي إجمالًا:
القرآن الكريم. السنة النبوية الصحيحة. الإجماع. القياس. وذلك من حيث الجملة. (1)
قال الشافعي: وجهة العلم الخبر في الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس. (2)
وهذه الأدلة لا تختلف؛ إذ يوافق بعضها بعضًا ويصدق بعضها بعضًا؛ لأن الجميع حقٌّ، والحق لا يتناقض. (3)
وهي كذلك متلازمةٌ، لا تفترق؛ فجميع هذه الأدلة ترجع إلى الكتاب (4)، والكتاب قد دل على حجية السنة والكتاب، والسنة دلت على حجية الإجماع، وهذه الأدلة الثلاثة دلت على حجية القياس. (5)
قلت: وما سوى هذه الأدلة منازَعٌ فيه مختلَفٌ في حجيته غيرُ ملزم على إطلاقه.
وبهذا يتبين أن القرآن والسنة هما أصل الأدلة الأربعة المتفق عليها؛ فلا يقوم إجماعٌ، ولا قياسٌ بدون مستندٍ من الكتاب أو السنة أو من كليهما.
الوجه الثاني: نبذة عن الإجماع
.
ومن الجدير أن نفصل أمر الدليل الثالث وهو من الإجماع لاحتجاج المعترض في اعتراضه به.
فنقول: الإجماع لغة: يطلق على العزم، ومنه قوله تعالى:{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} [يونس: 71].
ويطلق على الاتفاق ومنه قولهم: أجمع القوم على كذا؛ أي اتفقوا عليه.
(1) معالم أصول الفقه (1/ 70).
(2)
الرسالة (1/ 39)، وانظر منه (ص 508).
(3)
إعلام الموقعين (1/ 33).
(4)
الرسالة (221).
(5)
معالم أصول الفقه (68).
وفي الاصطلاح: هو اتفاق مجتهدي عصرٍ من العصور من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم بعد وفاته على أمرٍ ديني.
وقد اشتمل هذا التعريف على خمسة قيودٍ:
الأول: أن يصدر الاتفاق عن كل العلماء المجتهدين؛ فلا يصح اتفاق بعض المجتهدين، وكذلك لا يصح اتفاق غير المجتهدين كالعامة، أو من لم تكتمل فيهم شروط الاجتهاد.
أي يشترط في صحة الإجماع أن يكون قولَ جميع المجتهدين، ولا يُعْتَدُّ بقول الأكثر - الجمهور - فإذا خالفَ واحدٌ أو اثنان من المجتهدين فإن قولَ الباقين لا يُعْتَبَرُ إجماعًا.
الثاني: المراد بالمجتهدين مَن كان موجودًا منهم دون من مات، أو لم يولد بعدُ، وهذا هو المقصود بقيد (عصرٍ من العصور).
الثالث: لا بد أن يكون المُجْمِعُون من المسلمين، ولا عبرةَ بإجماع الأمم غير المسلمة.
الرابع: الإجماع إنما يكون حجةً بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا يقع في حياته.
الخامس: أن كون المسألةُ المجمَعُ عليها من الأمور الدينية، ويخرج بذلك الأمور الدنيوية والعقلية وغيرها (1).
وقد ذهب بعض العلماء إلى القول باشتراط انقراض العصر، ولعل هؤلاء أرادوا بهذا الاشتراط زيادة التثبت في نسبة قول المجمعين إليهم، وشدة التأكد من استقرار أهل المذاهب على مذاهبهم.
وعلى كل حالٍ فلا بد في هذه المسألة من تحرير قضيةٍ مهمةٍ:
ألا وهي التثبت في نقل الاتفاق والتأكد من حصول الإجماع؛ وذلك بمعرفة أقوال المجمعين والاطلاع على أحوالهم للعلم باستقرارهم على مذاهبهم (2).
قلت: أما في حالة نقل الاتفاق دون التأكد من موافقة جميع المجتهدين فالإجماع المنقول لا يكون صحيحًا، ثم إن هناك شرطًا أساسيَّا كما أسلفنا، وهو أن يستند الإجماع إلى دليلٍ شرعيٍّ ولا يمكن إجماع الأمة عن هوًى أو قولٍ على الله بغير علم.
(1) معالم أصول الفقه (161 - 162).
(2)
المصدر السابق (170).