الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن شاكًا ولا سأل أحدًا منهم (1).
وقد روي عن قتادة مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا أشك ولا أسأل"(2).
الوجه الثاني:
ذكر المفسرون أن الخطاب في الآية الكريمة إما أنه للنبي صلى الله عليه وسلم، وإما أنه لغير النبي صلى الله عليه وسلم،
فإذا كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يكون المعنى على أوجه:
الأول:
أن أهل الكتاب عندهم ما يصدقك فيما كذبك فيه الكافرون، كما قال تعالى في الآية الأخرى:{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43]، وقال تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف: 10]. وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 97] وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} [الأنعام: 20]
فالمقصود: بيان أن أهل الكتاب عندهم ما يصدقك فيما كذبك فيه الكافرون وذلك من وجوه:
(أحدها) أن الكتب المتقدمة تنطق بأن موسى وغيره دعوا إلى عبادة الله وحده ونهوا عن الشرك، فكان في هذا حجة على من ظن أن الشرك دين، ومثل هذا قوله تعالى:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45].
(ثانيها) أن أهل الكتاب يعلمون أن الله إنما أرسل إلى الناس بشرًا مثلهم؛ لم يرسل ملكًا، فإن من الكفار من كان يزعم أن الله لا يرسل إلا ملكًا، أو بشرًا معه ملك، ويتعجبون من
(1) الجواب الصحيح لابن تيمية (1/ 292 - 293).
(2)
رواه عبد الرزاق في مصنفه (10211).
إرسال بشر ليس معه ملك ظاهر، كما قال تعالى:{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: 94] وغيرها من الآيات الكثيرة. . . فأمر الله تعالى بسؤال أهل الكتاب عمن أرسل إليهم أكان بشرًا أم كان ملكًا ليقيم الحجة بذلك على مَنْ أنكر إرسال بشر كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} [الأنبياء: 7، 8].
(ثالثها) أنه أمر بسؤال أهل الكتب عما جرى للرسل مع أممهم، وكيف كان عاقبة المؤمنين بهم، وعاقبة المكذبين لهم.
(رابعها) أنهم يسألون أهل الكتاب عن الدين الذي بعث الله به رسله وهو دين الإسلام الذي اتفقت عليه الرسل، كالأمر بالتوحيد والصدق والعدل، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والنهي عن الشرك، والظلم والفواحش.
(خامسها) أنهم يسألون أهل الكتاب عما وصف به الرسل ربهم، هل هو موافق لما وصفه به محمد صلى الله عليه وسلم أم لا؟
وهذه الأمور المسئول عنها متواترة عند أهل الكتاب معلومة لهم ليست مما يشكون فيه، وليس إذا كان مثل هذا معلومًا لهم بالتواتر فيسألون عنه يجب أن يكون كل ما يقولونه معلومًا لهم بالتواتر.
(سادسها) أنم يسألون أيضًا عما عندهم من البشارات والشهادات بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر الله بذلك في القرآن فقال تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157]، وقال تعالى عن مَنْ أثنى عليه من النصارى:{وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)} [المائدة: 83].