الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثل قوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} السيئة الأُولى سيئة، والثانية مُجازاة وإن سميت سيئة، ومثل ذلك في كلام العرب كثير. . . الخ. (1)
الوجه الثاني: نبذة عن القصاص
.
إن القصاص يبين حكمة الشارع سبحانه في نشر الأمن والتآلف بين أفراد المجتمع الإِسلامي وهاك شيء من البيان:
1 -
المقصود به: أن يفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه، فإن قَتله قُتل، وإن قطع منه عضوًا أو جرحه فُعل به مثل ذلك إن أمكن ما لم يؤدِ إلى وفاة الجاني، والنظر في ذلك يرجع إلى أهل الاختصاص.
2 -
الحكمة منه بالنظر في العقوبات الإِسلامية عامة والقصاص على وجه الخصوص نجد أنها تتسم بسمتين متكاملتين:
الأولى: صرامة هذه العقوبات وشدتها، وذلك للردع عن الجريمة ومحاصرتها بصرامة، وهذا لحفظ الأمن العام وتقليل معدل الإجرام نظرًا لصرامة العقوبة، فالقاتل الذي يعلم أنه سيقتل، والسارق الذي يعلم أنه ستقطع يده، والمعتدي على العرض والأسرة الذي يعلم أنه سيرجم أو يجلد مائة سوط؛ سيفكر في نتائج الجريمة قبل الإقدام عليها، بينما إذا علم أنه سيحبس فقط لأشهر أو سنوات قد لا يبالي بالعقوبة؛ وبالتالي لا يقلع عن الجرم.
الثانية: التشديد في وسائل إثبات هذه الجرائم، وبالتالي التقليل من فرص تنفيذ هذه العقوبات، وحماية المتهمين بها، وفي هذا السياق يأتي مبدأ درء الجرائم بالشبهات وتفسير أي شبهة في صالح المتهم، وفتح باب التوبة واعتبارها مسقطة للحد في بعض الحدود (كالحرابة)، وجواز العفو كما في القصاص؛ بل الندب إليه والحث عليه.
ويأتي التكامل بين هذين العنصرين من حيث إنه يجمع بين محاصرة الإجرام، وحماية المجتمع منه، وصيانته حق الفرد المتهم، وعدم أخذه بالظن والتهمة وكفله أفضل
(1) لسان العرب (15/ 31).
الضمانات لعدالة الحكم عليه وإنقاذه من العقوبة ما أمكن، وبذلك يمتنع الناس - أو معظمهم على الأقل - عن هذه الجرائم لصرامة العقوبة، ولا تنفذ هذه العقوبات عمليًا إلا في النادر، وبذلك يتحقق الأمن العام، وتصان حرمات الأفراد على حد سواء.
3 -
أهم قواعده:
1) أن القصاص لا يُستحق إلا في القتل العمد أو الجرح العمد، أما الخطأ فلا يستحق فيه القصاص؛ قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} ، وقال تعالى:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} .
2) أن جرائم الاعتداء على الأشخاص قد جعل الإسلام لإرادة المجني عليه أو أوليائه دورًا أساسيًا في منع وقوع العقاب على الجاني؛ حيث قرر جواز العفو وأنه من حق المجني عليه؛ بل ندبه إلى ذلك وأجزل له الثواب في الآخرة: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} فله أن يعفو عنه إلى الدية أو مطلقًا من غير عوض دنيوي؛ قال الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237].
3) إن توقيع العقاب وتنفيذه تتولاه السلطة العامة، ولا يتولاه أولياء الدم، وعلى هذا فرجال الشرطة لا يتعبهم أمر القصاص - ليس كما قال المعترض - لأنهم من السلطة العامة؛ لأن ما نص الإِسلام عليه هو أن توقيع القصاص تتولاه السلطة العامة ولا يتولاه أولياء الدم ولا المُتعدَى عليهم.
4) وهنا قد يرد استشكال: قد يقول قائل: كيف تقولون إن الإسلام دين الرحمة وفيه شريعة القصاص، أهذا من الرحمة؟
نقول مستعينين بالله: الرحمة ليست حنانًا لا عقل معه، وليست شفقةً تتنكر للعدل والنظام، كلا؛ بل إنها خُلُق يرعى الحقوق كلَّها، قد تأخذ الرحمةُ صورةَ الحزم حين يُؤْخَذُ الصغيرُ إلى المدرسة من أجل التربية وطلب العلم، فيُلزم بذلك إلزامًا، ويُكَفُّ عن اللعب كفًا، ولو تركوه وما أراد لم يحسنوا صنعًا، ولم يبنوا مجدًّا.