الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكبيرة. والأماكن التى صلى بها أقيمت فيها الجوامع والمدارس والمساجد وكان فى كل خطوة يقطع فرسخا، إذ كانت الأرض تطوى تحت قدميه طيا، والأراضى التى لم يطأها بقدميه تحولت إلى الصحارى.
قال كعب الأحبار عن البيت المعمور الذى أرسل من الجنة وهو يخبر سيدنا عمر بن الخطاب-رضى الله عنه-بهذا الأمر:
وعند ما هبط آدم-عليه السلام-إلى وجه الأرض، أنزل الحق-سبحانه وتعالى-قطعة ياقوت حمراء، ذات بابين من الزمرد الأخضر، تفتح إلى الشرق والغرب وكانت الياقوتة على شكل خيمة. وبعث معها رسالة تقول:«يا آدم هذه الياقوتة هى بيتى، وكلما طيف بالعرش الأعلى وصلى حوله فليطاف ويصلى كذلك حول بيتى» .
وبعد إكمال آدم-عليه السلام-قواعد بيت الله بمعاونة الملائكة وضع عليها الياقوتة المجوفة الحمراء المذكورة وأخذ يعبد الله حولها فى ذلّة وخضوع. وكان فى أركان الياقوتة الحمراء، أربعة أعمدة مستوية موزونة وكان داخلها مجوفا كقبة جامع. وقد استخدم فى إنزال هذه الياقوتة المجوفة على وجه الأرض سبعين ألفا من الملائكة العظام.
أقوال الجمهور فى تعريف البيت المعمور:
أقدم المفسرون الكرام على وصف البيت المعمور بنقل روايات مختلفة متباينة.
وقد رئى أنه من المناسب تثبيت بعض هذه الروايات فى هذا الموضع على أمل نفع أهل الإطلاع.
وهكذا بنى حضرة خالق الكاف والنون-تعالى شأنه عما يقولون-مقاما عاليا فوق أربعة أعمدة مستوية موزونة تحت العرش من أجل الملائكة الذين يطوفون بالعرش الأعظم، أعمدته من الزبرجد وغطاؤه من الياقوت الأحمر وسماه باسم «البيت المعمور» وبعده-كما ذكر من قبل-أوجد بواسطة الملائكة الكرام على وجه الأرض، وبمحاذاة البيت المعمور بيتا مكرما، وأمر أهل الأرض وسكانها
بزيارته والطواف حوله. وأصل اسم البيت المعمور «صراح» واسم خادمه الخاص «رزين» وأطلق عليه البيت المعمور لكونه مقر الملائكة، وبناء على ما كتب فى تفسير «السمرقندى» أن الملائكة الكرام بنوا البيت المعمور على وجه الأرض قبل خلق آدم عليه السلام، أو أن سيدنا آدم قد بناه بنفسه. وفى قول آخر أن البيت المعمور أرسل من الجنة لرفع وحشة فراق سيدنا آدم ليأتنس به وكان قطعة واحدة من الياقوت الأحمر، وقد أنزل فوق ساحة الكعبة المشرفة، ورفع إلى السماء فى طوفان نوح وكان ارتفاعه مثل ما بين الأرض والسماء
(1)
.
وحسب ما يفيده حديث المعراج الذى ورد فى صحيحى مسلم والبخارى، أنه الآن فى السماء السابعة، وتبعا لتفسير البيضاوى والكشاف، فى السماء الرابعة.
وبالنظر إلى تحقيق تفسير «الكواشى» أنه فى السماء الثالثة أو فى السماء السادسة أو فى السماء السابعة.
ويقول مؤلف تفسير (الواحدى) مؤيدا قوله بحديث خاص:- «إن البيت المعمور فى السماء الدنيا، وأن سيدنا جبريل يغوص كل يوم فى نهر الحياة الكائن فى السماء الرابعة ثم يخرج وينتفض فتنقطر من أجنحته حين يهزها سبعون ألف قطرة ماء، ويخلق من كل قطرة منها ملك ويقوم هؤلاء الملائكة المأمورين بزيارة البيت المعمور وأداء الصلاة ثم يعودون.
والملائكة المشار إليهم لا يعدون ولا يحصون لدرجة أن من أدى الصلاة مرة واحدة هناك لا يأتى عليه الدور مرة أخرى إلى الأبد.
وبناء على قول آخر أن اسم البيت الذى كان فى السماء الدنيا هو «صراح» وهو فوق الكعبة المشرفة وبمحاذاتها بحيث لو فرض سقوطه يسقط فوق السطح الشريف لبيت الله.
وقد سطر فى تفسير «اللباب» :كان البيت المعمور بقعة مثيرة لامعة مصنوعة
(1)
هو القول المرجح على الأقوال الأخرى.
من الياقوت الأحمر، ولها بابان من الزمرد يفتحان: أحدهما إلى الشرق والآخر إلى الغرب.
وكان الحجر الأسود-أيضا-من ياقوتة بيضاء، وسبب تحوله إلى السواد هو لمس النساء الحائضات فأطلق عليه الحجر الأسود. وقد أنزل حضرة الحق البيت المعمور والحجر الأسود إلى وجه الأرض قبل هبوط أبى البشر بألفى سنة، وبعد هبوطه كان آدم يجئ من الهند ويحج ويطوف بالبيت المعمور ثم يعود، وقد تكرر منه ذلك أربعين مرة.
وعند البعض أن البيت المعمور بنى فى السماء، وفى النهاية صدر الأمر ببناء البيت الحرام على سطح الأرض بمحاذاة موضعه فى السماء وبنفس الحجم.
وحسب قول صاحب «المواهب» إن الملائكة المسبحين بجوار البيت المعمور لا يحصى عددهم وبعدد تسبيحات كل واحد منهم يخلق ملك.
ويقول مؤلف «تفسير بحر العلوم» أنزل الحق-سبحانه وتعالى-على وجه الأرض، خيمة من خيام الجنة المتلألئة بالأشعة وأمر بوضعها فوق ساحة البيت المعظم فى مكة المكرمة، ولم يكن البيت الحرام قد بنى-بعد-آنذاك، وكانت الخيمة المذكورة قناديل واحدة حمراء مجوفة من يواقيت الجنان، وكان بالقرب منها ثلاثة قناديل من الذهب يعادل نورها مجموعة الثريا من النجوم، وبابا هذه الخيمة كانا مرصعين بلآلئ الجنة وكان أحدهما يفتح إلى الشرق والآخر إلى الغرب، وكان نور الجنان يلمع ويتلألأ فى داخلها. وقد أرسل مع الخيمة المذكورة الحجر الأسود لكى يكون كرسيا لسيدنا آدم يجلس عليه وهو من ياقوتة وضاءة ناصعة البياض شديدة اللمعان.
وجاء فى الحديث الصحيح «أن البيت المعمور ياقوتة حمراء من قطعة واحدة لها بابان فى الجهتين مصنوعان من الزمرد، وداخلها مزين بالياقوت والجواهر بما يعادل عشرة آلاف قنديل مثل الثريا. وأمام بابها منبر ومئذنة من الفضة الخام الخالصة، وفى كل يوم يغوص سبعون ألفا من الملائكة فى بحر النور ويرتدون
ملابس الإحرام المنسوجة من خيوط النور فيزورون البيت ويطوفون به. مرددين «لبيك، لبيك» ثم يذهبون والملك الذى يطوف مرة لا يرجع مرة أخرى.
ويحكى مؤلف «معارج النبوة» ،ناقلا من بعض الكتب المعتمدة فيقول: اعتاد الملائكة العظام على الاجتماع داخل البيت المعمور فى أيام الجمعة. وفى أيام الاجتماع يصعد سيدنا جبريل فوق المئذنة، ويؤذن، ويخطب سيدنا إسرافيل، ويؤمهم سيدنا ميكائيل-عليهم السلام.
ويتفاخر كل واحد منهم ملقيا خطبة مؤثرة تتضمن ما يهبونه إلى الأمة الإسلامية وبعد أداء الصلاة يقف جبريل الأمين ويهب ثواب آذانه إلى مؤذنى الأمة المحمدية، ويهب سيدنا إسرافيل ثواب خطبته إلى خطباء الأمة الإسلامية، ويقف سيدنا ميكائيل ويهب الأجر الجزيل الناتج عن إمامته إلى أئمة الأمة الإسلامية، يعلنون ذلك مفتخرين مباهين فى خطب بليغة مؤثرة، كما أن الملائكة الكرام يهبون ثواب صلواتهم التى أدوها إلى الأمة المحمدية ويشهدون على ذلك المقربين الكرام من الملائكة.
وعندئذ يصدر الخطاب الإلهى إلى الملائكة-يا أصناف الملائكة!! هل أنتم تنفقون جواهر السماء التى أنعمت بها عليكم بالمباهاة والفخر بكرمكم وجودكم؟ ألا فاشهدوا أننى حفظت الأمة المحمدية من عذاب الآخرة، وهذا مقرونا برحمتى وعفوى الإلهى.
وهكذا يعود الملائكة إلى أماكنهم محاطين بالألطاف الإلهية، وتنتهى إلى هنا أقوال المفسرين.
وعلى حد قول الإمام الأزرقى أنه عند ما وطأت قدم آدم سطح الأرض صدر إليه الأمر الجليل من رب العزة قائلا: يا آدم إن لى بيتا فى الأرض فى حذاء بيتى الذى فى السماء. وإذا كانت الملائكة الكرام يطوفون حول عرشى فطف أنت وأولادك وأحفادك كذلك حول بيتى فى الأرض، وصل وتعبد حوله.
يا آدم إنى أقمت أول بيت وضع للناس فى بطن مكة، يأتى الناس من كل فج
عميق لزيارته، وكل من جاءه معتمرا لا يبتغى إلا وجهى فقد زارنى وأكرمنى.
يا آدم اعتمر ما دمت حيا، وسوف يعتمر أنبياء وأمم القرون القادمة من بعدك، وقد اخترت موضع ذلك البيت قبل خلق السموات والأرض، ونفخت فيه من جلالى وكرامتى.
ولأن الله أرسل طائفة من الملائكة لمعاونة أبى البشر فى بناء البيت الشريف، ملأ آدم حفرة الأساس التى ذكرناها آنفا، ثم أقام على هذا الأساس الياقوتى هذا الجدار المتين الذى ارتفع عن الأرض قليلا.
ويروى أئمة الحديث أن فى كل سماء بيتا يعلو البيت المعظم حتى السماء السابعة، وبيتا فى كل أرض تحته حتى الأرض السابعة.
طبق هذا الحساب فإن «كعبة الله العليا» هى دار العبادة الخامسة عشرة.
وإذا افترضنا أن سقط أحد هذه البيوت حل محله غيره على سطحها.
لكل كعبة منها مخلوقات تطوف حولها من أهل السماء والأرض، ولا يمكن أن تخلو ممن يطوفون حولها.
البيت المعمور الذى اشتهر ب «رضاض» أو «صراخ» حسب القول المشهور يعلو الكعبة المعظمة ويأتيه كل يوم سبعون ألف ملك لزيارته والطواف حوله بنية عدم العودة حتى تقوم الساعة، ثم يعودون بعد الطواف.
وعلى الرغم من أن الروايات التى جاءت بشأن تأسيس الكعبة المعظمة للمرة الثانية مخالفة الإفادة إلى الآن، فإنه سواء ما قاله الأزرقى أو كعب الأحبار صفوة الرواة فهم يؤيدون قول عبد الله بن عباس سالف الذكر.
وبعد أن أسس آدم-عليه السلام-البقعة المقدسة للكعبة الشريفة على نحو ما سلف ذكره، التمس رحمة الله داعيا: يا رب إن كل من حج بيتك المعظم الذى بنيته امتثالا لأمرك وطاف حوله هل هو مثاب مأجور؟
فقال الله تعالى:
يا آدم لقد تجاوزت عن ذنبك كما تجاوزت كذلك عن ذنوب أولادك الذين سوف يحجون بيتى.
عاد آدم إلى بلاد الهند بعد أن تلقى جواب الرحمة هذا من الله.
وجاء فى رواية أخرى أنه بعد أن أتم آدم-عليه السلام-بناء الكعبة طلب مثوبة معطى العطايا مانح النعم، ولما كان آدم قد تلقى من رب العزة قوله:«سل منى أجرك حتى أعطيك» .
فإذا بآدم-عليه السلام-يدعو الله أن يدخله الجنة ثانية فرد عليه الله قائلا:
«يا آدم سوف أدخلك الجنة وكل من زار الكعبة من ذريتك وسأدخل الجنة كل من يزورون بيتى هذا» فظهرت علامات السرور عليه.
فائدة: بعد الطواف صلى آدم-عليه السلام-ركعتى الطواف ثم دعا فى مواجهة الملتزم
(1)
الشريف وقال: اللهم إنك تعلم سرى وعلانيتى فاقبل معذرتى وتعلم ما فى نفسى، وما عندى، فاغفر لى ذنبى، وتعلم حاجتى فأعطنى سؤلى. اللهم إنى أسألك إيمانا يباشر قلبى ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن يصيبنى إلا ما كتبت لى والرضا بما قضيت على.
فتلقى خطاب ربه ذى العزة «يا آدم لقد قبلت دعاءك وكل من يعرض على من أولادك وأحفادك حاجة له، وهو يقرأ هذا الدعاء فإننى أستجيب لدعائه وأقضى حاجاته، كما أزيل همه وغمه وألبى له حاجات الدنيا والآخرة، وإذا لم يقبل هذا الدعاء فى الدنيا سيجده فى الدنيا والآخرة.
ولأن هذا الطواف هو أول طواف لجنس بنى البشر فقد اتخذ آدم-عليه السلام-الملائكة قدوة فى طواف بيت الله.
(1)
الملتزم: يطلق على ما بين باب بيت الله والحجر الأسود.