الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشكل الثامن
ولما لم يكن فى أولاد كعب بن لؤى حتى مجئ ابن كلاب رجلا متبوئا مقعد السلطة لذا جمع قصى بن كلاب كل مناصب الجاهلية: الحجابة-السقاية-اللواء -الندوة-النظارة
(1)
-صاحب القبة-الأزلام-خازن الأموال-الرفادة-القيادة.
وأصبح صاحب المقعد والرياسة والحكم. ولكنه لم يستطع أن ينجح فى تغيير عادات الجاهلية التى تعد بين العرب من الأحكام الدينية، لذا ظلت العادات المذكورة حتى بعثة نور الهدى فى يد آل صفوان وآل عدوان وآل نسئة وآل مرة بن عوف.
استطراد:
أهل «نسئة» ،كما ذكر المفسرون العظام بالبحث والتعريف، هم طائفة من عرب الجاهلية احترفوا القتل والسطو واعتادوا الصيد والقنص وحياة القلق.
وحسبما تقضى شرائع إبراهيم وإسماعيل-عليهما السلام-بمنع الحرب والجدال فى شهور رجب وذى القعدة وذى الحجة ومحرم، وكان ترك العادات المألوفة لمدة ثلاثة شهور متصلة أمرا ثقيلا على هذه الطائفة المذكورة فإنهم قالوا: لا طاقة لنا ولا نستطيع الصبر على ترك الحرب والقتال من ذى القعدة إلى صفر بشكل متصل.
أى الجلوس فى الخيام والاستراحة لمدة ثلاثة أشهر متصلة. وأعلنوا وأشاعوا بغير تردد عن ضيقهم من حكم هذه الشريعة الإبراهيمية (على رسولنا وعليه التحيات).
(قلمس بن عبد بن فقيم) الذى ينتسب إلى جماعة قبيلة ينتهى نسبها إلى كنانة، لجأ هذا الرجل إلى طريقة غريبة لكى يبطل ويفسد حكم عدم القتال فى
(1)
وتسمى أيضا ركز القبة.
الشهور المذكورة، إذ ركب ناقة فى موسم الحج السنوى الذى يعلن فيه البدو عن أفكارهم وخاطب أفراد القبائل الموجودة بالقرب منه وهو يريد أن يختبر درجة قوة عقيدة الذين هم على دين إبراهيم وإخلاصهم لها، فقال ما معناه: يا معشر العرب إن إلهكم قد أحل لكم هذه السنة شهر محرم ونقل حرمته إلى شهر صفر، وعلى الفور قامت مجموعة ممن أخذوا برأى قلمس وقوله بالإغارة وقتل قبائل البدو اعتبارا من تلك اللحظة، وعند ما رأى قلمس أن حكمه فى هذا الأمر قد استقبل باستحسان وعرف أن فكره سيروج وقف فى موسم الحج فى السنة التالية خطيبا بينهم وأعلن أن حرمة شهر محرم قد تأجلت بأمر الله إلى شهر صفر، أى أن شهر محرم حلال وأن شهر صفر سيكون حراما بدلا منه واستقبل هذا الأمر عند أفراد جميع القبائل بسرور زائد.
وتصديقا لهذا اعتاد أن يخطب فى كل موسم حج ويؤجل حرمة الشهر الذى يريده إلى شهر آخر.
وبعد قلمس انتقلت هذه العادة السيئة إلى ابنه عبادة وبعد وفاته إلى «قلع بن عبادة» ،ومن بعد أيضا إلى «أمية بن قلع» ومن بعده إلى «عوف بن أميه» وعند ما توفى عوف انتقلت إلى ابنه «أبى ثمامة جنادة بن عوف» وعند ما أشرقت شمس الإسلام وظهرت أشعتها فى الأفق فى زمان أبى ثمامة جاءت الآية الجليلة لتبطل العادة المذكورة وتلغيها.
واختلف المفسرون فى تحديد اسم الشخص الذى تجرأ وابتدع هذه العادة القبيحة فادعى بعضهم أنه نعيم بن ثعلبة من بنى كنانة، وادعى البعض الآخر أنه جنادة بن عوف وبعضهم ادعى أنه قلمس بن عبد بن فقيم، والذين قالوا إنه قلمس بن عبد بن فقيم يؤيدون ادعاءهم بذكر قول الشاعر:
وفينا ناسئ الشهر قلمس
والقول الأخير مصدق عند الجمهور وجدير بالقبول والشخص المدعو قلمس
(1)
هو الجد الخامس لجنادة بن عوف الذى أدرك عصر النبوة.
ورغم أنه يوجد من يقولون بما ذهب إليه عبد الله بن عباس وأبو هريرة رضى الله عنهما، أن من وضع العادة السيئة بتأخير حرمة شهر إلى شهر آخر، هو عمرو بن لحى بن قمعة بن خندف إلا أن المفسرين اتفقوا على صحة القول الأول ورواة القول الثانى لم يستطيعوا أن يرتقوا بقولهم إلى مرتبة الصحة والتواتر.
وقد نقلنا هذه التفصيلات التاريخية عن أهل السنة من التفسير القيم للإمام فخر الدين الرازى-عليه رحمة الله الهادى-ويقول الإمام الرازى قبل أن ينقل ويروى الأخبار والدراسات المتواترة للمفسرين إن حسابات عرب الجاهلية كانت مرتبة حسب السنة القمرية، ولهذا فإن شهور العرب فى زمن الجاهلية، كانت تعد اعتبارا من رؤية الهلال وقد اعتادوا أداء فريضة الحج فى اليوم العاشر من شهر ذى الحجة اتباعا لسنة سيدنا الخليل. وبهذا الحساب كان موسم الحج لا يتفق مع فصل بعينه كل سنة فكان أيضا يصادف أبرد أيام الشتاء وأحيانا يصادف أكثر أوقات فصل الصيف حرارة ولهذا فإن بعض المتأخرين من زمن الجاهلية لم يكونوا يجرأون على الذهاب أو المجئ إلى مكة المكرمة فى أوقات اشتداد البرودة والحرارة، وكان من يترددون عليها بسبب التجارة لا يتمكنون من البيع والشراء فى هذه الأوقات التى توافق وقت التجارة بسبب قلة عدد الحجاج.
وفى النهاية أحيل الأمر إلى مجلس قومى
(2)
يتكون من ممثل لكل قبيلة لإيجاد حل مناسب لهذا الأمر. وذهبت الهيئة المذكورة إلى أن الشهور المرتبة للسنة القمرية دخل بالمصالح الدنيوية ورأوا حلول موسم الحج فى وقت معتدل ومثمر حيث تزدهر حركة البيع والشراء على الوجه المطلوب ويسهل التردد على الأسواق والملاهى التى تقام عند أطراف مكة وقالوا: فإن أضيف شهر إلى شهور
(1)
اسمه حذيفة وهو ممن اشتركوا فى واقعة أصحاب الفيل.
(2)
إن إمكان إحالة رياسة هذا المجلس إلى قلمس بن عبد بن فقيم بعيد الاحتمال لذا لا يوجد بين أقوال المفسرين وبين رواية الإمام الرازى.
هذه السنة نسأ أفراد القبائل شهرا. وأنه إذا روعيت هذه الأصول مرة كل ثلاث سنوات، فإن موسم الحج سيأتى فى كل سنة فى فصل ثم واحد من المحاصيل وبناء عليه يأتى الناس بمحاصيلهم فيكون حجا وزيارة وفى الوقت نفسه تجارة ورتبوا الشهور وفقا للسنة الشمسية ولأن السنة الشمسية تفترق قليلا عن السنة القمرية، احتاجوا إلى إضافة أيام فجمعوا الفروق التى تحدث بينهما وأضافوا شهرا إلى بعض السنوات واعتبروا أن شهور تلك السنوات ثلاثة عشر شهرا.
وبعد هذا الترتيب صادف الحج فى بعض السنوات بشهر ذى الحجة ونقل من شهر إلى آخر.
وظهر نتيجة هذا النقل أمران هما زيادة شهر على بعض السنوات من فائض الأيام التى تنتج عن تجميع أيام السنة الكبيسة وتأخير شهر حرام إلى شهر آخر ولأن العبادات المرتبطة بالسنة القمرية تخل بالمصالح الدنيوية على زعمهم، تركوا حساب السنة القمرية وربطوا عباداتهم بحساب السنة الشمسية وأخروا ونقلوا شهرا حراما إلى أشهر أخر.
والواقع رغم أنه قد تبدو فائدة دنيوية فى تركهم هذا إلا أن الله-تعالى-قد أمر باتباع حساب الشهور القمرية منذ عهد إبراهيم وإسماعيل-عليهما السلام عهد الهداية.
وبينما الحال يجرى على هذا الوضع ترك أهل الجاهلية الأمر الإلهى باتباع حساب السنة القمرية من أجل أن يحققوا حسن سير المصالح الدنيوية، وأخذوا بترتيب السنة الشمسية ونتيجة لحدوث هذا الترتيب بدئ فى تأدية الحج فى شهور غير الأشهر الحرم وكانت هذه الجرأة الجاهلية سببا فى إمعانهم فى الكفر، لأن الله-سبحانه وتعالى-كان قد حدد حجهم فى الأشهر الحرم وحدها وإنهم فضلوا مصالحهم الدنيوية على التعليمات الدينية، إذ اتبعوا العمل بالسنة الشمسية وحجوا فى غير شهور الحج بوجود أيام كبيسة فى السنة الشمسية وتجرّأوا على القول لحمل أتباعهم على قبول فكرتهم والعمل بحسابهم وليس باتباع حساب الشهور القمرية.