الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبطبيعة الحال، مات الأبناء والأتباع فأوعز الشيطان إلى بقية الناس بعبادة الصور. إذ قال: «أيها الناس! إن هذه الصور
(1)
كانت صور من عبدهم آباؤكم فأنتم باتخاذكم إياها آلهة وعبادتها تعملون على نشر الدين وعلى إدامة الطقوس التى قام بها آباؤكم».ودفع الناس إلى عبادة صور هؤلاء الأفراد الخمسة إلى قبيل زمن نوح عليه السلام.
وفى واقعة الطوفان المشهورة دفنت هذه الصور المجسمة تحت التراب، واختفت عن أعين الناس، ورغم هذا فإن إبليس اللعين-كما سنذكر فيما بعد- استطاع أن يبرز جميع هذه الصور إلى الأعين بطريقة ما دفع العرب إلى عبادة الأصنام وأثار هذا العمل ضيق أهل الإيمان وأزعجهم.
وقامت جماعات حمقى من القبائل من أحفاد بنى إسماعيل وبتدخل الشياطين بصناعة أصنام مشابهة للأصنام التى أخرجت من تحت الأرض وسموها بأسماء هؤلاء الصالحين الذين ذكروا آنفا وأخذوا يعبدونها بكل إخلاص وخضوع.
وتبعا لدراسة المؤرخين فإن أسماء هؤلاء الصالحين المشار إليهم كانت: سواع- ود-يعوق-يغوث-نسر.
والأصنام التى صنعت لتختص بهذه الأسماء:
سواع: وصنعت على شكل امرأة، ود: على صورة رجل، يغوث: على صورة أسد، يعوق: على صورة حصان، ونسر على صورة طائر النسر وفى النهاية كانت تلك الأصنام التى عبدتها القبائل العربية البدوية على أشكال الحيوانات المذكورة.
بدء ظهور عبادة الأصنام على وجه الأرض
لم يكن على وجه الأرض أحد من بنى البشر يعبد الأصنام حتى تاريخ رفع سيدنا إدريس إلى السماء وأصبح مظهرا للسر الإلهى القدسى.
(1)
المقصود بهذه الصور هى صور الخمسة أشخاص الذين سلف بيانهم ويروى-على نحو ما سنبينه فى محله -إن أحدهم سيدنا إدريس والأربعة هم خلفاؤه، أو أولاد سيدنا آدم أبى البشر.
وبناء على قول المؤرخين فإن رفع إدريس إلى السماء كان بعد هبوط سيدنا آدم أبى البشر ب 1472 سنة وكان أبوه يزد يبلغ من العمر 529 سنة فى ذلك الوقت وكانت ذاته النبوية على اختلاف الروايات 325 أو 370 أو 450 أو 365 سنة من عمره وبعد هذه الواقعة ظل يزد والده على قيد الحياة مدة 435 سنة أخرى.
ومع اعترافنا بأن الله قادر على كل شئ، فإن بقاءه على قيد الحياة هذه الفترة الطويلة أمر خارق للعادة ولهذا لو حكمنا بأن هذه الروايات لا تخلو من الخطأ فإننا نعتقد أن أحدا من القراء لن ينتقدنا ولن يخطئنا.
وعند ما أصبح سيدنا إدريس مظهر الله الجليل {وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا} (مريم:
57) لم يحتمل أحد خلفائه المخلصين ألم الفراق وأخذ يصيح ويصرخ حتى وصل صوت صراخه إلى الملأ الأعلى وأزعج سكانه.
وذات يوم ذهب إبليس اللعين إلى حجرة الخليفة المشار إليه وقال له: أيها العاشق المشتت القلب والوجدان ما أصعب تحمل نار الفراق الحارقة وإيجاد حل لهذا الأمر من أصعب الأمور بل هو مستحيل.
فإذا ما رسمت صورة تحتوى على شمائل حضرة إدريس ثم تضعها فى مكان ما فى حجرتك وأبرزتها بحيث تشاهدها أمامك دائما وتتذكر أوقات مصاحبته لك لعلك تجدد الود المؤثر لآلام فراقك. قال هذا وصنع صورة الجسم لسيدنا إدريس وقدمها لهذا المحب الوفى المتحسر.
وكان ذلك الخليفة صافى القلب ساذجا غافلا عما يهيئ له إبليس من شر ودسيسة وفى نفس الوقت ثملا من شراب فراق إدريس فأخذ الصورة الخالية من الروح التى قدمها له الشيطان، وظل ينظر لها إلى أن حان أجله.
وبهذه الطريقة خفف من نار الشوق لكنه لم يعلن لأحد قط حقيقة الأمر.
حيث ظل على هذه الحال طوال فترة حياته.
وعند وفاة الخليفة عجز الناس الذين رأوا هذه الصورة فى حجرته الخاصة عن معرفة صاحب الصورة وعن سبب وجودها فى حجرة الرجل فظلوا فى حيرة من أمرهم.
ورأى الشيطان أن الفرص سانحة فى هذا الوقت لغواية البشر وإضلالهم فتمثل فى هيئة رجل من الزهاد العابدين وتوجه إلى حيث يجتمع الحيارى فى فهم كنه الصورة التى وجدت فى غرفة الخليفة فتحدث قائلا: إن فى رأيى أن هذه الصورة-وحاشا-صورة الله-سبحانه وتعالى-خالق السموات والأرض.
ولا شك أن العبادة الخفية أكثر قبولا عند الله، لهذا كتم عنا حضرة إدريس- عليه السلام-وخليفته الذى ترك ملذات الدنيا وأخفيا تعبدهم لهذه الصورة وبهذه المقدمة دفع الناس إلى الضلالة وأراهم أول طريق للضلالة.
وانخدع الناس بمظهر الشقى الأبدى المتخفى فى زى المتصوفة وأعدوا صنما وأخذوا يمارسون طقوس عبادة الأصنام.
وقد نقلت هذه الحكاية عن مؤلف (روضة الصفا مولانا محمد خاوند).
والشخص الذى قال عنه إنه أحد خلفاء سيدنا إدريس هو الحكيم أسقلينوس أعقل وأرشد خلفائه وأفضلهم إلا أن عبارة: «أخذ من الشيطان الصورة المجسمة لسيدنا إدريس ولم يغيبها عن نظره» ،لا بد وأن تكون غير صحيحة لأن سيدنا إدريس اتخذ لنفسه أربعة من الخلفاء هم «إيلادس» و «أوس» و «أسقلينوس» و «بسلوخس» وأسند إدريس-عليه السلام-لكل واحد منهم إدارة جهة من جهات الدنيا الأربع، وكان «أسقلينوس» أكثرهم زهدا وورعا؛ لذا نال لقب خليفة الخلفاء.
وفى أثناء رفع سيدنا إدريس إلى السماء كان «أسقلينوس» فى بلاد اليونان، مركز الجهة التى كلف إدارتها ولما علم بالأمر ظل يبكى وينوح لفترة طويلة وأزعج الناس فى الدنيا ببكائه ونواحه، وفى النهاية قام بعمل رسمين مجسمين لسيدنا إدريس-عليه السلام-أحد الصورتين وهو جالس على كرسى والأخرى وهو يرفع يده إلى السماء واعتاد فى أثناء عبادته أن يلقى نظرة على هذين الرسمين.
وبما أنه لا شك فى أن «أسقلينوس» كان مؤمنا موحدا بالله فلم يكن هدفه من إقامة الصورتين المجسمتين عبادة الأصنام وإنما كان من أجل تعظيم سيدنا إدريس وتوقيره.
ولكن وآسفا!! عند ما توفى «أسقلينوس» لم يستطع «صاب بن إدريس» وسائر الحكماء البلهاء أن يدركوا نيته وعقيدته وحملوا ما فعله هذا على أنه من عبدة الأصنام وبعد مدة بنوا بيوتا للأصنام ونظموها وأصبحوا من عبدة الأصنام وثملوا إذ شربوا من خمر الضلال واتخذ كل واحد منهم صنما فأضلوا الناس وحملوهم على عبادة الأصنام.
وقال بعض المؤرخين: إن ابتداع الأصنام كان أولا بين أبناء قابيل، وقد ابتدعت فى زمن حكم (اليارد بن مهلائيل بن قينان بن آنوش بن شيث بن آدم عليه السلام.
وطبقا للنتائج التى أسفرت عنها الدراسات التى قام بها ناقل هذه الرواية إن أبا شيث-عليه السلام-قد تلقى أمرا خاصا من سيدنا آدم-عليه السلام-لكى يخفى التابوت الذى وضع فيه أبو البشر عن أولاد وأحفاد قابيل.
وبسبب هذا الأمر نقم أولاد قابيل على شيث-عليه السلام-واتجهوا للعمل ضده ولهذا ظلوا لفترة طويلة يظهرون عدم رضاهم ويبدون علامات الألم والضيق.
ولأن هذا الأمر كان سببا كافيا لدى إبليس اللعين لضلالة الناس، فقد أقام تمثالا مباركا لسيدنا أبى البشر، وضعه فى تابوت، ثم أعطاه إلى أحفاد قابيل قائلا لهم: إن الشئ الذى أخفى عنكم هو نفسه هذا الشكل فأخذه الأحفاد وهدأ هذا الشكل المجسم من روعهم بعد ما رأوه لفترة، وبعد ذلك سعى كل واحد منهم إلى الحصول على صنم. ثم أصبحت بدعة أن يوجد صنم فى منزل كل إنسان وفى مركز ومجمع كل قبيلة تابوت على صورة خاصة.
وأظهروا جميعا لها الاحترام الشديد والتوقير والتعظيم وأخذوا يعبدونها حيث أصبحت من الضرورات الدينية بين آل قابيل.
والأصنام التى عبدت فى زمن نوح-عليه السلام-هى: ود، سواع، يعوق، يغوث ونسر، صنعت على غرار الأصنام التى عملت فى زمن أبناء قابيل.
وكما حقق وصف حضرة إسماعيل حقى-قدس سره الجلى-مؤلف «روح البيان» فأسماء هذه الأصنام الخمسة هى أسماء أولاد سيدنا آدم من صلبه، وإنه بواسطة الشيطان اللعين، قد عمل نموذجا لكل واحد منهم، وكان ذلك فى عهد يارد بن مهلائيل، وظلت تعبد حتى عهد نوح-عليه السلام.
وعند ظهور طوفان نوح دفنت هذه الأصنام فى الأرض واختفت عن العيون.
ورغم هذا فإن إبليس الملعون أخرجها من باطن الأرض فى فترة من الفترات- ولما نقلت إلى مكة المكرمة برأى ومشورة «عمرو بن لحى بن قمعة بن إلياس بن مضر» أخذ الناس يتعبدون لها ثم اتخذها كل عرب الجاهلية آلهة لهم وظلوا يعبدونها إلى البعثة النبوية لخير الورى عليه أفضل التحايا.
وكانت قبيلة هذيل تعبد سواع وقد اتخذت طقوسا خاصة بها ونظمت مواسم حج وزيارة لإلهها سواع رغم القبائل الأخرى المخالفة.
وحسبما قال فاضل أبو الفوز البغدادى فإن الأسماء التى أطلقت على الأصنام المذكورة هى أسماء الصالحين الخمسة السالفة التعريف والذين كانوا على قيد الحياة فى عهد «يارد أو يرد» والد سيدنا إدريس ولما توفى هؤلاء الخمسة فى عهد يارد فى خلال شهر واحد الواحد تلو الآخر، تأثر الناس أعظم التأثر وأبدوا مظاهر الحزن والألم لوفاتهم وعندئذ ظهر شخص يتصل نسبه بنسب قابيل فأقام تماثيل لهؤلاء الخمسة وأطلق على كل واحد منها اسم أحدهم ووضعها فى ميدان الميادين.
وأخذ الخزانى يزيلون حزنهم وألمهم بالطواف حول هذه التماثيل وفى هذه الفترة كان طواف الناس حول التماثيل لإظهار التعظيم والتوقير والحب لهؤلاء الصلحاء الخمس وفيما بعد اتخذ الناس هذه التماثيل آلهة يعبدونها واستمرت هذه الحالة إلى زمن نوح-عليه السلام.