الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبناء على الحكمة القائلة «إذا أراد الله شيئا هيأ أسبابه» فالسفينة قد تعرضت لعاصفة شديدة وجنحت على اليابسة فى مياه جدة وهكذا وقعت فى يد العربان لتكون سببا فى عمارة كعبة الله.
ولما وصل الربان المذكور إلى مكة المكرمة تفقد مع نجار من أصل قبطى كلفته قريش بمصاحبته فى بناء الكعبة المعظمة، وابتدئ فى هدم بناء البيت الشريف حتى يستطيع أن يسقفه وتخلى الأهالى عن فكرتهم فى عدم السماح بهدم البيت.
-
ظهور حية كبيرة فوق الكعبة:
من الأحداث الغريبة أن حية عظيمة الجثة صعدت فوق مخزن الهدايا الذى حفره سيدنا إبراهيم، وكانت الحية تصعد فوق جدران كعبة الله وتظل هناك منحنية الرأس للشمس، والذين يرون هذه الحية يخافون من شكلها المرعب ويعتقدون أنها من حراس البيت.
وكان جسم الحية لامعا متلألأ ترسل أشعة إلى الأطراف كألسنة النار، وكانت تخيف من يحاول الاقتراب منها بفتح فمها المخيف وإخراج أصوات مفزعة.
وكانت الحية بيضاء الجسم وكان رأسها فى حجم جدى وزيلها أسود كسواد الغراب وكانت كبيرة الحجم مهيبة المنظر، وكانت تمنع الخونة والمتسلطين عند الاقتراب من الكعبة المعظمة.
وفى يوم من الأيام حينما كانت الحية فوق جدران الكعبة كعادتها ظهر طائر جسمه أكبر من العقاب، وانقض على هذه الحية الضخمة وأخذها بين براثنه وطار بها إلى ناحية الشرق وتركها فوق جبل «حجون» .
والمؤرخون الذين قصوا سبب ظهور هذه الحية قالوا: إن المخزن الذى حفره إبراهيم-عليه السلام-وسماه (أخسف) ليحفظ فيها الهدايا التى قد ترد من أنحاء مختلفة لبيت الله الأعظم لم يكن للكعبة فى ذلك الوقت سقف وكانوا يقدمون الهدايا إلى كعبة الله من الذهب والمجوهرات المرصعة وأشياء قيمة وكانت هذه طريقتهم فى التقرب من الله وإظهار الود لإبراهيم عليه السلام.
وبعد مضى الوقت امتلأ المخزن وجوف الكعبة المنير بالهدايا مما دفع بعض السفلة من الناس إلى مد يدهم لسرقة أشياء من هدايا الكعبة عند ما كانت تسنح لهم الفرصة وعند ما ضبط بعضهم متلبسين بالسرقة قطعت أيديهم ليكونوا عبرة للآخرين. وسقط بعضهم وهلكوا وهم يمدون أيديهم ليسرقوا الأشياء المحفوظة.
بينما ضل أقوام الجراهمة فى مكة المعظمة ورفضوا الاستماع إلى نصائح «مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض» مقتدين بشقى يسمى «مجدع» اتبع أحد التعساء إغواء نفسه ونزل فى داخل الخزانة المذكورة ليسرق الأشياء المحفوظة فيها ولحكمة ما انهارت جهات الخزينة الأربعة فجأة وهلك الشقى تحت الأنقاض.
وفى رواية أخرى أن الشخص الذى دخل كعبة الله كان معه أربعة من رفقائه وأن كل واحد منهم وقف فى ركن من أركان البيت المحترم وحملوه على أكتافهم وأنزلوه فى داخل كعبة الله وكان غرضهم أن يسرقوا الأشياء الثمينة التى فى داخل الكعبة، بأن يناول كل واحد منهم الآخر الأشياء المسروقة إلا أن الشخص الذى رفع إلى أعلى جدران الكعبة زلقت رجله ووقع على أرض المطاف ومات، أما رفقاؤه فهربوا حتى لا يقعوا فى أيدى السلطة.
وبناء على ذلك خلقت تلك الحية التى سبق ذكرها وظلت تحرس وتحفظ خزينة كعبة الله ما يقرب من خمسمائة سنة وكانت تتراءى فوق جدران الكعبة كما سبق توضيحه وتثير الخوف والدهشة فى الأطراف.
وحينما رأى أهل مكة هلاك الحية بهذه الصورة اعتبروا هذا إيذانا من قبل الله بعمارة الكعبة وسروا بذلك وابتدروا فى هدم بنائها.
وبينما كان القرشيون مشغولين بهدم الجدران ضرب أبو وهب عمرو بن عائذ بن مخزوم-خال والد مجدد بنيان الشريعة رصينة الأركان عليه أقوى التحية- على حجارة بفأسه وأخذ قطعة منها.
إلا أن تلك القطعة طارت من يد عائذ وعادت إلى مكانها القديم، وقال عائذ لعظماء قبيلته وقد اهتز وخاف من وثوب قطعة الحجر طائرة من يده إلى مكانها
القديم قائلا: يا معشر قريش يجب أن نتجنب إعمار البيت من مال الربا والفواحش والأموال المشكوك فيها والتى جمعت بالظلم ويجب أن نحرص فى بناء بيت الله على إنفاق المال الحلال.
وأراد بهذا أن يبين لأهل مكة أن إعمار بيت الله يجب أن يتم بالمال الحلال، وبناء على هذا جمع أهل مكة للمرة الثانية ما استطاعوا جمعه من المال الحلال، وسلموه إلى اللجنة التى تشكلت للاهتمام ببناء وتجديد بيت الله.
ولكن مع هذا لم يكونوا واثقين من مدى حلّيّة النقود التى جمعوها أول مرة والتى أنفقت فى سبيل تجديد بيت الله، لذا خافوا من نزول المصيبة بهم إذا شرعوا فى هدم بيت الله وترددوا كثيرا، وفى النهاية خاطبهم وليد بن المغيرة قائلا: يا قبائل قريش إذا كنتم فعلا تنوون إصلاح كعبة الله فالله لا يهلك المصلحين. ثم أخذ فأسا وأخذ يهدم بمفرده جدران بيت الله. ومع ذلك لم يتجرأ أحد من قريش على المشاركة فى هدم البيت وظلوا ينتظرون ما سوف يحل وليد، ولما رأوا أن وليد قد نجا من أى ضرر اتفقوا جميعا على هدم البناء وفى ختام الهدم اقتسموا بناء البيت، بناء على رأى عائذ وتعهد بنو عبد مناف مع بنى زهرة ببناء الجهة التى يوجد فيها باب الكعبة العالى كما تعهد بنو مخزوم وبنو تميم وبعض القرشيين ببناء ما بين الركنين الشرقى واليمانى
(1)
وبنو عبد الدار بن قصى وبنو أسد ابن عبد العزى بن قصى وبنو عدى بن كعب بن لؤى الجهة التى فيها الميزاب الذهبى، وبنو جمح مع بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى جهة ظهر الكعبة، وشغل بعضهم بنقل الحجارة من جبل الكعبة
(2)
وحرص الآخرون على هدم البناء.
ولما هدموا جدران البناء المقدس بحثا عن الأساس الإبراهيمى ظهر حجر
(1)
قد بنى هذا الركن غلام سعيد بن العاص الذى يسمى باقوم، ولما كان المذكور من أقباط اليمن المهرة فى فن العمارة لذا أطلق على هذا الركن الركن اليمانى.
(2)
جبل الكعبة فى حي الشبيكة بقرب مدفن الشيخ محمود بن إبراهيم بن أدهم، وفى مكان مقابل لجبل أجياد. وكلما يقتضى الأمر تعمير كعبة الله وترميمها تؤخذ الحجارة اللازمة لها من هذا الجبل.
أخضر كعلامة
(1)
للأساس القديم، ولما أرادوا أن ينتزعوا ذلك الحجر الأخضر برقت نار عظيمة
(2)
هزت أرض مكة، فخافوا من تعميق الأساس أكثر من ذلك، وبنوا أسس الجدران فوق ذلك الحجر الأخضر، ووجدوا تحت الحجر الأسود الكائن فى الركن الشرقى ورقة كتب عليها باللغة السريانية، وبحثوا عن واحد من طائفة اليهود ليقرأها.
وكان مفاد تلك الورقة الآتى:
أنا الله ذو بكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض، وصورت الشمس والقمر وحفظتها
(3)
بسبعة أفلاك
(4)
حنفاء لا تزول حتى يزول أخشباها مبارك لأهلها فى الماء واللبن.
يقول البعض أن ورقة أخرى وجدت فى مقام إبراهيم وقد كتبت عليها الآية الكريمة: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة:197).
والعبارة البديعة الآتية: مكة بيت الله الحرام، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، لا يحل لها رجل من أهلها.
وأيد هذا المعنى الشامل ما قاله النبى-صلى الله عليه وسلم-فى يوم فتح مكة بما أن الله- سبحانه وتعالى-حرم مكة المكرمة فلا يجوز لأحد من قبلى ولا من بعدى أن يحلها إلا أنها قد أحلت لى ساعة من نهار.
ولما ارتفعت جدران كعبة الله من جوانبها الأربعة وحان وقت وضع الحجر الأسود فى مكانه ظهر نزاع شديد بين القبائل، وصاح أفراد كل قبيلة قائلين نحن سنضع الحجر الأسود فى مكانه، وأخذ النزاع صورا مختلفة من الحوار والمناقشة
(1)
أن الحجارة التى أسس بها إبراهيم-عليه السلام-الكعبة خضراء اللون مثل الزمرد ولمعته وفى شكل وحجم سنام الجمل.
(2)
إن هذه الشعلة قد برقت من تحت الحجر الأخضر المسمى حجر إسماعيل، وقد اهتزت من شدة اشتعالها جميع بيوت مكة المكرمة.
(3)
كتب فى نسخة أخرى «حففتها» .
(4)
سقطت كلمة أفلاك فى نسخة أخرى.
والمشاجرة حتى أطلق على قبائل (بنى عبد الدار، بنى عدى، بنى مخزوم، بنى سهم، بنى جمح) لقب لعقة الدم.
واستمر الخصام بين القبائل فى هذه المشكلة خمسة أيام، ولكن أبا أمية بن المغيرة
(1)
وكان أكبر المعمرين فى قريش كلها ومن حكماء قومه، جمع عقلاء القبائل واقترح عليهم بأن يحكموا فى هذا الموضوع أول الداخلين من باب الصفا وعلى قول من باب بنى شيبة، فى وقت محدد يعينونه ووافق على هذا الاقتراح عقلاء القبائل.
وقد حاز هذا الاقتراح حسن القبول لدى القبائل الأخرى أيضا، وحدد الميعاد وجلس القوم وعيونهم صوب الباب ينتظرون، وكان أول من دخل فخر العالم وسبب راحة الأمم صلى الله عليه وسلم.
وفرح المترصدون بقدوم سلطان الرسل الموسوم باليمن ورطبوا ألسنتهم بذكره إذ قالوا هذا محمد الأمين رضينا به ثم قالوا له: إننا أقسمنا على أن يكون أول الداخلين حكما لفض النزاع بين القبائل، وبما أنك كنت أول الداخلين سنقبل رأيك الخاص لحل هذا الخلاف. وبهذه الطريقة نقلوا للذات النبوية العالية خلاصة ما حدث بين القبائل.
وبما أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-كان معروفا بين القبائل بالصدق والاستقامة كانت قريش تحيل إليه حل ما عجزوا عن حله من القضايا.
ولما استقر منشأ النزاع فى ضمير النبى-صلى الله عليه وسلم-وفهمه جيدا وضع الحجر الأسود فى داخل ثوب
(2)
وجعل رؤساء القبائل الأربع العظيمة يمسك كلا ركنا من أركانه وهم:
عتبة بن ربيعة، زمعة أبو حذيفة بن المغيرة، وقيس ابن عدى ثم حمل الحجر
(1)
وكان أبو أمية مشهورا بين قومه بفرط الكرم والجود حتى أنه كان يكفى زاد أصحابه فى الرحلات، لذا أطلق عليه لقب زاد الركب.
(2)
يروى عن ثقة أن هذا الثوب كان جبة الرسول صلى الله عليه وسلم.