الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرآة الحرمين
مرآة مكة
إن الحمد والشكر والثناء بالصدق والإخلاص لأعظم المستحقين سبحانه «تعالى شأنه عما يقولون» حمدا يفوق فى الكثرة أنفاس قوافل الحجاج المتقاطرة وشكرا يزيد عن حاجة الأرامل فى مختلف المراحل.
له الحمد والشكر إذ أنشأ مبنى العزة الكعبة المعظمة فى مدينة (مكة المكرمة) مهتدى الضالين فى صحراء العصيان، ودعا لدار الضيافة عميم النوال، دعا جميع سكان بلاد الموحدين أطعمهم من المائدة العظيمة الفائدة والنفع من قوله {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً} (آل عمران:97) وأحاط بالعظمة والفخامة جميع السلاطين والحكام الذين وقفوا فى تجديد قبلة جميع الرسل والأنبياء وتعمير بيت الله العظيم.
وأعرض الصلوات الصافيات المتنوعات لنبينا خاتم الرسل والأنبياء نتيجة مقدمة الأكوان والشئون «عليه وعلى آله سلام الله المنان» وأفرش حجرة نبينا الطاهرة وروضته المضيئة بالصلاة والسلام.
وأخص منير مضاجع آل البيت وأهله والأصحاب الكرام برفع تحياتى الوافرة إذ بينوا لنا فضائل المآثر المبروكة والمساجد المسعودة التى عينها لهم نبى الإنس والجن «عليه صلوات الله الرحمن» وهكذا أبرزوا خدماتهم فى سبيل الدين المبين وحبيب الله رب العالمين وزادوا فى أجر جموع الحجاج الكرام ومثوبتهم بزيارة هذه الأماكن المقدسة.
وبعد فيعرف أهل النهى جيدا أن كل قطعة من حجارة البلدتين الطيبتين أغلى وأكرم من جواهر ملك سليمان، وكل ذرة من ترابهما المطوية بالغفران أعز من إكسير العظمة وجوهرها، ومن هنا فإنّ أفضليّة البلدتين الطيبتين على جميع الممالك على وجه البسيطة ظاهرة للعيان. ووجوب زيارتهما على كل مسلم قادر أمر بديهىّ واضح، يزورهما فيستطلع فوائدهما وفضائلهما ويستكشف خصالهما وخصائصهما، وهذه الزيارة لها شديد اللزوم لكل موحد يلبى الدعوة الروحانية الإبراهيمية «على نبينا وعليه التحية» بالصلاة والسلام وعلى الذين يأتون لهذا المكان مثل حمائم الحرم طالبين الراحة النفسية.
وقد ألف العلماء الكرام كثيرا من الكتب ليبرهنوا على أن الأرض المضيئة التى تحتوى على الأقطار الحجازية المنجية أقدس مكان على وجه الأرض ونشروا هذه الكتب وليعرفوا الخلف ما تمتاز به الأراضى الحجازية من فضل وقدسية في نشأتها. كما أن شعراء القبائل البدوية قد أنشدوا قصائد بليغة وفقرات مسجوعة فى ذات الموضوع تناقلتها الألسن.
إلا أنه لا يخفى على أصحاب الاطلاع والبحث والتدقيق أن تلك الكتب المؤلفة فى هذا الموضوع والقصائد التى قيلت فيه ظلت فى زاوية منسية في أصونة دور الكتب.
وبما أنه لم يكتب إلى الآن فى لغتنا التركية كتاب مستقل خاص بهذا الموضوع فالروايات التى تتناقلها الألسن وتسمعها الآذان من البديهى ألا تخلو من التناقض، وهذا ما يجعل التأكد من حقائق الأمور من الصعوبة بمكان، وبناء على هذا فكل أبناء الوطن الذين يريدون أن يطلعوا على حقائق الأماكن المشحونة بالمحاسن-حقائق الحرمين الشريفين-ومواقع آثارهما وفضائلهما لا يجدون مراجع يستقون منها ما تتوق أنفسهم إلى معرفته من حقائق الحرمين الشريفين، فأحسّ هذا الفقير العاجز بالحاجة إلى أثر فوائد موائده لم ير ولم يسمع بمثله إلى الآن، أثر عظيم القدر لا يستغنى عنه، وإننى كنت قد عرضت على أنظار العامة
فى ظل الكرم السلطانى المؤلفات الآتية: محمود السير-عزيز الآثار-تكملة المناسك-تاريخ الوهابيين-رياض الموقنين-ترجمة الشمائل.
وقد رأيت بعين الفخر والابتهاج مدى ما حازته هذه الكتب من حسن القبول لدى أهل الكمال الذين يتجاوزون عن الأخطاء، وهذا ما شجعنى على أن أطلع على الوقائع المبروكة لمكة ذات الفيوض والمدينة المفخمة ذات السعادة المدوية، وذلك من الكتب القيمة الموثوق فيها والتى تحتوى على أحوال الأوائل، تسطر أوصاف تلك المدينتين التى زخرفت على سطور حريرية، كما أننى ذكرت فى كتابى عادات أهل الجاهلية في ذلك بأقلام الفحول والرسائل النادرة من المصنفات العربية والفارسية، فأمعنت النظر فى ثناياها لأستنبط من فحواها ما يفيد معظم الملة العثمانية.
أنشر منها ما هو نافع ومفيد وهكذا أردت بأن أكتب تاريخا باللغة التركية عن البلاد الحجازية المتسعة، أبين فيه أحدائها الماضية وأحوالها التاريخية جامعها كلها فى مجلدات خاصة، وأقدم لأبناء الوطن ما يفيدهم وينفعهم.
إن الخاطر الذى طرأ على ذهنى كان فى حاجة للتنظيم والترتيب مع قلة المعلومات فى الموضوع. كما أن الأقوال التاريخية المتباينة فى مواقع «يثرب» و «بطحاء» وإعمال الفكر والتدقيق والبحث فيها كانت مرهونة بالسفر إلى الأراضى الحجازية السعيدة للمشاهدة والتفقد. ولكن المشكلات التى صادفتنى فى هذا السبيل أدت إلى التردد والتراخى فترة ما لإجراء ما فى الضمير.
فى النهاية قدر للعاجز السفر إلى الحجاز وتيسرت له هذه السياحة وتحقق المرام، ومما ساعد على تحقيق مثل هذه الغاية المرجوة، ما يضمره الإنسان من إفادة أهل الإيمان من مثل هذه الأعمال المؤيدة بالأدلة العقلية القطعية والبراهين النقلية القوية، كما أنّ تصحيح ما يتوقع من الأخطاء فى أثرى من قبل أصحاب المروءة فى زماننا ساعدنى علي إنجاز ما فى ضميرى وعلى المضى قدما إلى إتمام هذا العبء الثقيل الذى جعلته على عاتقى وإن كان فوق قدرتى فقد مضيت فى
إنجاز ما بدأته مستظلا بالحماية السلطانية دون خوف أو رهبة في عهد السلطان التركى منير الفؤاد ومحمود السير ملك الملوك حميد الخصال، ممدوح السريرة، خادم الحرمين الشريفين خليفة رسول الثقلين، السلطان ابن السلطان الغازى «عبد الحميد» خان الثانى ابن السلطان الغازى عبد المجيد وفى عهده الذى تميز بإنجاز الأعمال الخيرية واستكمالها وانتشار العلوم والمعارف تحت ظل الأمن والأمان والطمأنينة.
وإننى أقدمت على إنجاز هذا العمل نازلا لحكم المصراع الشعرى المعروف:
«لا تبقى تحت هذه القبة إلا ذكرى طيبة ولحن عذب» .
لذلك رغبت فى أن أترك ذكرى طيبة تدفع الناس للدعاء بالخير لصاحبها وهكذا جمعت ورتبت ما عزمت عليه، بعد أن دققت النظر بعمق شديد فى الكتب التى سيأتى ذكرها والتى اتخذتها مرجعا واستصوبت أن أنقل من الأدب العثمانى بعض المباحث ولا سيما من الرسالة التى ألفها الدكتور (رائف أفندى) وضمنها تدقيقاته الواقعية الشاملة، ثم توكلت على هادى السبل وبعونه شرعت فى كتابة الوقائع والأحداث لأرض بيت الله المنيرة من بدء الخليقة إلى عصرنا هذا، عصر الخلافة العثمانية، عصر العناية بالمعارف، مستعينا فى ذلك بالكتب التى اتخذتها مراجع ولم أهمل أن أضمن كتابى أقوال الذين شاهدوا المواقع التى يمكن مشاهدتها رؤية العين والتى يمكن التأكد من صحتها.
وكانت غايتى الخيرة من هذا العمل ترغيب الذين حجوا فى الحج مرة أخرى وحث وترغيب الذين لم يحجوا بعد فى الحج.
وحاولت أن تكون لغتى واضحة وعباراتى سلسلة على قدر الإمكان وضمنت كتابى صور بعض المآثر وخريطة الحرمين الأنورين المسطحة.
وقسمت أثرى هذا القاصر إلى ثلاثة أقسام وسميته ب (مرآة الحرمين) وقدمته للعتبة السلطانية الناشرة للعدل وللسلطان الذى يرفع رأسه عاليا مفتخرا بخدمة الحرمين الشريفين، وبحفظ الخرقة النبوية الشريفة-على صاحبها أفضل
التحيات-ويرفع علم سيّد بنى آدم المعظم صلى الله عليه وسلم، وقدمته لإمام المسلمين وخليفة خلفاء الدين.
وإننى آمل أن ينال مؤلفى هذا حسن القبول، وأين هذا الأثر من المؤلفات العثمانية المتنوعة التى تحير العقول، إلا أننى أردت أن أخدم الذين ينتمون إلى دينى مستفيدا من عهد السلطان الفاروقى الشعار ومن العهد المصون من الجور والظلم.
وبما أننى من موظفى القصر وقرناء السلطان الذين يعرضون أفكارهم بإخلاص فى العتبة السلطانية لأعد نفسى من أعظم السعداء إذا ما نال أثرى هذا شرف مطالعة السلطان المفطور على الرحمة، وإن هذا العاجز الذى لا ملجأ له سوى ظل السلطان يرجو ألا يتعرض للخجل، وأن يحظى مؤلفه بعطف السلطان وكرمه ولطفه.
وإننى أرجو من الفضلاء الذين سيمعنون النظر بين سطور مؤلفى هذا المتواضع أن يغضوا النظر عما سيظهر فيه من سهو وخطأ وكفى أن هذه الصفحات تحتوى على الجواهر القدسية.
والله ولى التوفيق