الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستمرت هذه الحمية الدينية عند العرب إلى أن انتقلت إدارة مكة إلى بنى خزاعة، حيث إن عمرو بن عامر الخزاعى (فصلت سيرته فى الوضع الخاص به) قام قبل البعثة النبوية بخمسمائة عام بانتزاع حكم مكة المكرمة من يد أجداد النبى صلى الله عليه وسلم-ذوى النسب العريق، بمساعدة قومه، ودفع العرب لعبادة الأصنام وبهذا أصبح جميع سكان مكة المكرمة ومن بجوارها من عبدة الأوثان.
وبعد ظهور عمرو بن عامر بثلاثمائة سنة وقبل الهجرة النبوية بمائتى سنة دارت الحرب بين قصى بن كلاب «أحد أجداد النبى» لإمالة العرب إلى قبول دين إبراهيم الحنيف وبين بنى خزاعة وكان النصر حليفه، وأخرج كل بنى خزاعة من مكة، غير أن عبادة الأصنام تلك العادة الباطلة كانت قد تمكنت من قلوبهم، فاستمرت بينهم حتى عصر النبوة والهداية عصر سيد البشر-عليه الصلاة والسلام-بسبب-شكل العبادة المشئومة التى جلبها عمرو بن عامر قامت قريش وقد اعتنقت عبادة الأوثان بإدخال الأصنام إلى المسجد الحرام حينما سمح الزمان به، وصنعت ثلاثمائة وست وستين صنما مجسما من الحجر والشجر ووضعتها داخل الكعبة المعظمة التى تمثل قطعة من الجنة.
وظلت هذه الأصنام داخل البقعة المقدسة «الكعبة المشرفة» إلى أن تم فتح مكة على يد سيد الأنبياء الذى كانت بعثته ورسالته رحمة خالصة.
أديان العرب فى الجاهلية
كان للعرب فى جاهليتهم عدة أديان مثل المسيحية، اليهودية، المجوسية، والزندقة، فكانت قبائل ربيعة بن غسان وبعض آل قضاعة على دين المسيحية، وأهل حمير وبنو كنانة وبنو الحارث بن كعب وأهل كندة على اليهودية، وبنو تميم على المجوسية، وكانت قريش على الزندقة.
ومن المخذولين الذين اعتنقوا المجوسية آنذاك زرارة بن عدس وابنه حاجب
بن زرارة، وبدافع من هذه المجوسية تزوج زرارة من ابنته التى من صلبه، ثم ندم بعد ذلك وخجل من فعلته وطلقها.
وكان الأقرع بن حابس وأبو سود من المجوس وأبو سود هذا جد وكيع بن حسان. وقد صنع بنو حنيفة من قريش إلها لهم من طعام اسمه (حبس) وظلوا يعبدونه لمدة طويلة، وعند ما حدثت المجاعة والقحط قاموا بتقسيمه ثم أكلوه وقد سجل أحد شعراء بنى تميم هذه الواقعة فى بيت من الشعر قال فيه:
أكلت ربها حنيفة من جوع
…
قديم بها ومن عوز
وقال آخر:
أكلت حنيفة ربها
…
زمن التفحم والمجاعة
لم يحذروا من ربهم
…
سوء العواقب والنياعة
(1)
ورغم أن هذه الواقعة حدثت قبل البعثة النبوية الجليلة فقد كان هناك من يسعى فى طلب الدين الحق ومن جملة هؤلاء: أرباب بن رئاب، وكان يعتنق المسيحية دين عيسى عليه السلام، وابن نوفل بن أسد بن عبد العزى-أى ورقة بن نوفل-الذى انصرف عن عبادة الأوثان واعتنق المسيحية التى لم تكن قد تبدلت تماما، وذلك للوصول إلى الدين الحق، كذلك زيد بن عمرو بن نفيل أبو سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، والذى استشهد فى رحلته إلى الشام طلبا للدين الحق. كذلك أمية بن أبى الصلت الذى تظاهر فى بادئ الأمر بطلب الدين الحق لكنه فيما بعد، اختار الكفر حسدا للرسول-عليه الصلاة والسلام على نبوته. فإذا ما جئنا إلى أسعد بن أبى كرب الحميرى فقد أسلم قبل البعثة النبوية بسبعمائة عام. كذلك كان كلا من قس بن ساعدة الإيادى و «أبو قيس» صرمة بن أبى أنس أيضا من المسلمين فى الجاهلية. وكان قس بن ساعدة من مشاهير حكماء العرب واعتاد أن يخطب فى الناس من فوق ظهر الجمل فى سوق عكاظ.وقد أدرك أبو قيس الإسلام وأسلم.
(1)
النياعة: العطش.
وقد عرفت الخطابة من فوق ظهور الحيوانات فى بادئ الأمر مع قس بن ساعدة «كتاب المعارف» .
لقد امتد العمر طويلا بقس بن ساعدة المشهود له بالفصاحة وقد أنبأ وبشر بمجئ الرسول خاتم الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام قبل البعثة.
وقد حضر الرسول فخر العالم-صلى الله عليه وسلم-ذات مرة إحدى خطب قس بن ساعدة قبل بعثته فى سوق عكاظ بدون علم منه، هذه الخطبة التى نالت شهرة واسعة بين بلغاء العرب. وحفظها ورددها كل الكبار والصغار فى ذلك العصر.
فى ذلك اليوم اعتلى «قس بن ساعدة» ظهر جمله الأحمر وقال خطبته التالية أيها الناس: اسمعوا واعوا:
من عاش مات ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، المطر يسقط،والعشب ينبت، والأطفال يولدون ويقومون مقام الأمهات والآباء وبعد ذلك كل هذا يفنى، وتتابع الأحداث، ويتبع الواحد الآخر، أنصتوا وانتبهوا ففى السماء خبر، وفى الأرض عبر، وجه الأرض فرش إيوان ووجه السماء سقف عال، النجوم تتحرك والبحار تقف، القادم لا يبقى والذاهب لا يأتى، هل يا ترى يبقون حيث يذهبون معجبين به أم يحجزون هناك ويغشاهم يوم طويل! إننى أقسم أن عند الله دين أحب من دينكم الذى أنتم عليه، وهناك رسول سيأتى أو شك زمان ظهوره.
وقد أظلكم زمانه، فما أسعد من يؤمن به ويهتدى وما أشقى من يعصيه ويخالفه، زمانه يا للأسى على الأمم التى قضت عمرها فى الغفلة.
يا قوم إياد .. أين آباؤكم وأجدادكم؟ بالله أين قصوركم المزينة؟ أين عاد وثمود الذين نحتوا بيوتا من الحجارة؟ وأين فرعون؟ أين النمرود الذى غرته الدنيا وقال لقومه إنى أنا ربكم الأعلى؟ ألم يكونوا أكثر منكم ثروة وقوة وقدرة؟ ألم يكونوا أكثر منكم عددا؟ لقد طوتهم هذه الأرض فى دورانها، فأصبحوا ترابا تذروه الرياح، وبليت عظامهم وصارت رمادا وتهدمت بيوتهم فأصبحت خاوية
الكلاب تعوى فى أراضيهم وبلادهم. احذروا من الغفلة ولا تكونوا مثلهم، ولا تسلكوا طريقهم، كل شئ فان ولن يبقى إلا الحق الواحد الذى لا شريك له ولا نظير هو وحده المعبود، لم يلد ولم يولد، وما أكثر الأحداث الجارية لنا فيها عبرة. نهر الموت مداخله كثيرة، لكن ليس له مخرج، الكل سيمضى الكبير والصغير الذاهب لا يعود وأوقن أن ما يجرى لعامة الناس سيصيبنى أيضا.
استمرت عادات العرب الباطلة فى الجاهلية إلى ما بعد الإسلام ولكن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-سلطان عرش الدين المبين قام-مؤيدا بالوحى الإلهى-بتمزيق العقائد الباطلة والقضاء عليها وعلى العبادات البدوية الفاسدة.
وأبقى على بعض أحكام دين إبراهيم-عليه السلام-الحنيف التى توافق فطرة الإنسان وتعاليم الإسلام الجليلة، وأيدها وجعلها من أحكام الشريعة الإسلامية.
ومن الأحكام الشرعية التى أخذت من إبراهيم-عليه السلام-ما ينص عليه القول الكريم: {وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (آل عمران:97).
الذى يدعو إلى الأخوة الإسلامية التى تتحقق باتحاد الأمة المحمدية والذى يدعو إلى وحدة المسلمين حتى تتحقق للأمة الإسلامية قوة الشوكة، وهكذا فرض الحج ليجتمع المسلمون متحابين فى الأرض الطاهرة المباركة «مكة المكرمة» حيث يطلعون على الأسرار الخفية الحقيقية للدعوة، ويجتمعون فى عرفات فى يوم أخضر قدسى لتزداد الأخوة بين أفراد الأمة الإسلامية، وهكذا انتشرت أنوار الجماعة الإسلامية التى تحمى المدينة الطاهرة.
وإنه لمن المسلم به لدى ذوى التجارب وأهل البصيرة من الملل الأخرى أن الاتحاد الدينى يؤدى إلى التقدم المدنيّة والقوة. وإننا نشكر الله مع أمتننا أنه شرفنا بالإسلام الذي كان مبعث سعادتنا وسلامتنا ومبعث قوة حضارتنا وشوكتها فى الدنيا والآخرة.