الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن خلاصة هذه الحكاية مكتوبة فى كتاب دلائل النبوة منقولا عن الإمام البيهقى الذى نقله عن أبى أمامة الباهلى وهو قد نقله عن هشام بن العاص الأموى
(1)
.
وقد نقل عن كعب الأحبار أن حضرة آدم-عليه السلام-حينما اقترب أجله، استدعى أبناءه الذين كانوا على قيد الحياة وأراهم تابوتا، ونظر أبناؤه إلى التابوت، فوجدوا به أدراجا كثيرة صغيرة بعدد الأنبياء الكرام-على نبينا وعليهم السلام-والدرج السعيد الذى فى نهاية الأدراج، كان خاصا بخاتم الأنبياء وكان تحفة لامعة الأنوار مصنوعا من الياقوت الأحمر.
وفى داخل البيت كان إمام الأنبياء-عليه وعليهم السلام-قائما يصلى وعن يمينه الصديق وعن يساره الفاروق ومن خلفهم ابن عفان وأمامهم صاحب القرآن على بن أبى طالب-رحمهم الله، ورضى عنهم أجمعين.
وكان مسطورا على جبهة الصديق الكريم عبارة: «هذا أول من تبعه من أمته» وعلى الجبين المبارك للفاروق عبارة «قرن من حديد، أمين شديد لا تأخذه فى الله لومة لائم» وعلى جبهة ابن عفان «ثالث الخلفاء» وعلى جبهة على بن أبى طالب «هذا أخوه وابن عمه المؤيد بنصر الله» وعلى قول «ليث كرار غير فرار يحب الله ورسوله» وكان يرى فى جوانب هؤلاء المهاجرون والأنصار النقباء والخلفاء الآخرون.
صورة دخول عبادة الأصنام إلى أرض الحجاز:
إن القبائل التى تقطن الخيم حول كعبة الله عبدة أصنام مصنوعة من الأحجار والأشجار، والزمن الذى مالوا فيه إلى الضلالة كان فى عهد (أردشير بن شابور) من ملوك الفرس وكان «عمرو بن لحى بن قمعة بن خندف» الذى لا دين له حاكما لأرض الحجاز المقدسة.
وقد نقل الإمام «الراشطى» أن عمرو بن لحى بن قمعة هو الحارث بن عمرو بن مزيقيا بن عامر ماء السماء بن الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة مازن بن أزد
(1)
دلائل النبوة للبيهقى 386/ 1 - 390.
من نسل زيد بن كهلان بن سبأ، وأن نسبه هو نهاية نسب أفراد قبائل بنى خزاعة. ورغم هذا فإن بعض علماء النسب انتقدوا هذه الرواية المنقولة عن الراشطى وخرجوها قائلين: إن هذه الرواية رأى من يدعون أن خزاعة من أهل اليمن. ورفعوا سلسلة نسب عمرو إلى إلياس بن مضر.
والواقع أنه عند ما توفى قمعة بن خندف كانت زوجته حاملا وتزوجت من الحارث بن عمرو مزيقيا وبعد فترة ولدت لحى وتربى لحى فى كنف الحارث ونسب إليه.
وعلى هذا يكون لحى ربيب الحارث بن عمرو مزيقيا وابن قمعة بن إلياس بن مضر. وهذا القول هو المرجح وأكثر صحة من القول الآخر.
واسم لحى بن قمعة ربيعة وجدته لأبيه: خندف المسماة بليلى بنت حلوان بن عمران بن الحان بن قضاعة وزوجها هو إلياس بن مضر.
أما سبب إطلاق اسم خندف على ليلى فقد ذكر فى البحث الخاص بانتقال حكومة مكة إلى قصى بن كلاب. وقد انفصلت قبيلة خزاعة من عمرو بن لحى وبما أن ليلى «خندف» وكانت والدة قمعة أطلقت أفراد قبيلة خزاعة على ليلى اسم الأم.
قال المؤرخون الذين ذكروا سبب إطلاق اسم خزاعة لبنى عمرو قد هاجر أهل سبأ عقب وقعة سيل العرم من بلادهم، وهاجر كل جماعة إلى مكان ما واشتهروا باسم ذلك المكان.
وفى ذلك الوقت استقر أولاد وأحفاد مازن الأزد بن الغوث بن ليث بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان فى جانب ماء اسمه غسان
(1)
القريب من المكان المسمى «مشلل» واختاروا الإقامة فيه قبل بنى مازن، ولما انقطع وانجزعت جماعة عمرو بن لحى عن القبائل الأخرى، وسكنوا بأطراف مكة المكرمة قيل لبنى عمرو بن لحى بنو خزاعة.
(1)
هناك رواية تقول إن الماء المسمى «بغسان» من مياه سد مأرب وإنه اسم ماء منسوب لأبناء مازن بن الأزد بن الغوث ولذلك يطلق على بنى مازن الغسانى إلا أن الرواية الأولى أصح.
الأوس والخزرج أجداد الأنصار الكرام هم أبناء حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة مازن بن عبد الله بن الأزد بن الغوث.
وعند ما أخرج بنو خزاعة قبائل الجراهمة من مكة المعظمة بالقوة وأبعدوهم إلى بلاد اليمن اتخذوا عمرو-مستحق الجمر-رئيسا لقبيلتهم واجتهدوا على أن ينفذوا كل ما جاء به من البدع والخزعبلات عن طيب خاطر
(1)
.
إن الأسباب الرئيسية لرضا بنى خزاعة العمل بما كلفهم به عمرو دون تفكر ترجع إلى تكريمه للقبائل البدوية وجوده معهم وإلباسه الخلع للعظماء والوجهاء فى مراسم الحج.
وكان عمرو بن لحى، الذى نال رئاسة بنى خزاعة يسافر إلى بلاد الشام فى أثناء حكومته. وقد رأى أحفاد العمالقة يعبدون الأصنام فى مدينة مأرب من أرض البلقاء التى استوطنوا بها فسألهم: ما أسباب عبادتكم لهذه الجمادات؟ فأجابه عبدة تلك الأصنام بقولهم: إنها مجموعة من الآلهة صنعت على غرار الهياكل العلوية والصور البشرية وإننا نستمر فى عبادتها واحترامها وتوقيرها وقد اتخذناها آلهة لنا وعلى هذا فهى تستجيب لتضرعاتنا، فإذا ما طلبنا منها مطرا فى أى وقت تنزل مطرا وإذا استعنا بها فى حاجة من حوائج الدنيا فتحقق مطالبنا؛ فصدق قولهم وطلب منهم أن يعطوه واحدا منها قائلا: إذا أعطيتمونى واحدا منها أحمله إلى أرض الحجاز وأدعو بنى إسماعيل لعبادته وأرغبهم فيه، فقاموا على الفور بإهدائه صنما ثقيلا يسمى هبل.
وفى رواية أخرى أن إساف ونائلة من الأصنام التى أهديت إلى عمرو بن لحى من قبل العمالقة.
وقد سر عمرو بن لحى إذ أهدى له إله وأخذ هبل المذكور ووضعه فى المخزن الذى صنعه إبراهيم لحفظ الهدايا المقدسة لعتبة الكعبة الشريفة، وعلى قول آخر ركزه فوق جبل الأخشب
(2)
وطلب من الأهالى أن يظهروا له الاحترام اللازم ويتعبدوا له ليلا ونهارا.
(1)
إن هذه الكيفية قد حررت بالتفصيل فى المكان الخاص به من كتاب مرآة المدينة.
(2)
هذا القول ضعيف.
وقد عرف فاضل أبو الفوز البغدادى فى كتابه القيم المسمى «سبائك الذهب فى معرفة قبائل العرب» أصل هبل الذى اعتقد عمرو فى ألوهيته. وقال: إن هبل الذى حمله عمرو بن لحى من الشام إلى مكة كان تمثالا لإنسان عجيب الشكل.
وكان مصنوعا من العقيق إلا أن يده اليمنى كانت مكسورة.
وقال إن قريشا الذين صدقوا ألوهيته قاموا بتركيب يد من الذهب له وأخذوا يعبدونه مظهرين له الاحترام والتوقير والإخلاص.
قال ابن إسحاق فى تعريف هبل: هبل صنم كبير مصنوع من العقيق على شكل إنسان لكن يده اليمنى كانت مكسورة ومفقودة، ولما رأى آل قريش أنه بلا يد صنعوا له يدا من ذهب وركبوها فيه.
وكان لهبل خزينة خاصة لوضع الهدايا التى تقدم له وتحفظ فيها. وكذلك كان له سبعة أقداح لإجراء القرعة
(1)
ولا يمكن للذى يريد إجراء القرعة استخدام القداح ما لم ينذر بذبح مائة من الإبل. انتهى.
وبعد ذلك بمدة شاع خبر هبل الذى جلبه عمرو-متسحق الجمر-بين مشركى البدو، حيث أخذوا يوقرون ويعظمون ذلك الصنم بتحريض من عمرو وتشجيعه وأشركوا هبل المصنوع من الحجر بخالق الأفلاك-تنزهت ذاته عن الشرك- وهكذا كفروا.
ورغم أن مشركى العرب قد اعتنقوا الكفر فقد ظل بينهم بعض الأفراد محافظين على دين الخليل وتمسكوا به.
وكان هؤلاء يقومون بتعظيم بيت الله، والطواف حوله وأداء الحج ويخرجون لأداء العمرة ويصعدون عرفات والمزدلفة ويذبحون الأضاحى ويعتمرون اقتفاء لآثار سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل-عليهما السلام.
وكانت دعوة عمرو بن لحى قبائل العرب البدو لعبادة الأصنام قبل البعثة
(1)
توجد معلومات وافية حول هذا الموضوع فى البحث الخاص بالقرعة عند العرب فى الجاهلية.
النبوية بألف عام وعلى قول بثلاثمائة وخمس وعشرين سنة، وبعد فترة قصيرة كان كل ساكنى منطقة الحجاز من أولاد إسماعيل-عليه السلام-قد اتجهوا إلى عبادة الأصنام المنحوتة من الأشجار والأحجار ولهذا فإذا خرج أى واحد منهم أو أى قبيلة خارج ميقات كعبة الله كان يأخذ معه-بهدف تعظيم بيت الله-حجرا من المسجد الحرام على النحو الذى سنذكره مفصلا فيما بعد-ويضعه فى الأماكن التى ينزل فيها ويأخذ فى الطواف حوله كما كان يطوف بالكعبة.
وبمضى الوقت غاب عن الذهن سبب تعظيم الأحجار واستبدل دين الخليل بعبادة الأصنام وتحول الناس عن عبادة خالق العباد إلى عبادة الأصنام.
وبعد ذلك اهتم الذين غيروا دينهم بتعظيم حجارة المسجد الحرام حتى إنهم فاقوا فى عبادة الأصنام الضالين من أفراد الأمم الأخرى الذين يعبدون الأصنام.
وبلغ الأمر حدّا حتى إن قبيلة قريش وطائفة بنى كنانة كانوا يلبون فى وقت الحج قائلين «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك» ويدخلون داخل الكعبة ممسكين بأيديهم غير المباركة الأصنام التى صنعوها بأيديهم، واستمر هذا الحال المشؤوم حتى يوم إشراق نور النبوة.
وخلال تلك الفترة اهتم أهل الحجاز بعمل أصنام كثيرة مثل: اللات-العزى -مناة-ذو الخلصة-ذو الكفين-ذو الشرى-قلس-رضاء-ذو الكعبات وغيرها من الأصنام وقد سميت بعض هذه الأصنام بأصنام عبدة الأصنام فى عهد نوح-عليه السلام.
وقد ظهر فى الفترة التى بين آدم ونوح-عليهما السلام-خمسة أشخاص
(1)
وكانوا حريصين على طاعة الله وعبادته وبهذا نالوا حب الناس واحترامهم وعند ما أتم هؤلاء آجالهم وارتحلوا إلى عالم العقبى لم يستطع أولادهم وأتباعهم أن يتحملوا آلام فراقهم وتحسّروا عليهم، فصنعوا-بإيعاز من الشيطان-لكل واحد منهم صورة ليعلقوها فى مساجدهم. وفعلا قد وضعوا هذه الصور فى مساجدهم وظلوا يزورونها بكثرة ليخففوا شدة حزنهم وليزيلوا وطأة حسرتهم.
(1)
توجد تفاصيل وافية فى هذا الموضوع فى البحث الخاص ببدء ظهور الأصنام.