الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ادعاء جمشيد الألوهية
يقول المؤرخون إن عبادة الأصنام قد بدأت فى أيام جمشيد العنيد من ملوك البشدادية.
وبناء على ما جاء فى ترجمة تفسير أبو الليث أن (جمشيد) أخو الملك (طهمورث بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام.
ويقال إن جمشيد أول من كشف وأوجد الأدوية المركبة والمفردة والتداوى بالنبات، كما كشف عن المعادن المتنوعة واستخدم الذهب والفضة وأنواع الزينة والجمال والملابس الحريرية المتنوعة وتطيب بأعواد العنبر، وصنع الخمر وأنواع الطيب والمعطرات.
دام ملك جمشيد ثمانمائة عام ودخلت الأقاليم السبعة فى حوزته وسخر الأنس والجن وحكم أهل المشارق والمغارب مما قوى شوكته وزاد فى عظمته.
وقد اعتلى جمشيد عرش الحكم فى عهد إدريس
(1)
عليه السلام-وأقام العدل بين الناس وحرص على الوئام والمحبة لذا سمى رعيته يوم جلوسه على العرش نوروز وأصبح هذا اليوم من كل سنة عيدا لهم يحتفلون به كل عام.
ويقال إنه فى فترة حكمه قد رفع عن الناس-لحكمة ما-الموت والمرض والشيخوخة فما عرف فى ظرف ثلاثمائة عام من حكمه أن أحدا قد مات أو مرض أو شاخ.
وقد ظهرت فى زمانه بدائع الصنائع ومختلف آلات الحرب وطبقات الأمراء ودرجات المقاتلين ونصبت الخيام كما تم استخراج الجواهر واللآلئ من البحر وصناعة الإسبيداج والكلس وبناء الحمامات.
ولقد أمضى جمشيد أواخر أيامه فى الرفاهية والسعادة لا يفكر إلا فى ملذات طعامه وشرابه إذ بلغ ملكه أقصى ما كان يتمناه من قوة وعزة واحتشام.
وكان يفكر أحيانا فى حالته الصحية وكيف أنه لم يتعرض لمرض وكيف أنه لم يشعر بآلام فى أعضاء جسمه ولا أوجاع واضطرابات وكان يتساءل أحيانا قائلا: يا
(1)
فى قول أنه فى عهد إدريس وفى قول آخر فى زمن صالح عليهما السلام.
ترى هل هناك شخص يشبهنى فى عظمتى وقدرتى ولم يصبه مرض فى مدة حياته؟!.
وحينئذ نسى بشريته وأخذ يحاول أن يفهم ماهيته، وغشيه يوم من الأيام نوم وعقب هذا حدث نفسه قائلا: على أغلب الظن أننى لست من جنس البشر، إذ كيف أكون بشرا ولم يصبنى مرض وتقلب المزاج والشعور بالكآبة. ولكنه نسى أنه فى حاجة إلى كل ما يحتاجه البشر من الأكل والشرب وقضاء الحاجة، وبعد فترة دخل الشيطان فى غرفته دون أن يشعر به حراسه وأيقظه من نومه.
ولما اقتحم عليه الشيطان حجرته وهذا لم يكن له فى الحسبان لأن اقتحام أحد عليه حجرته دون أن يراه أحد من الحراس كان ضربا من المستحيل بدون رؤية أحد من الحراس؟ لذلك تملكته الحيرة وقال له حينما رآه فجأة أمامه: من أنت؟ وتلقى ردا من إبليس المضلل: إننى ملك نزل من السماء قد جئت لأعرفك من أنت.
ولما كان جمشيد مشتاقا لمعرفة نفسه فكر أن هذا الشخص الذى يقتحم عليه حجرته لا بد أن يكون شخصا ذا قدرة فائقة وربما يستطيع أن يعرفه بنفسه لذلك وجه إليه سؤال إذن أخبرنى من أنا؟ لأننى لا أشبه بنى البشر فى شئ؟ فرد الشيطان قائلا: لعلك نسيت من أنت؟
إنك رب سكنة السموات والأرضين!! .. وكنت فى السماء منذ ثمانمائة عام ..
حينما استغرقت فى النوم فإننى هبطت بك على الأرض وفق أمرك ..
إن عدم إصابتك بالمرض طول حياتك وانتصارك على ملوك العالم جميعا أليس دليلا كافيا على أنك إله.
كما أن دخولى إلى الحجرة بدون أن يرانى أحد ألا يثبت أننى رسول السماء؟! وهكذا خدع إبليس جمشيد الأبله بقوله المزخرف.
وقد قبل جمشيد الأدلة الواهية التى ساقها له إبليس واقتنع بألوهيته واستفسر منه الطريقة التى سيتحرك بها بعد ألوهيته فأجابه إبليس اللعين: يجب أن توقد فى هذا الميدان نارا عظيمة ثم تدعو الناس جميعا وتعلن لهم أنك إله وتطلب
منهم أن يسجدوا لك، وأن تلقى إلى النار كل من يمتنع عن السجود، وهكذا عرفه بطقوس المجوسية، وهكذا جعل إبليس اللعين جمشيد يوقد نارا حامية ويدعو الناس وجعلهم يسجدون له بعد أن أعلن ألوهيته فصدقه الناس. وبعد ذلك نصب خمسة أشخاص خلفاء له، وأعطى لكل واحد منهم صنما كبيرا وأرسلهم إلى أطراف مملكته بعد ما أمرهم بأن يدعوا الناس إلى السجود إلى هذه الأصنام وأن يعترفوا بألوهيته وأن ينال المصدقون التعظيم والتوقير وأن يعاقب المنكرون بإلقائهم فى النار.
كانت أسماء هذه الأصنام التى أعطيت للخلفاء: ود-سواع-يعوق-يغوث- نسر. وهكذا انتشر هؤلاء الخلفاء حاملين أصنامهم فى أرجاء العالم وابتدروا فى إضلال الناس بنشر طقوس الوثنية إلى أن مات جمشيد لعنه الله.
قد مات جمشيد بعد فترة من إرسال الأصنام إلى أطراف ممالكه، وهكذا نجا ربع سكان العالم من الاحتراق بنار الضلال، إلا أن مبعوثيه إلى أركان العالم أخذوا ينشرون طقوس الوثنية والمجوسية فى أرجاء العالم وأدخلوا أكثر الناس فى الوثنية.
قد قبض على جمشيد حيّا فى نهاية الأمر فى حربه مع «الضحاك» ابن أخى شداد بن عاد، وقد جعله قطعتين بعد ما نشره بعظمة شبيهة بالمنشار لنوع من أنواع الأسماك.
عاش جمشيد ألف عام قضى 100 أو 300 أو 700 أو 800 سنة فى الحكم حسب الروايات المختلفة.
يدعى مؤرخو الفرس نبوة جمشيد، إلا أن ابن عباس قال إن القول ببعث نبى من الفرس كذب، وخرج روايات هؤلاء المؤرخين الواهية والذين يدعون نبوة جمشيد من مؤرخى الفرس الجهلة قد اقتنعوا أن سيدنا سليمان-عليه السلام هو جمشيد، إلا أن جمهور أئمة الأخبار بينوا أن هناك أكثر من ألفى سنة زمنية بين سليمان-عليه السلام-وجمشيد، كما أن جمشيد قد كفر وأشرك فى أواخر أيام سلطنته، ويكفى هذا دليلا على بطلان تلك الادعاءات.