الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى قول آخر، إن السيدة «سارة» أصابتها الغيرة من إسماعيل-عليه السلام وقالت: يا إبراهيم، إذا كنت تريد لى راحة البال وهدوء الحال فاحمل هاجر وابنها إلى مكان قفر بلا ماء واتركهما هناك. ولما كان الوحى الجليل قد نزل آنذاك بأن يعمل تبعا لرأى سارة فإن، حضرة الخليل ترك المشار إليهما مع جرة ماء فى واد غير ذى زرع بمكة، ودعا على النحو السابق.
ولما كان دعاؤه مقبولا مجابا؟ فقد ظهرت قبائل «جرهم» و «قطورا» وعمرت مكة المكرمة، وأصبحت آهلة.
كيف ظهر بئر زمزم الشريف:
عند ما نفذ الماء من الجرة التى تركها الزوج المكرم-عليه السلام-فى ثلاثة أيام، ورأت السيدة هاجر أن ابنها إسماعيل أصبح على وشك الموت من العطش ولا حيلة له، وهى أيضا لا حيلة لها ولا قوة، فلبن ثدييها قد انقطع
(1)
.
وبعد أن تأملت وبكت لفترة، وهى فزعة جزعة من وحدتها فى ذلك الوادى الموحش، تركت ابنها إسماعيل أسفل الخيمة التى أقامتها من قبل وصعدت فوق قمة جبل الصفا للبحث عن الماء. ومن فوق هذا الجبل نظرت تجاه ابنها، حيث لا أثر لماء، أو لإنسان يروح أو يغدو، ونزلت إلى بطن الوادى، وكان المكان المنخفض الذى تركت فيه ابنها يوارى ويحول دون رؤيته فألقت فوق كتفيها بالزائد من الملابس الموجودة وراء ظهرها، وصعدت بسرعة فوق ربوة جبل المروة، فرأت ابنها من هناك ثم نزلت إلى الوادى ومع ذلك لم تستطع أن ترى ابنها، فأسرعت بالصعود إلى أعلى قمة جبل الصفا وابتهجت عيناها برؤية ابنها الذى يبعث السعادة فى النفوس. استمرت على هذا المنوال سبع مرات
(2)
تذهب وتغدو من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، بنحو لم يفعله مخلوق من بنى البشر وهى تقول «ليس من الممكن أن يوجد هنا ماء أو أن أقابل بشرا
(1)
هذه الرواية تختلف عما يدعيه المؤرخون بأن سيدنا إسماعيل أثناء الهجرة، كان فى الثانية عشرة من عمره.
(2)
لم يكن هناك من سعى بين الصفا والمروة قبل السيدة هاجر. لذا فإنها أول الساعين.
ورجعت إلى إسماعيل وقد امتلأت يأسا وخيبة أمل. وهناك سمعت صوتا يشبه صدى صوت إنسان فأحست بالفرح، لكنها لم تستطع أن تحدد ناحية مصدر الصوت وتحيرت، فماذا تفعل؟! وقد كف الصوت المذكور وبدأت تتلفت حولها وهى حزينة.
بعد ما أفاقت بفترة قالت: «يا صاحب الصوت الندى الذى شغف سمعى.
عند ما سمعت صوتك الملائكى غرقت فى بحر الأمل، إذا كنت نصيرا إلى فعجل، لأننى وابنى قد استولى علينا الألم واليأس. فقد بلغنا درجة الموت عندئذ اضطر صاحب الصوت أن يظهر، وكان جبريل الأمين وأن يظهر ماء زمزم بضربة من جناحه.
وسرت السيدة هاجر بظهور الماء سرورا عظيما وبعد أن شربت
(1)
وارتوت أخذ ضرعاها اللذان جف لبنهما فى الإدرار، وأحاطت الماء بالرمال حتى لا يسيل الماء فى الوادى، وفى قول آخر إنها عند ما حفظت بعض الماء للإدخار أظهرت نوعا من عدم التوكل، لذلك غاض الماء فى الحال فى باطن الأرض وكان هذا سببا فى توارى
(2)
الماء عن وجه الأرض بعد ما كان الماء جاريا.
لو لم تحاول هاجر-رضى الله عنها-أن تمنع الماء من الجريان بإحاطته بالرمال، لظل جاريا إلى يوم القيامة كما جاء فى الحديث الشريف. ظهر ماء زمزم على النحو المذكور وكانت السيدة هاجر فى أمان وسعادة ولما رأى ذلك جبريل الأمين خاطب هاجر قائلا: «يا هاجر لا يحزن قلبك من هذا المكان الساكن هما وغما ولا يجول بخاطرك أن هذا الماء ينضب، فقد انفجر هذا الماء الذى يهب الحياة لحرمة ماء وجه إسماعيل الذى يزين حضنك، وإن ابنك هذا سيتشرف بشرف النبوة وسوف يبنى مع زوجك إبراهيم هذه الساحة المباركة التى تزيل الهم
(1)
يروى أن السيدة هاجر سقت ابنها قبل أن تشرب.
(2)
لم يكن حول بئر زمزم حتى زمن أبى جعفر المنصور خرزة من الحجارة والرخام ولم يوجد حول فوهته خرزة يحيط بها وفى زمن خلافة المشار إليه أقاموا خرزة كما غطى ما حولها بالرخام.
والغم وهى بقعة مفخمة مشرفة، وبناء على هذا سيزيد عمران هذا الوادى من سنة إلى أخرى.
سيق أفراد من الأقوام والقبائل ليزوروا هذا المكان المقدس الذي سيعمره المشار إليهما.
وبما أن هذا المقال قد أزال الحزن من نفس هاجر وبشرها بأن هذا المكان سيكون فى دائرة المسجد الحرام الذى سيسبب الفرح والإبتهاج فى النفوس. فما كان منها إلا أن قامت وأدت فرائض العبودية والشكر لله-تعالى-وقررت أن تمضى حياتها فى هذا المكان المبارك المقدس.
وقد اختلف العلماء فى بيان كيفية تفجر ماء زمزم الشريف، فقال فريق إنها ظهرت من أثر ضربة جناح جبريل-عليه السلام-وذهبت جماعة إلى أنها ظهرت من أثر ضربة كعب سيدنا إسماعيل، ولكن القول الأرجح حسبما ذكرنا أن جبريل ضرب الأرض بجناحه فتفجرت المياه وأحاطتها هاجر-رضى الله عنها-بما حولها من رمال، ثم قام إبراهيم بعد ذلك بحفرها وتعميقها حتى أصبحت على شكل بئر وهذا ما قرره الجمهور.
كما اختلف المؤرخون فى تعريف سبب تسمية زمزم الشريف أيضا، ففى بعض الأقوال إنها سميت زمزم لكثرة تدفقها، وعند البعض أن تسميتها تعود إلى معنى «اجر بطيئا بطيئا» أى زم زم
(1)
وثبت هذا الاسم على البئر وعرف به.
وإننا سنبين فى موضوع كيفية انتقال الحكم من يد حكومة مكة إلى أيادى بنى خزاعة، أن هذا الماء ضاع وغاب فى زمن الجراهمة الذين كانوا عنوانا للضلال والطغيان، وبمرور الأيام نسى اسمه وجسمه ومكان وجوده.
وبالصدفة أقام أهل مكة صنمين لهما عند طرفى بئر زمزم الشريف الذي كان مجهول المكان.
(1)
إذا عرفنا أن معنى زمزم باللغة اليونانية «قف» يجب علينا أن نحمل التسمية لهذا السبب.
فأقاموا نائلة فى طرف وإساف فى الجانب الآخر. وكانوا يذبحون القرابين بين هذين الصنمين فوق فوهة بئر زمزم الشريف وعند ما آل حكم مكة ورئاسة قريش إلى عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وكان قد اقترب الزمن الذى ستجد فيه قلوب عطاش الجاهلية ماء حياة الهداية وستتحول أرض يثرب البطحاء القاحلة إلى جنات مأوى بفضل الماء الزلال الذى يفيض من نور النبوة.
وفى زمن عمرو بن حارث الجرهمى، كان زمزم قد اختفى عن العيون وظل خفيا مدة خمسمائة عام بعيدا عن العيون. وصدرت الإرادة الإلهية لحكمة ما بظهور زمزم الشريف، وكلف عبد المطلب ذات ليلة من الليالى فى رؤياه بأن يقوم بحفر زمزم مفتخرا.
ورغم أن عبد المطلب قد أمر بهذه المهمة، إلا أن مكان البئر المذكور كان غير معروف فى ذلك الوقت، لذا رأى أنه لن يستطيع بمفرده القيام بهذا العمل واضطر للاستعانة بقريش قديما ورؤساء قبائل قريش ووجه إليهم هذا السؤال «قد كلفت بحفر بئر زمزم وإظهارها فهل تعينونى فى هذا العمل؟» .
فسألوه هل تعرف مكان بئر زمزم؟ فقال: لم ألهم بذلك أيضا يعنى لم أعرفه فقال الرؤساء: «يا عبد المطلب يجب أن تستخير هذه الليلة إذا كنت مأمورا بهذا العمل من قبل الرحمن فإنه سيخبرك بمكانه، وإذا كانت الرؤيا شيطانية فلن ترى مثل هذه الرؤيا مرة أخرى.
وقد أعجب عبد المطلب برأى الرؤساء وأسرع بكل إخلاص وتوكل يستخير فى تلك الليلة.
وبناء على هذه الاستخارة ظهر لعبد المطلب فى رؤياه فى تلك الليلة شخص تحدث بهذه العبارات المسجوعة: «احفر زمزم إن حفرتها لن تندم وهو تراث من أبيك الأعظم، لا تنزف أبدا ولا تندم فسقى الحجيج الأعظم ليس كبعض ما تقدم وهى بين الفرث والدم» ولما رجا عبد المطلب من الهاتف أن يبين له المكان القديم للبئر المذكورة، فأشار له قائلا «عند قرية النمل حيث ينقر الغراب» وكأنه أراد من