الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بناء على هذا وجه هرقل خطابه إلينا، وقال:
(إن هذه التماثيل التى شاهدتموها قد نحتت قبل ألف سنة، لو كان هذا التمثال هو تمثال محمد الأمين الذى ذكر تماما فمما لا شك فيه أن الرجل نبى مرسل.
فعند وصولكما إلى مكة فعليكما بتصديق نبوته بلا تردد. وإذا قدر لى لقاءه فسوف أغسل رجليه المباركتين وأشرب ماء غسيلهما).
-
حكاية:
كان «جبير بن مطعم» من الصحابة
(1)
الكرام، ومن أولاد نوفل القرشى، ويتصل نسبه بعبد مناف الجد الثالث للنبى صلى الله عليه وسلم، وقد قال: كنت قد ذهبت إلى الشام فى بدء البعثة النبوية، فاستدعانى رئيس أساقفة نصارى الشام وسألنى:
أتعرف الرجل الأمى الذى يدعى النبوة فى بلدتكم؟ فلما أجبته: نعم! إنه ابن عمى! أمسكنى من يدى وأدخلنى غرفة مليئة بصور الأنبياء المزينة، وأشار إلى الصور واحدة تلو أخرى وسألنى: أيمكن أن ترى بينها صورته؟ فلما أجبته:
بالنفى أخذنى إلى حجرة أخرى، وكانت بيت التماثيل وكان فى داخلها تماثيل مزينة ومجسمة، وسألنى رئيس الأساقفة: يا ترى هل يوجد تمثال مشابه لصورة ابن عمك؟! فلما تأملنا رأيت تمثالا نورانيا على شكل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبجانبه صورة تشبه الصديق وصورة أخرى بجانب صورة الصديق تشبه عمر بن الخطاب فأشرت إلى الصورة، وقلت هذه الصورة تشبه صورة حضرة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما استفسر عن الصورتين الأخريين؛ أجبته قائلا: هذا ابن عمى ابن أبى قحافة وذلك ابن عمى عمر بن الخطاب. بناء على ذلك أنهى كلامه قائلا: إن هذا الرجل الذى ظهر فى بلدتكم مدعيا النبوة، أشهد أنه المبعوث الحق والرسول المطلق وهذان خليفتيه.
- حكاية:
تروى حكاية ذات عبر حدثت فى عهد أبى بكر الصديق؛ إذ بعث فى أثناء خلافته-رضى الله عنه-هشام بن العاص سفيرا إلى إمبراطور الشرق هرقل، وقد تحدث هشام عن ماهية هذه السفارة وحقيقتها.
(1)
انظر: الإصابة 235/ 1،والخبر فى دلائل النبوة للبيهقى 384/ 1 - 385.
قال هشام بن العاص
(1)
:كنت أرسلت أنا وصديق لى من قبل أبى بكر الصديق-رضى الله عنه-لدعوة هرقل إلى الإسلام، وعند ما وصلنا إلى المدينة عاصمة إمبراطورية هرقل أنزلونا فى قصر غاية فى الفخامة، وبعد ثلاثة أيام استدعانا هرقل، وأجرى لنا مراسم الاستقبال، وفى أثناء الحديث أمر بإحضار صندوق كبير جدا ومزين بالذهب ذى أدراج كثيرة، ففتح أحد هذه الأدراج وأخرج منه لوحة حمراء اللون ملفوفة بقطعة قماش سوداء. وقد رسم عليها صورة شخص حسن الطلعة طويل القامة، فأشار هرقل إلى اللوحة المذكورة، وسألنا هل تعرفون هذا الرجل؟
أجبناه بالنفى. فقال: إنها صورة سيدنا آدم عليه صلوات الله الأعظم. وكانت هذه الصورة لرجل أحمر الوجه واسع العينين، ذو قامة طويلة شعره مفرق إلى جانبين وقد جدل بصورة منسقة، وبعد أن وضع هرقل صورة سيدنا آدم فى مكانها فتح درجا آخر من أدراج الصندوق، وأخرج لوحة أخرى ناصعة البياض لامعة وملفوفة داخل قطعة قماش سوداء. وكانت الصورة المرسومة فى هذه اللوحة، صورة لرجل أحمر العينين فسأل هرقل: صورة من هذه؟
وكانت الإجابة بالنص: لا نعرف!!
فقال: إنها صورة سيدنا نوح-عليه السلام-وقد رسمت هذه الصورة لرجل أبيض اللون، عيناه تميلان إلى اللون الأحمر كبير الرأس، كثيف اللحية. وفى النهاية فتح هرقل درجا ثالثا، وأخرج لفافة قماش سوداء، بداخلها لوحة بيضاء.
وكانت اللوحة تحوى صورة رجل أبيض البشرة، وضاء الوجه وكأنه يبتسم وهو فى أبهى صورة.
وسأل هرقل: أتعرفون هذا الرجل؟ ولما أخذ الرد بالنفى، قال: هذه صورة إبراهيم عليه التحية والتعظيم، ثم فتح درجا آخر، وأخرج صورة صاحبها فائق الجمال وساطع الأنوار، وتذكرنا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقد بكينا فى أول مشاهدتنا للصورة كأننا رأينا حضرة صاحب الرسالة القدسية. وقد أظهر هرقل لهذه الصورة توقيرا وتعظيما أكثر من الصور الأخرى.
(1)
الخبر فى دلائل النبوة 386/ 1 - 390 بطوله، ونظر أيضا تفسير ابن كثير 564/ 3 - 567.
وعند ما سأل هل تعرفون صاحب هذه الصورة؟ وقد تلقى الجواب منا إذ قلنا:
إن هذا التمثال اللطيف يشبه صورة محمد عليه السلام، قال: الله يعلم أنه هو ونهض من مكانه وجلس عدة مرات. ثم قال: إذا كانت هذه الصورة هى الشكل المبارك لمحمد-عليه السلام-فاعلموا أن دينكم هو الدين الحق.
وأراد أن يبين شك فى كون هذه الصورة لمحمد-صلى الله عليه وسلم-إذ نطق بهذه الجملة.
ولكننا قلنا له: يا ملك بلاد الروم إن هذه الصورة صورة الحبيب ذى الكبرياء عليه أفضل التحيات ولا شك فى ذلك، وبها الكثير من شمائله الشريفة، حتى إننا ظننا أنفسنا فى حضرته السعيدة فائضة النور. وبهذه الإجابة زال شك هرقل إلى درجة ما، ولكنه لم يجرؤ على تصديق أن هذا التمثال صورة مشابهة لرسول الله العالى المقام، وظل يوجه إلى وجهنا نظرات بلهاء لمدة ساعة ثم أفاق، واستجمع عقله وسألنا وقد ظهرت عليه الحيرة:
احذرا أن تكونا قد أخطأتما فى تمييز صاحب الصورة إذ قد تكون لشخص آخر. ثم فتح درجا آخر وأخرج منه تمثال رجل غائر العينين متراكب الأسنان مقلص الشفتين. وكانت هذه الصورة تبدى علامات الغضب والحدة وتبعث الخوف فى مشاهديها. وإذا بها صورة سيدنا موسى بن عمران عليه صلوات الرحمن. وبجانب صورة موسى-عليه السلام-صورة أخرى تشبه صورة موسى الذات العالى إلى حد ما. أخبرنا هرقل أنها صورة هارون بن عمران- عليه سلام المنان-ثم فتح ثمانية أدراج درجا بعد درج، وأخرج من كل واحد منها صورة ملفوفة فى قطعة حرير سوداء، وقال إنها الأشكال المنيرة لحضرات سادتنا: لوط -إسحاق-يعقوب-إسماعيل-يوسف-داود-سليمان-عيسى عليهم السلام.
وكانت صورة سيدنا لوط داخل صرة من الحرير الأبيض، وتبدو صورته جميل الوجه عليها علامات الغضب. كما كانت صورة إسحاق داخل صرة بيضاء وقد رسمت بلون مائل للحمرة، وكانت صورة يعقوب-عليه السلام-داخل صرة بيضاء وكانت تشبه شكل إسحاق المبارك إلا أنها كانت تتميز بوجود خال
أسود اللون فى الشفة السفلى. أما صورة إسماعيل-عليه السلام-فقد كان أبيض اللون، حسن الوجه، أقنى الأنف، متناسق القوام، وكان يلمح فى وجهه السعيد نور محمد ساطع اللمعان.
وقد وصف هرقل هذه الصورة الجميلة أن صاحبها إسماعيل-عليه السلام جد نبيكم-عليه أفضل الصلاة والسلام.
وكانت صورة يوسف-عليه السلام-ساحر زليخا فى صرة بيضاء، وكان فى الخلقة يشبه آدم-عليه السلام-تماما لكنه فى صورة أجمل، متناسق الأعضاء حتى إن من يرونه يقولون: لا بد أن تكون شمس الملاحة هذا النور.
وكانت صورة داود-عليه السلام-داخل صرة بيضاء، وقد بدا فيها أحمر اللون ضخم البطن متقلدا السيف.
وإذا جئنا إلى صورة سليمان بن داود فنجده ممتطيا جوادا ضخم الأليتين، طويل الرجلين، وكانت هذه اللوحة ملفوفة بقطعة حريرية بيضاء.
أما هيكل عيسى-عليه السلام-فكان ملفوفا فى داخل صرة بيضاء، وكانت صورة ذاته الشريفة تبديه فتيا صلبا أسود اللحية، كثيف الشعر حسن الوجه.
وكنا نشاهد الصور المذكورة واحدة تلو الأخرى، وننظر فى كل واحدة منها بكل رقة بالبصر والبصيرة. وغرقنا فى بحر الحيرة من شدة التعجب والاستغراب. ولم نجرؤ على القول بأن هذه هى صورة الأنبياء المشار إليهم، قلنا للملك: أيها الملك، كيف حصلتم على صور الأنبياء هذه؟!
فإذا ما نظرنا إلى الرسم اللطيف لسيدنا محمد-صلوات الله وسلامه عليه- نبينا رأينا أنها تحمل نفس شمائله الشريفة؛ فلا بد أن تكون كل هذه الصور مطابقة لصور الأنبياء مع العلم أنه من الصعب إيجاد دليل قوى وسند يعتمد عليه الحكم على هذا الأمر، وبهذه العبارة لم نصدق ولم نكذب صحة تلك الصور المشروحة.
وعند ما رأى هرقل ترددنا الواضح فى تصديق حكاية الصور قال: إن هذه الصور بقيت من الأزمنة الغابرة، وإن كان من الصعب إثبات مدى مطابقة الصور لشكل أصحابها ما لم نرهم، إلا إننى عندى البينة الكافية لتأكيد صحة هذا الأمر.
يجب ألا ترتابوا فى أن الصور الشريفة للأنبياء ذوى الشأن الذين ذكرت أسماؤهم هى لهم. فإن سيدنا أبا البشر-عليه سلام الله الأكبر-أراد رؤية من اتصفوا بخير الصفات والذين سيتبوأون مقام النبوة من أولاده وأحفاده. ولما عرض أبو البشر ما فى ضميره على عالم السر والخفايا، أنزل الرحمن من عنده الصور المذكورة مرسومة على لوح مزين لحكمة لا يعرفها سواه.
وقد وضع سيدنا آدم اللوح المذكور فى مغارة فى بلاد المغرب بعد رؤيتها وهال عليها التراب والحجارة إلى أن وجدها ذو القرنين. ولفها فى قطعة من الحرير وحفظها، ولهذا انتقل اللوح المذكور مع قطعة الحرير هذه إلى يد النبى دانيال- عليه السلام-وقام المشار إليه برسم كل واحدة منها فى لوحة مستقلة، وبذلك نجح فى عمل صور كثيرة للأنبياء.
إن الذى ابتهجتم برؤيته وقررتم عينا بمشاهدته من الصور فجميعها من جملة الصور التى رسمها النبى دانيال، وقد ورثها الناس كابرا عن كابر إلى أن وصلت إلينا فى نهاية الأمر. وهكذا طيب خاطرنا وأعادنا إلى وطننا.
ورغم أننا لم نصدق أن الصور التى رأيناها عند هرقل تشبه شمائل الأنبياء الكرام، إلا أن الأمر ظل يتفاقم فى ذهننا وقد اضطررنا أن نعرض الأمر على الخليفة حتى نستوضح حقيقة الأمر منه.
وحينما وصلنا إلى المدينة المنورة توجهنا للقاء حضرة الخليفة الصديق وقبل أن نتحدث بما حدث أخبرنا بكل ما حدث أمام هرقل من مشاهدة الصور وما تحدث به بلا زيادة ولا نقصان وبعد ما بكى قليلا قال: إن طوائف اليهود وطوائف النصارى قد قرءوا فى كتبهم صفات النبى-صلى الله عليه وسلم-ونعوته ولكنهم تمردوا وعاندوا ولم يؤمنوا به.