الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هجوم ملك الروم .. بقصد تخريب كعبة الله القيوم:
إن ملك الروم الذى عاصر ألب أرسلان من ملوك آل سلجوق، تحرك ضد الإسلام وبناء على ما جاء فى تاريخ رضوان باشا قد نوى وقصد هدم البيت المعظم بسوق مليونين من الجنود، وحينما عرف ألب آرسلان بهذا الخبر أسرع بإعداد قليل من الأبطال فى شجاعة الأسود، وخرج من أصفهان وقابل المعاندين الروم فى مكان قريب من ديار بكر وابتدر بحربهم واستطاع أن يأسر رومانوس ملك الروم بينما كان مشغولا بالصيد كما أسر من كان معه من الصيادين وكبلهم بالسلاسل وأعمل السيف في جنده الذين أعدهم لسوقهم إلى مكة ودمرهم بينما هرب من نجا من السيف
(1)
.
وإن كانت هذه الواقعة منقولة من تاريخ رضوان باشا إلا أن أبا بكر الطرطوشى
(2)
مؤلف «سراج الملوك» يكتب عن انتصار ألب آرسلان على رومانوس بهذه الصورة.
إن القيصر رومانوس
(3)
حشد جيوشه للاستيلاء على البلاد الإسلامية والقضاء على الأمة الإسلامية من على سطح الأرض.
وكان لهذا الخبر وقعه السيئ فى المدن الإسلامية، فاضطرب ملوك المسلمين واضطروا إلى أن يتخذ كل واحد منهم وسائل الدفاع ويعد جنودا-قدر استطاعته-وبقى منتظرا قدوم الأعداء.
وكان ألب آرسلان
(4)
فى ذلك الوقت في أصفهان فأعد قوة عسكرية صغيرة
(1)
إن إعداد مليونين من الجنود فى ذلك الوقت بعيد الاحتمال إنما أراد المرحوم رضوان باشا أن يكنى عن كثرة عدد جند الروم لأن تجهيز مليونين من جند مستحيل من الناحية العسكرية والفن العسكرى.
(2)
إن كنية المؤلف المشار إليه أبو بكر، واسمه محمد بن أبى الوليد بن محمد القرشى، ولد سنة 1059 الميلادية وسنة 451 الهجرية فى مدينة طرطوش بالأندلس، وتوفى فى مدينة الإسكندرية سنة 1126 م و (520) الهجرية من شهر جمادى الأولى، وكان من زهاد عصره وعبادهم.
(3)
رومانوس هو القيصر الخامس والستون وقد تولى الملك 1099 م والموافق 492 هـ،وفى عام (1113 م الموافق 506 هـ سملت عيناه وانصرف عن الملك.
(4)
المشار إليه من الشعبة الثانية من السلاجقة الذين حكموا خراسان والعراق وما وراء النهر، وكان اسمه محمد واشتهر باسم الملك العادل ألب آرسلان، وقد انتصر على الإمبراطور رومانوس فى هذه الواقعة وارتحل عن الدنيا عام 465 هـ الموافق 1073 م.
وخرج من المدينة ليدافع عن دينه ضد أعدائه وعقب ذلك ظهرت طلائع جيش رومانوس ونصبوا خيامهم أمام معسكر جيش أصفهان.
ولما كانت الليلة ليلة الجمعة كان الأعداء فى حالة إعياء أجلوا القتال للصباح بالاتفاق وعينوا حراسا وباتوا يتكاثرون إذ أخذوا يفدون طول الوقت.
وفى الصباح أرسل المسلمون الجواسيس ليطلعوا على أحوال جيش العدو وقد رأى هؤلاء أن جند العدو أكثر من رمال الصحراء وقد ملئوا الجبال والصحارى وكان معسكر رومانوس بحرا زاخرا وعدة الجيش وعتاده مما يخرج عن الحصر والتخمين.
ولما رأى ألب آرسلان أن قوته بالنسبة للأعداء كخال أسود على جسم ثور أبيض عرف أن مقاومة عدو فى هذه الضخامة غير مجدية، وأمر بعقد مجلس شورى مع كل الذين يهمهم هذا الأمر.
وكانت نتيجة المناقشات والمشاورات أنه يجب أن يعد جميع أسباب الحرب والمقاومة حفظا لكرامة الأمة الإسلامية، وعرضت نتيجة المشاورة على ألب آرسلان وقد ساند المسلمون بعضهم بعضا، وقد تهيئوا للقتال.
وقد سر ألب آرسلان من هذا القرار وقال اليوم الجمعة وهو يوم مبارك، مادمنا سنحارب فلنصبر إلى أن نصلى صلاة الجمعة لأن الخطباء سيدعون فى هذا اليوم فى جميع أنحاء العالم الإسلامى بانتصار جيش الموحدين، ثم نخوض المعركة لإعلاء كلمة الله ثم بعث بعيونه إلى معسكر العدو، وطلب منهم أن يعرفوا مكان خيمة رومانوس وشكله وهيئته، وبعد ما اطلع على ما يريده جمع رجاله الأبطال، وقال لهم: أهجموا حيث أهجم ووجهوا سيوفكم وسهامكم ورماحكم حيث أوجه، ثم هجم على خيمة رومانوس ساحبا جنده خلفه-وقتل القيصر وبث هذا العمل الرعب والفوضى فى معسكر الأعداء فاضطربوا باكين مولولين.
حينما رأى العدو أن جنود المسلمين يهاجمون جيوشهم كالأسود الشجعان غير
مبالين بمن يقع منهم اضطربوا أيما اضطراب وقرروا الفرار
(1)
.
وبناء على هذا النصر اغتنم المسلمون أموال أعداء الدين والوطن؛ وأسروا الذين لم يستطيعوا الهروب.
وقد قبض على القيصر رومانوس أيضا وسيق إلى حضرة ألب آرسلان، الذى قال له وقد مثل أمامه: أيها القيصر! كيف كنت تعاملنى لو كنت أسرتنى؟ فتلقى منه ردا: حتما كنت قتلتك، فقال له: إنك أحقر فى نظرى من أن أمد يدى عليك بالقتل.
وعرضه للبيع فى المزاد العلنى في معسكره، وأعلن عنه بضعة أيام ولم يظهر أحد يرغب فى شرائه، وأخيرا ظهر شخص يريد أن يبادله بكلبه، وبلغ الخبر ألب آرسلان وأحضر الكلب وصاحبه والقيصر رومانوس عندئذ قال الملك منصفا صاحب الكلب إننى أرى أن كلبك خير منه، وأطلق سراح رومانوس وأعاده إلى بلاده.
وكان ألب آرسلان عند ما قال لصاحب الكلب: إن كلبك خير من رومانوس، يريد أن يشير إلى أن القادة الذين لا يستطيعون حماية جنودهم من الهزيمة لا يستحقون أن يكونوا قادة، كما أن رومانوس قد تسبب فى هزيمة جيشه وأسره لأنه لم يتخذ الاحتياطات اللازمة.
كتب كاتب جلبى فى موجزه الذى كتبه باللغة العربية قد تملك آلب آرسلان فى 455 هـ الموافق 1164 مدينة حلب وسرح جنده مبقيا معه 14000 ألف مقاتل.
وقد انتهز رومانوس هذه الفرصة واستولى على ملك المشار إليه وهو غافل، وقرر آلب آرسلان مقاتلة الروم بجنده الذين معه إذ لم يعبأ جنده كلهم عقب محاولة رومانوس الاستيلاء على ملكه، ولكنه رأى بلاده قد احتلت بجنود أكثر من جراد الصحراء فاضطر لطلب المصالحة.
(1)
يقول المؤرخون إن عدد الجنود الذين ساقهم آلب آرسلان لمحاربة العدو كان 12000 ألفا أو 14000 ألفا.
ولما كان هدف رومانوس هو القضاء على الأمة الإسلامية لم يرغب فى الصلح وأعلن أنه لن يتنازل عن القتال، حينئذ توكل آلب آرسلان على الله وخاض الحرب وأحرز النصر الذى ذكر من قبل، وهكذا ترك فى صفحات التاريخ ما سيخلد اسمه على مدى الأيام.
فليزد الله-سبحانه وتعالى-من عمر خليفة وجه الأرض والسلطان العادل السلطان عبد الحميد الثانى، ولينصر جيوش الموحدين فى كل زمان ومكان، وليقهر ويدمر أعداء الوطن والدين بجاه سيد المرسلين. آمين.
وإن كان هناك خلاف بين رواية رضوان باشا فى تاريخه ورواية صاحب «سراج الملوك» ومؤلفه، فبما أن حرب رومانوس كانت ضد جميع المسلمين فليس بمستبعد أن يكون أمله تخريب كعبة الله.
كتب مؤرخو الروم أن جيوش قيصر الروم قد انهزمت فى حروبها ضد السلطان علاء الدين فى الأناضول، وأسر رومانوس ثم أطلق سراحه بعد أن نال العفو ورجع إلى عاصمة ملكه حيث سملت عيناه.
من بين فروع السلاجقة التى حكمت فى قونيه ملكان حملا اسم علاء الدين وقد مات أحدهما فى سنة 634 هـ الموافق السنة 1237 الميلادية، والآخر توفى فى السنة 700 هـ الموافق للسنة 1301 الميلادية.
وبناء على هذا من قول المؤرخين المشار إليهما فإن رومانوس قد أسر فى حربه ضد السلطان علاء الدين يقتضى أن يكون خطأ؛ لأن رومانوس قد اعتلى كرسى الحكم سنة 1099 الميلادية، وبعد أربعة عشر عاما من الحكم غادر دنيانا وهذا ثابت باعترافهما.
وعلى هذا التقدير فإن حكم رومانوس كان قبل وفاة السلطان علاء الدين بمائة وثمان وثلاثين سنة، ويتحقق أنه كان معاصرا لألب آرسلان.