الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبظهور بعض الأشرار من الجانبين كان يقوم نزاع من حين إلى الآخر بينهما.
واستمرت هذه الحالة غير المستقرة فترة قصيرة ثم اتحد الجراهمة وهزموا جماعة قطورا وقتل سميدع، لذا عقد مضاض صلحا مع من بقى حيا من قوم قطورا الذين طلبوا الصلح وهكذا أصبح مضاض الحاكم الأوحد لمكة المفخمة.
وحتى هذه الواقعة-أى تاريخ استقلال مضاض بن عمرو الجرهمى بالحكم كانت حجابة الكعبة وسدانتها لبنى إسماعيل وكانت إدارة حكم البلدة المشرفة- مكة المكرمة لرؤساء الجراهمة وعقب وفاة نابت، ومقتل سميدع بن هوش استولى الجراهمة على سدانة بيت الله أيضا. ورأينا إدراج هذه الأبيات الصريحة فيما يتعلق بهذا الأمر.
نظم
وكنا ولاة البيت من بعد نابت
…
نطوف بتلك البيت والخير ظاهر
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
…
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى كنا أهلها فأزالنا
…
صروف الليالى والحدود العواصر
والأبيات المذكورة من قصيدة طويلة نظمها عمرو بن الحارث الجرهمى وتحكى طرد وإخراج الجراهمة من مكة المعظمة وانتقال حكومة مكة الجليلة إلى بنى خزاعة.
وعند ما اختلت نظم إدارة حكومة جرهم وقطورا أخذ مضاض بن عمرو أبناء قبيلته المسلحين ونزل من جبل قعيقعان، كما اصطحب سميدع أيضا قومه المقاتلين ونزل من جبل أجياد، عازما ملاقاة مضاض الجرهمى والتقى الجمعان فى المكان المسمى «فاضح» .
وكانت سيوف وسهام وحراب الجراهمة تقعقع وتصدر صوتا، ولهذا سمى الجبل الذى صعدوا عليه باسم «قعيقعان» .
كما أن جند سميدع هبطوا من جبل «أجياد» وهم متفرقون ثم أطلقوا على الجبل المذكور اسم أجياد.
وقد التحم جند الطرفين فى القتال فى موقع «فاضح» سالف الذكر وفى النهاية قتل سميدع، وتعرض أفراد عشيرة «قطورا» للإذلال والإهانة كما أنهم لم يستطيعوا حماية رئيسهم لذلك سمى ذلك المكان «فضيح» لأنهم فضحوا بين العرب.
وعند ما تشتت شمل جماعة «قطورا» أرسلوا رجلا إلى مضاض بن عمرو وطلبوا الصلح.
فقرر أن ينتخب رجالا ذوى ثقة من الجانبين ليحددوا شروط الصلح وأرسلوا إلى مكان يسمى «مطابخ»
(1)
.
وبعد أن تداول هؤلاء المبعوثون شروط الصلح وتشاوروا لمدة طويلة، تقرر إسناد أمر إدارة الطرفين إلى عمرو بن جرهم.
فرح عمرو الجرهمى بهذا القرار، واستدعى جند الطرفين إلى الوادى المسمى «مطابخ» وأقام لهم جميعا مأدبة كبيرة.
وأول حرب وقعت فى المدينة المقدسة مكة الفخمة هى حرب مضاض بن عمرو وأول من قتل فيها هو رأس عشيرة قطورا.
وبالتدريج قوى نظام الحكومة المستقلة التى تشكلت بحكمة مضاض بن عمرو وزادت مكانتها. وتكاثر أبناء وأحفاد قبائل الجراهمة التى كانت ترعى بنى إسماعيل وتحترمهم، لهذا اكتسبت حكومة مكة المكرمة قوة واسعة فى وقت قصير، وأصبح رؤساؤها من الملوك أصحاب الصولات فى ذلك العصر.
ورغم هذا لم تتسع أرض مكة الله المقدسة بالقدر الذى يليق لاستيعاب أهلها، ولهذا اضطرت القبائل للجلاء عن موطنها وانتشرت جماعات فى أطراف الممالك وبسبب صلة النسب، أظهر الجراهمة الرعاية والاحترام إلى أحفاد بنى إسماعيل،
(1)
مطابخ: مكان واسع فى أعلى مكة المعظمة وسبب تسميتها أنه تم فى هذا المكان طهى طعام المأدبة التى أقامها مضاض بن عمرو الجرهمى للجند.
ولهذا لم يرسلوا جندا إلى أى مكان قط إلا وحققوا النصر والظفر ونالوا القوة والعظمة حتى طردوا عدوهم القديم، طائفة العمالقة الباغية وأخرجوهم من البلدان، والطائفة المذكورة من الأمم السامية، ومن أحفاد «عمليق» بن لاو بن آد بن سام بن نوح-عليه السلام، وعند ما تفرقت الألسنة نزلوا بساحة صنعاء اليمن، ثم رحلوا بعد ذلك إلى منطقة الحرمين الشريفين وانتصروا على كل من أظهر لهم العداوة وأهلكوهم وقد أقامت جماعة منهم فى بوادى الشام وعند ما عصوا الله أمر الله-سبحانه وتعالى-موسى ويوشع- عليهما السلام-بقتالهم.
ورغم أن الملوك الجبابرة الذين استولوا على يثرب وخيبر وتلك النواحى وحكموها، كذلك فراعنة مصر كانوا من هذه الطائفة، إلا أن بنى إسرائيل قضوا عليهم جميعا وحكموا البلاد التى كانوا يحكمونها حتى قبيل مجئ الأوس والخزرج. وكان ديانة طائفة العماليق عبادة الأحجار والأشجار.
ورغم أن الجراهمة طردوا العمالقة الطغاة الغدارين وأخرجوهم من أرض الحجاز الطاهرة إلا أنهم انقسموا إلى قبائل متعددة وحكموا كل أرجاء مكة المكرمة لفترات طويلة.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن العمالقة كانوا من الأقوام الجبارة ويتصفون بشجاعة فطرية هذه الشجاعة التي غطت شهرتها الآفاق.
ولكنهم لما بدأوا فى الاستخفاف بحرمة الحرم الشريف الواجب التعظيم، وقصروا في رعاية بيت الله وفسقوا فيه ابتلاهم الله باليأس والحرمان فسلط عليهم الجراهمة الذين كانوا يستصغرونهم ويحقرونهم فغلبهم الجراهمة وأخرجوهم من منطقة الحجاز.
تفاصيل هذا البحث موجودة فى الصورة الثانية من الوجهة الرابعة من مرآة المدينة.