الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عين زبيدة:
بما أن مجرى تلك العين كان قد غطى بالطين والأحجار وبدأ أهل مكة يعانون شح الماء، قام رضوان أغا بترميم وإصلاح المواضع الخربة فى مجرى العين المذكور، وظهر الجزء الممتد من جمرة العقبة إلى مكة، وقد أنجز هذه المهمة على الوجه الأكمل.
إحدى كرامات بيت الله الحرام:
عند ما سقط جزء من بناء الكعبة الشريفة أصبح ماء زمزم الشريف ملحا أجاجا إلى درجة أنه تعذر شربه.
وعلى الرغم من أن أعلام العلماء والفقراء ذوى المنزلة تشاوروا فيما بينهم وبسطوا رجاءهم مطالبين بتطهير بئر زمزم لشدة حاجة أهل الإيمان إلى مائه المبارك ورغبتهم فيه، وأن تتولى جهة ما مهمة تنظيف هذه البئر إلى أن ينقى ماؤها، إلا أن تطهير هذه البئر كان يتكلف ثلاثين ألف قرش وبما أن إنفاق أكثر من خمسة أو ستة آلاف قرش ولو بارة واحدة يتوقف على الاستئذان من أولى الأمر فقد تغاضى رضوان أغا عن فكرة تطهير بئر زمزم قائلا: لا أستطيع أن أنفق هذا القدر من المال من تلقاء نفسى، وينبغى علىّ الاستئذان من والى مصر، ولكن حتى يصلنى رده يتطلب الأمر منى أن أشتغل بأمور أخرى لعدم إضاعة وقتى.
واقتضت حكمة الله أن الملوحة الظاهرة فى بئر زمزم بدأت فى الزوال- تدريجيا مع أول يوم من إلقاء أساس بيت رب العزة، وعند ما أوشكت عمليات الأبنية المسعودة على الانتهاء أصبح ماء بئر زمزم عذبا فراتا، ولم تعد هناك حاجة إلى تطهيرها. انتهى.
وفى أوائل شهر ذى القعدة أرسل رضوان أغا إلى والى مصر بيانا يتضمن ما تحتاج إليه الأبنية المسعودة من الآلات وأدوات ومواد بناء مبينا مقدارها وأنواعها، ورجاه الإسراع فى إرسال هذه الأشياء المدرجة فى هذا البيان. وقام والى مصر محمد على باشا بإعداد الأشياء التى أرسل رضوان أغا فى طلبها وعلاوة على
هذا استدعى كثيرا من النجارين وسائر الحرفيين ووجه بهم موظفا خاصّا وخرج فى وداعه. ولدى وصول الموظف المذكور إلى ميناء جدة فى أواخر شهر ذى القعدة سلم ما أحضره من مواد-بموجب دفتر-إلى أحمد قبانى أفندى كاتب المال على ميناء جدة المعمورة.
وبناء على الأمر الذى أرسله رضوان أغا مع سيد على بن هبزع أرسل أحمد قبانى المهمات الواردة من مصر إلى مكة المكرمة على دفعتين، وقد حفظت المهمات التى أرسلت فى القافلة الأولى فى الخانات المعروفة بمخازن «عبد الرحمن بن عتيق» 13 محرم.
وقبيل وصول هذه القافلة اتجه رضوان أغا نحو خليص لتمهيد وإصلاح الطرق التى دمرها ماء السيول الجارى من جهة وادى خليص، وكانت طرق العين المذكورة قد خربت بأكملها من جراء طغيان السيل، ولذا انقطعت مياه البئر، ومكث رضوان أغا أياما فى الوادى المذكور لإعادة مجرى البئر إلى سالف عهدها، واطلع على بن شمس الدين أفندى مهندس مكة المكرمة على الأماكن المتهدمة.
وفى التاسع من ربيع الثانى أجروا الماء الذى انقطع-إلى مكة المكرمة بعد إصلاح العين وجعلها على أحسن وضع لها، كما أجريت مياه الأحواض.
ثم قفل رضوان أغا راجعا إلى مكة المكرمة ونظف مجارى المياه الواقعة على مقربة من البركة الشامية.
وفى يوم الثلاثاء الرابع عشر من ربيع الثانى عين من مست إليهم الحاجة من موظفين للقيام بتجهيز كافة متطلبات ومستلزمات الأبنية المسعودة من حطب وفحم وجص، وبعد أن طيب نفس كل منهم بتحديد مرتباتهم كاملة غير منقوصة أمرهم بجمع الأحجار التى هوت من الأبنية المباركة للكعبة المعظمة، وأصدر تعليماته وتوجيهاته إلى النجارين بخصوص عمليات الترميم والإصلاح لإعادة جدران الكعبة المشرفة إلى ما كانت عليه.
ولما شاع بين الأهالى أن الأحجار الساقطة سوف تعاد إلى مواضعها فى الأبنية المسعودة كثر القيل والقال، ولأن كل أحد قال كل ما خطر له من كلام ذهب بعض العلماء إلى عدم جواز ذلك العمل واعترضوا عليه لدى رضوان أغا.
وكان ضمن هؤلاء من طائفة العلماء المعترضين من يسمى «محمد على بن علان» مفتى الشافعية، وأصدر هذا الرجل فتوى فحواها أنه:(لا يجوز لكائن من كان أن يتدخل فى شئون البيت الشريف ما لم يكن نائبا أعظم عن سلطان العالم وملك ملوكه المعظم، وينبغى الانتظار لحين وصول التعليمات من الأستانة فى هذا الشأن).
وبناء عليه استدعى رضوان أغا شيوخ الإفتاء على المذاهب الأربعة إلى الحرم الشريف وقال لهم: هناك من أفتى معترضا على ترميم بيت الله، فهل يجوز أن يبدأ فلان من الناس الذى عين من قبل السلطنة السنية ومنح الإذن فى البناء، أم أن ذلك غير جائز؟.
وأجاب على سؤاله من أعاظم شيوخ الفتيا الشيخ «خالد بن أحمد المالكى» ، و «عبد العزيز الزمزمى» من شيوخ إفتاء الشافعية، و «أحمد بن محمد آق شمس الدين المفتى الحنفى» و «عبد الله بن أبى بكر القرشى» مفتى الحنابلة بأن هذا الأمر (فرض كفاية)،والقائم به مثاب مأجور عند الله، بيد أن الشيخ محمد على بن علان وهو من مشاهير المعترضين أبدى اعتراضه ثانية، وجمع كثرة كاثرة من الأهالى وتجرءوا على منع الحجّارين وكافة عمليات البناء، وعلى أثر ذلك لم يجد رضوان أغا بدّا من استدعاء شيوخ الإفتاء على المذاهب الأربعة للمرة الثانية واستفتاهم فى شرح المسألة على التفصيل.
وبفضل فتاوى هؤلاء الشيوخ المفصلة والتى أجمعوا فيها على جواز العمل قائلين: «يجوز كل فعل ما دعت إليه ضرورة أو حاجة» اقتنع الناس بمشروع رضوان أغا فى عمليات الأبنية المسعودة قبل وصول التعليمات السلطانية.
ولم يكن سبب الاعتراض هو الرغبة فى إعادة الأحجار المنهارة إلى مواضعها