الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
فائدة"
التواتر
قيل: من قول الله تعالى (ثم أرسلنا رسلنا تترى)[المؤمنون: 44]
قال اللغويون: أي: واحدا بعد واحد بفترة.
قال الجواليقي: وقول العامة: تواترت كتبك علي غلط؛ لأنهم يريدون تواصلت، والصيغة لضد المواصلة، وقيل: هو من الوتر الذي هو الفرد، أي فردا بعد فرد، وعلى هذا يصح قولهم: تواترت كتبك علي.
والآحاد من الأحد، وهو المنفرد، ومنه قوله تعالى:(قل هو الله أحد)[الإخلاص:1] وهل الأحد والواحد مترادفان كما قاله أبو علي في "الإيضاح"؟ أو متباينان كما قاله غيره؟ أو يرادفه آحاد وموحد على وزن عطاش ومضرب كما قاله صاحب كتاب "الرتبة"؟
خلاف بين العلماء ليس هذا موضع تحقيقه، ولما كان الواحد إذا انفرد ليس يفيد إخباره الظن غالبا يسمى كل خبر يفيد الظن آحادا، وضعا عرفيا للأصوليين.
الثاني: على قوله: زعم بعضهم أن لفظ الله هذه اللفظة سورية، والمنقول في كتب التفسير وغيرها أن بعض الناس قال: إنها سريانية بتسكين الراء وتشديدها، يقال بالوجهين، والتسكين أكثر، أما سوري، فلم أره في غير "المحصول"، وجميع ما رأيته، وسألت الفضلاء عنه، فهو ما تقدم، ويحتمل ما ذكره وجوها.
منها: أنها لفظة أعجمية، وقالت الأدباء: إن اللفظ الأعجمي ينقل عن
لسان العرب فيحدث فيه أنواعا من التغيير، كما نطقوا بجبريل على صيغ مختلفة مشهورة، وكذلك ميكائيل، وغيرها، فيحتمل أن يكون هذا التغيير من هذا القبيل.
ومنها: أنه يحتمل أنه قد يتخيل أنه لفظ مركب من سور وبان، والنسبة للفظ المركب تصح لضده فقط، كماقالوا بعلى، في بعلبك (1)، ورامى في رام هرمز (2)، كذلك هاهنا سورى.
ومنها: أن يتخيل أن الألف والنون زائدتان، كما قالوا في أذربيجان -إقليم من أقاليم العجم- إن فيه خمس علل لمنعه من الصرف:
إحداها: زيادة الألف والنون، وقد جوزت العرب في النسب حذف الألف والنون، فكذلك هاهنا حذفا، وحذفت الياء أيضا، كما حذفت في قاضٍ، إذا نسب إليه لوقوعها طرفا، فقالوا: سورى فهذه احتمالات في تصحيح هذا الكلام مع غرابته.
الثالث: على قوله: إنهم اختلفوا في اشتقاق لفظ الله، ولفظ الصلاة، ومسمى لفظ الله، ومسمى صيغة الوجوب وغير ذلك، فإن هذه شبهة ساقطة بناء على قاعدة، وهي أن التواتر لا يدخل إلا في أمر حسي، أما النظريات، وجميع العقليات، فلا مدخل للتواتر فيها إجماعا، واتفق الناس على اشتراط ذلك، إذا تقرر هذا فنقول: حظ الحس من هذه الألفاظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نطق بها، وهذا لم يختلف فيه اثنان من المسلمين، ولا من الكافرين، بل اتفقت الملل على أنه صلى الله عليه وسلم-أتى بالقرآن، وأنه تحدى به، وإنما اختلفوا هل هو من عند الله تعالى أم لا؟ فالمسلمون على ذلك، والكفار يمنعونه، أما إنه أتى به فلا خلاف فيه فهذا حظ الحس؛ لأنه سمع منه بالحس، وأما كون اللفظ مشتقا من كذا، أو من كذا فهذا أمر نظري لا مدخل للتواتر فيه، وكذلك كون الأمر موضوعا للوجوب، إنما يدرك بدقائق النظر في تصاريف الاستعمالات لا مدخل للتواتر فيه، وإذا كان الخلاف في غير موطن التواتر لا يقدح في وجود التواتر، ولا في كونه مفيدا للعلم؛ لأنهم لو اختلفوا في متعلق التواتر دل ذلك على عدم حصول العلم للمختلفين، لكن اختلفوا في الاشتقاق والأمور النظرية، فلا علم فيها، ونحن نقول به، ولا نقول بالتواتر فيها؛ لانتفاء شرط دخوله فيها، وهو الحسي.
الرابع: قوله: من شرط التواتر استواء الطرفين، والواسطة قد يحصل التواتر بلا طرفين، ولا واسطة إذا كان المخبر لنا هو المباشر لذلك الأمر المحسوس، أو طرفان بلا واسطة، إذا نقل إلينا من نقل عن المباشر، وطرفان وواسطة، إذا نقل إلينا من نقل عمن نقل عن المباشر، فالمباشر والناقل إلينا طرفان، ومن بينهما واسطة، وقد تكثر الوسائط كنقل القرآن إلينا بيننا، وبين السامعين له من رسول الله صلى الله عليه وسلمن فتجيء ست وسائط في كل قرن واسطة، وليس كل تواتر له طرفان فضلا عن طرفين وواسطة، وما
أمكن وجود الشيء بدونه لا يكون شرطا فيه، لكن إن اتفق وقوع هذه الطبقات، فيشترط استواؤها كلها في كون كل طائفة منها يستحيل تواطؤها على الكذب، كما يشترط في أصل عدد التواتر وإن لم تتعدد طبقاته.
الخامس: على قوله:
إن مخبرينا أخبروا أن مخبريهم كانوا موصوفين بشرائط التواتر، كذلك كل طائفة إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الكلام لايفيد المقصود، بسبب أن الكلام في هذا المقام بسبب معرفة اللغة والنحو والتصريف، وهذه الأمور لم يكن مبدؤها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر الناس أنى وضعت هذه لهذه، أو أخبر عن الواضع أنه وضع هذه الألفاظ لهذه المعاني، بل هذا أمر لم يتعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفيا ولا إثباتا فيما علمت، بل نطق بلغة العرب من غير تعرض لحقيقة اللفظ من مجازه ولا تعيين مسمياته، وسلك في ذلك أسوة المتعلمين للغة، ويجتهد في معرفة مسمى اللفظ من غير نطقه من كتب اللغة، ويحمل لفظه -صلى الله عليه وسلم_ عليه عند عدم القرينة الصارفة للمجاز، فلا معنى للوقوف في سلسلة طبقات التواتر عند زمانه صلى الله عليه وسلم.
السادس: على قوله: "لو لم تكن هذه الألفاظ موضوعة لهذه المعاني، وقد وضعها واضع آخر لاشتهر ذلك" لا يفيده التواتر في نقل اللغات، فإن قوله: لو وضع لاشتهر، يفيد أنه ما وقع التغيير، وهل ذلك قطعا أو ظنا؟
لم يتعين اليقين في ذلك، فإن هذه المقدمة قد تكون يقينية أحيانا، وقد لا تكون بحسب خصوصيات المراد، وإذا تقرر أن الوضع الجديد ما وقع يلزم أن يكون الوضع الأول مستمرا، ولا يلزم من كونه مستمرا، ولم يتعين أن يكون متواترا، بل قد يكون متواترا، وقد يكون آحادا كحوشي اللغة الذي