الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الأحكام فنذكرها في مسائل:
المسألة الأولى: أن صدق المشتق لا ينفك عن صدق المشتق منه
؛ خلافا لأبي على وأبي هاشم؛ فإن العالم والقادر والحي، أسماء مشتقة مع العلم، والقدرة، والحياة.
ثم إنهما يطلقان هذه الأسماء على الله تعالى وينكران حصول العلم والقدرة والحياة لله تعالى؛ لن المسمى بهذه الأسامي هي: المعاني التي توجب العالمية، والقادرية، والحيية، وهذه المعاني غير ثابتة لله تعالى؛ فلا يكون لله تعالى علم وقدرة وحياة، مع أنه عالم قادر حي.
وأما أبو الحسين، فإنه لا يتقرر معه هذا الخلاف؛ لأن المسمى عنده بالقدرة نفس القادرية، وبالعلم العالمية، وهذه الأحكام حاصلة لله تعالى، فيكون لله تعالى علم وقدرة.
لنا: أن المشتق مركب، والمشتق منه مفرد، والمركب بدون المفرد غير معقول.
المسألة الثانية: اختلفوا في أن بقاء وجه الاشتقاق
، هل هو شرط لصدق اسم المشتق؟! والأقرب أنه ليس بشرط؛ خلافا لأبي علي بن سيناء من الفلاسفة، وأبي هاشم من المعتزلة.
لنا: أن بعد انقضاء الضرب يصدق عليه أنه ليس بضارب، وإذا صدق ذلك، وجب أن يصدق عليه أنه ضارب.
بيان الأول: أنه يصدق عليه أنه ليس بضارب في هذه الحال، وقولنا: ليس
بضارب، جزء من قولنا: ليس بضارب في هذه الحال، ومتى صدق الكل، صدق كل واحد من أجزائه، فإذن صدق عليه أنه ليس بضارب.
وبيان الثاني: أنه لما صدق عليه ذلك، وجب ألا يصدق عليه أنه ضارب؛ لأن قولنا:(ضارب) يناقضه في العرف (ليس بضارب) بدليل أن من قال: فلان ضارب، فمن أراد تكذيبه وإبطال قوله، قال: إنه ليس بضارب، ولولا أنه نقيض الأول، وإلا لما استعملوه لنقض الأول؛ ولما ثبت كونهما موضوعين لمفهومين متناقضين، وقد صدق أحدهما، فوجب ألا يصدق الآخر.
فإن قيل: لا نسلم أنه يصدق عليه بعد انقضاء الضرب- أنه ليس بضارب.
قوله: لأنه يصدق عليه أنه ليس بضارب في هذه الحال؛ ومتى صدق عليه ذلك، صدق عليه أنه ليس بضارب!!
قلنا: حكم الشيء وحده يجوز أن يكون مخالفا لحكمه مع غيره، فلا يلزم من صدق قولنا:(ليس بضارب في الحال) صدق قولنا: (ليس بضارب).
سلمنا أنه يصدق عليه أنه ليس بضارب، فلم لا يصدق عليه أنه ضارب؟! بيانه: أن قولنا: فلان ضارب، وقولنا: فلان ليس بضارب، ما لم نعتبر فيه اتحاد الوقت- لم يتناقضا، ولا يجوز إيراد أحدهما لتكذيب الآخر.
سلمنا أن ما ذكرتموه يدل على قولكم، لكنه معارض بوجوه:
الأول: أن الضارب من حصل له الضرب، وهذا المفهوم أعم من قولنا: حصل له الضرب في الحال، أو في الماضي؛ لأنه يمكن تقسيمه إليهما، ومورد
القسمة مشترك بين القسمين، ولا يلزم من نفي الخاص نفس المشترك؛ فإذن لا يلزم من نفى الضاربية في الحال نفى الضاربية مطلقا.
الثاني: أن أهل اللغة اتفقوا على أن اسم الفاعل، إذا كان في تقدير الماضي لا يعمل عمل الفعل، ولولا أن اسم الفاعل يصح إطلاقه لفعل وجد في الماضي، وإلا لكان هذا الكلام لغوا.
الثالث: أنه لو كان حصول المشتق منه شرطا في كون الاسم المشتق حقيقة، لما كان اسم المتكلم والمخبر واليوم والأمس وما يجري مجراها ـ حقيقة في شيء أصلا، واللازم باطل، فالملزوم مثله.
بيان الملازمة: أن الكلام اسم لمجموع الحروف المتوالية، لا لكل واحد منها، ومجموع تلك الحروف لا وجود له أصلا بل الموجود منه أبدا ليس إلا الحرف الواحد، فلو كان شرط كون الاسم المشتق حقيقة حصول المشتق منه، لوجب ألا يصير هذا الاسم المشتق حقيقة ألبتة.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يقال: الكلام اسم لكل واحد من تلك الحروف؟!
سلمنا: أنه ليس كذلك، فلم لا يجوز أن يقال: حصول المشتق منه شرط في كون المشتق حقيقة، إذا كان ممكن الحصول، فأما إذا لم يكن كذلك، فلا؟!.
أو نقول: شرط كون المشتق حقيقة حصول المشتق منه؛ إما لمجموعه أو لأجزائه، وهاهنا إن امتنع أن يكون للمجموع وجود، لكنه لا يمتنع ذلك للآحاد.
أو نقول: لم لا يجوز أن يقال: هذه الألفاظ ليست حقائق في شيء من المسميات أصلا؟!.
قلت: الجواب عن الأول: أن ذلك باطل بإجماع أهل اللغة، وأيضا: فالإلزام عائد في لفظ الخبر؛ فإنه لا شك في أن كل واحد من حروف الخبر ليس خبرا، وكذلك كل واحد من أجزاء الشهر والسنة ليس بشهر ولا سنة.
وعن الثاني: أن أحدا من الأمة لم يقل بهذا الفرق؛ فيكون باطلا.
وعن الثالث: أن هذه الألفاظ مستعملة، وكل مستعمل، فإنه إما أن يكون حقيقة، أو مجازا، وكل مجاز فله حقيقة، فإذن هذه الألفاظ حقائق في بعض الأشياء، وقد علم بالضرورة أنها ليست حقائق فيما عدا هذه المعاني، فهي حقائق فيها.
الرابع: الإيمان مفسر: إما بالتصديق، أو العمل، أو الإقرار، أو مجموعها.
والشخص حينما لا يكون مباشرا لشيء من هذه الأشياء الثلاثة يسمى مؤمنا حقيقة، فلولا أن حصول ما منه الاشتقاق ليس شرطا لصدق المشتق، وإلا لما كان كذلك.
والجواب: قوله: يجوز أن يختلف حال الشيء بسبب الانفراد والتركيب!!
قلنا: مدلول الألفاظ المركبة ليس إلا المركب الحاصل من المفردات التي هي مدلولات الألفاظ المفردة.
قوله: وحدة الزمان معتبرة في تحقق التناقض!!.
قلنا: هذا لا نزاع فيه، لكنا ندعي أن قولنا:(ضارب) يفيد الزمان المعين، وهو الحاضر بدليل ما ذكرنا: أن إحدى اللفظتين مستعملة في رفع الأخرى.
أما أولا: فلأنا نعلم بالضرورة من أهل اللغة أنهم متى حاولوا تكذيب المتلفظ بإحدى اللفظتين، لا يذكرون إلا اللفظة الأخرى، ويكتفون بذكر كل واحدة منهما عند محاولة تكذيب الأخرى، ولولا اقتضاء كل واحدة منهما للزمان المعين، وإلا لما حصل التكاذب.
وأما ثانيا: فلأن كلمة (ليس) موضوعة للسلب، فإذا قلنا: ليس بضارب، فلابد وأن يفيد سلب ما فهم من قولنا: ضارب، وإلا لم تكن لفظة (ليس) مستعملة للسلب.
وإذا ثبت أن كل واحدة من هاتين اللفظتين موضوعة لرفع مقتضى الأخرى، وجب تناولهما لذلك الزمان المعين، وإلا لم يحصل التكاذب.
ثم لا نزاع في أن ذلك الزمان ليس هو الماضي ولا المستقبل؛ فتعين أن يكون الحاضر.
قوله في المعارضة الأولى: ثبوت الضرب له أعم من ثبوته له في الحاضر أو الماضي بدليل صحة التقسيم إليهما.
قلنا: كما يمكن تقسيمه إلى الماضي والحاضر، يمكن تقسيمه إلى المستقبل، فإنه يمكن أن يقال: ثبوت الضرب له أعم من ثبوته له في الحال أو في المستقبل، فإن كان ما ذكرته يقتضي كون الضارب حقيقة لمن حصل له الضرب في الماضي، فلكين حقيقة لمن سيوجد الضرب منه المستقبل، وإن لم يوجد ألبتة لا في الحاضر ولا في الماضي، فإنه باطل بالاتفاق.
قوله ثانيا: إن أهل اللغة قالوا: اسم الفاعل إذا أفاد الفعل الماضي لا يعمل عمل الفعل.
قلنا: وقد قالوا أيضا: إذا أفاد الفعل المستقبل، عمل عمل الفعل؛ فيلزم أن يكون الاسم المشتق حقيقة فيما سيوجد فيه المشتق منه، ولا شك في فساده.
قوله ثالثا: يلزم ألا يكون اسم المخبر حقيقة أصلا.
قلنا: المعتبر عندنا حصوله بتمامه، إن أمكن، أو حصول آخر جزء من أجزائه؛ ودعوى الإجماع على فساد هذا التفصيل ممنوعة.
قوله رابعا: الشخص يسمى مؤمنا، وإن لم يكن مشتغلا في الحال بمسمى الإيمان.
قلنا: لا نسلم أن ذلك الإطلاق حقيقة، والدليل عليه: أنه لا يجوز أن يقال في أكابر الصحابة: إنهم كفرة؛ لأجل كفر كان موجودا قبل إيمانهم، ولا لليقظان: إنه نائم؛ لأجل نوم كان موجودا قبل ذلك، والله أعلم.
المسألة الثانية: اختلفوا في أن المعنى القائم بالشيء، هل يجب أن يشتق له منه اسم؟
والحق التفصيل: فإن المعاني التي لا أسماء لها مثل أنواع الروائح والآلام، فلا شك أن ذلك غير حاصل فيها.
وأما التي لها أسماء، ففيها بحثان:
أحدهما: أنه، هل يجب أن يشتق لمحالها منها أسماء؟!
الظاهر من مذهب المتكلمين منا: أن ذلك واجب، فإن المعتزلة، لما قالت:
إن الله تعالى يخلق كلامه في جسم، قال أصحابنا لهم: لو كان كذلك، لوجب أن يشتق لذلك المحل اسم المتكلم من ذلك الكلام، وعند المعتزلة: أن ذلك غير واجب.
وثانيهما: أنه إذا لم يشتق لمحله منه اسم، فهل يجوز أن يشتق لغير ذلك المحل منه اسم؟ فعند أصحابنا: لا، وعند المعتزلة: نعم.
لأن الله تعالى يسمى متكلما بذلك الكلام واستدلت المعتزلة لقولهم في الموضعين: بأن القتل والضرب والجرح قائم بالمقتول والمضروب والمجروح، ثم إن المقتول لا يسمى قاتلا، فإذن محل المشتق منه لم يحصل له اسم الفاعل، وحصل ذلك الاسم لغير محله.
وأجيبوا عنه: بأن الجرح ليس عبارة عن الأمر الحاصل في المجروح، بل عن تأثير قدرة القادر فيه، وذلك التأثير حكم حاصل للفاعل، وكذا القول في القتل.
وأجابت المعتزلة عنه: بأنه لا معنى لتأثير القدرة في المقدور إلا وقوع المقدور؛ إذ لو كان التأثير أمرا زائدا، لكان: إما أن يكون قديما، وهو محال؛ لأن تأثير الشيء في الشيء نسبة بينهما؛ فلا يعقل ثبوته عند عدم واحد منهما، أو محدثا؛ فيفتقر إلى تأثير آخر؛ فيلزم التسلسل.
والذي يحسم مادة الإشكال أن الله تعالى خالق العالم، واسم الخالق مشتق من الخلق، والخلق نفس المخلوق، والمخلوق غير قائم بذات الله تعالى.
والدليل على أن الخلق عين المخلوق أنه لو كان غيره، لكان إن كان قديما، لزم قدم العالم، وإن كان محدثا، لزم التسلسل.
ومما يدل على أنه ليس من شرط المشتق منه قيامه بمن له الاشتقاق-ـ أن المفهوم من الاسم المشتق ليس إلا أنه ذو ذلك المشتق منه، ولفظ (ذو) لا يقتضي الحلول.
ولأن لفظة (اللابن)، و (التامر)، و (المكي)، و (المدني)، و (الحداد) مشتقة من أمور يمتنع قيامها بمن له الاشتقاق.
المسألة الرابعة: مفهوم الأسود شيء ما له السواد؛ فأما حقيقة ذلك الشيء، فخارج عن المفهوم، فإن علم، علم بطريق الالتزام، والذي يدل عليه أنك تقول: الأسود جسم، فلو كان مفهوم الأسود أنه جسم ذو سواد، لتنزل ذلك منزلة ما يقال: الجسم ذو السواد يجب أن يكون جسما، والله أعلم بالصواب].
قال القرافي: قال ابن الخشاب في كتابه في الاشتقاق ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: جوازه مطلقا، قاله ابن درستويه،.
المذهب الثاني: منعه مطلقا، قال ابن نفطويه، ويرى أن الجميع موضوع، قال: وإن كان ظاهريا في مذهبه، وكان من أصحاب داود الظاهري، ووافقه محمد بن الحسين المقري.
المذهب الثالث: أن في الكلام مشتقا، وغير مشتق.
قال: والاشتقاق مأخوذ من الشق افتعال منه.
فشققت معناه: اقتطعت، ومنه قول الفرزدق:[البسيط].
مشتقة من رسول الله نبعته [طابت مغارسه والخيم والشيم].
وقال الرماني في كتاب (الحدود النحوية) حده: اقتطاع فرع من أصل يدور في تصاريفه.
وقال في كتاب (الاشتقاق): هو إنشاء فرع عن أصل يدل عليه.
وقال عبد الله بن أحمد: هو رد فرع إلى أصل يعني يجمعهما، وهو خاص في أصل الوضع بالأصل.
(فائدة)
قال اللغويين كالأصمعي، وقطرب ونحوهما: يسمون المنقول عن أسماء الأجناس أعلاما على الأشخاص مشتقة نحو (جعفر) و (ثعلبة)، والنحويون يخالفونهم.
(مسألة)
قال: الحمار من الحمرة؛ لأنها تكون الغالب على حمر الوحش، والغراب من الغرب الذي هو الحد لحدة بصره، أو من الغرابة؛ لأن الشعراء يجعلون صياحه سببا للفراق، والجراد من الجرد؛ لأنه يجرد الأرض من النبات، وضروب الحيوان وغيرها.
وقوله: هذه الدراهم ضرب هذه السنة، وضرب كل سنة مشابه للسكة،