الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه بعض الفاعل حقيقة لغوية، فهذه التحريكات، هي تفيدك الحقيقة في هذا الباب من المجاز.
فائدة
متويه أصله متويه، مثل، مثل سيبويه، ونفطويه، وحمويه
، وهو مركب من اسم وصوت، وهو عجمي كره المحدثون النطق به لما فيه من لفظ (ويه) الذي هو مشعر بالتفجع، والألم فقلبوه، وقالوا:(متويه) بضم التاء، وتسكين الواو، وفتح الياء والهاء، وزادوا في ذلك فجعلوا (هاءه)(تاء) لشبهها بتاء التأنيث في (خارجة وذاهبة)، واعترض عليهم؛ فإن أصله (الهاء)، فكان الأصل أن تبقى (هاءً)، و (التاء) لا حاجة إليها.
وأجيب عنهم بأن اللفظ العجمي جرت العادة بتغييره من غير حد يوقف عنده، ولذلك قالت العرب:(جبرين)، و (جبريل)، و (جبرائيل)، وأكثرت من اللغات في ذلك من غير تحديدها بحد يوقف عنده في ذلك، فكذلك هاهنا.
قوله: (المتألم عمرو لا عضو منه).
قلنا: لا نسلم؛ لأن العلم إن كان اسما للنفس فقط دون الشكل الذي هو الغالب، فقد برهن الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني على أن النفس ذات جواهر بقوله: النوم ضد الإدراك عقلا، والمنامات إدراك للمثل الدالة على المعاني، فكيف يجتمع مع النوم؟!
وأجاب بأن (اليقين) ذات جواهر بقوله: النوم ضد الإدراك عقلا، والمنامات إدراك للمثل الدالة للمعاني، فكيف يجتمع مع النوم؟
وأجاب بأن (النفس) ذات جواهر إن عمها النوم فلا قيام حينئذ، وإن قام النوم ببعض أجزائها قام عرض الإدراك بالبعض الآخر، وقيام الضدين بموضعين لا محال فيه، ولذلك المنام إنما يكثر آخر الليل عند خفة النوم عن النفس، وهذا كلام ظاهر.
إذا تقرر هذا فنقول: جاز قيام الألم ببعض جواهر النفس، فلا يكون المتألم كله.
إن قلنا: العلم الذي هو عمرو، وضع للنفس فقط.
وإن قلنا: لها مع الشكل، القدر المشترك بين أطوار الشكل على ما يأتي تقريره، فالمنع أظهر؛ فإن الألم قائم بالنفس دون الشكل، وينعطف هذا البحث أيضا على بحث آخر، وهو أن الحواس مع النفس كحجبة مع ملك يحصل لكل واحد منهم علم وإدراك لشيء، فإذا حصل له نقله للملك فنظر فيه بوافر عقله، أو الحواس كطاقات في بيت ينظر منها الملك من كل طاقة إلى نوع من المدركات ليس قبالة الطاقة الأخرى، فعلى هذا ليس في الحواس إدراك البتة، لا للألم، ولا لغيره، وهما قولان للعقلاء في النفس مع الحواس، فعلى الأولى يكون المتألم النفس فقط، فعلى تقدير أن العلم موضوع للنفس مع غيرها، يبطل قوله: المتألم كله.
قوله: (الضرب إمساس جسم لجسم حيواني بعنف).
الظاهر أن اللغة لا تشترط في المضروب أن يكون حيوانا كقوله تعالى {أن اضرب بعصاك البحر} ] الشعراء: 63 [، وفي الآية الأخرى {أن اضرب بعصاك الحجر}] الأعراف: 160 [.
الظاهر أن هذا حقيقة، والأصل عدم المجاز.
قوله: (زيد هو الموجود من وقت الولادة، وهو الأجزاء الباقية من أول حدوثه إلى آخر فنائه).
قلنا: الإنسان إذا ولد له ولد، فهو لا يرى نفسه، بل يعلم أن له نفسا وأخلاقا من حيث الجملة، فهو يلاحظها مجملة غير مفصلة، ويضع لها من القدر المشترك بين أطوار الشكل أمثالها؛ فلأنه لم يقصد تسميته من حيث إنه
جسم حي، أو من حيث إنه شكل آدمي، بل لاحظ كونه إنسانا ناطقا ذا نفس إنسانية، فإنه لا يعتقد أن زيدا غير إنسان ناطق.
وأما أنه لاحظ المشترك بين أطوار شكله، فإن الشكل هو أولى بالوضع، لكونه المرئي المعلوم حسا، والنفس إنما هي معلومة بالعقل والعادة، وكذلك إنه إذا أراد أن يعلم أنه زيد أم لا؟ نظر في صفحات وجهه، فإن وجد ما عهده من الشكل قال: هو زيد، وإلا فلا، ولا يقال: إنه وضع للشكل الموجود عند الولادة؛ لأن ذلك الشكل ورد عليه التحلل بسبب ما في جسده من الحرارة، والرطوبة، ومتى اجتمعت الحرارة والرطوبة حللت الحرارة الرطوبة في مجرى العادة، فبدن الإنسان دائما في تحليل لحمه، وعظمه وعصبه، وسائر أجزائه، والغذاء يخلف ما تحلل في جسده، فهو كل يوم في مصروف، ومقبوض، وبدل، ومبدل، فذهبت رأس الإنسان مرارا في عمره وهو لا يشعر، وكذلك جميع أجزائه، فالشكل الكائن عند الولادة ذهب، وأتى غيره مرارا كثيرة، فلا يمكن أن يقال: وضع زيد له، ولا يمكن أن يقال: أعرض عن الشكل بالكلية؛ لأنا لا نجزم بأنه زيد حتى نجد الشكل، فدل على أنه معتبر في التسمية، فتعين أن يكون العلم موضوعا للقدر المشترك بين جميع أطوار الشكل من الصغر، والكبر، والسمن، والهرم والاصفرار باليرقان، والسواد بغلبة السواد، والبرص بغلبة البلغم، والجذام بتقطع الأطراف، وغير ذلك من العوارض التي لا تخل بقولنا: هو زيد، فإنا نسميه زيدا في جميع هذه الحالات، وما ذلك إلا أنا نلاحظ تخطيطا خاصا، وكيفية خاصة في محاسنه وأجزاء أعضائه، وارتسم في ذهننا أن له نسبة خاصة في أنفه وعينيه ووجهه، وأعضائه الأصلية، فمتى وجدنا ذلك من المشترك الذي امتاز به عن غيره، قلنا: هو زيد، ولو تغير منه ما تغير، وإن وجدنا قد مسخ قردا، وغير ذلك، أو كشط وجهه بحيث ذهب ذلك القدر الذي امتاز به طول عمره.