الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: أنك إذا قلت: (رأيت أسدا) وعنيت به الشجاع- فالغرض من التعظيم إنما يحصل بإعارة معنى الأسد له، فإنك لو أعطيته الاسم بدون المعنى، لم يحصل التعظيم.
وإذا كانت إعارة اللفظ تابعة لإعارة المعنى، وإعارة المعنى حاصلة بمجرد قصد المبالغة، وجب ألا يتوقف استعمال اللفظ المستعار على السمع.
والجواب عن الأول: أن المستخرج بالفكر جهات حسن المجاز.
وعن الثاني: أن هذه الإعارة ليست أمرا حقيقيا، بل أمرا تقديريا، فلم لا يجوز أن يمنع الواضع منه في بعض المواضع، دون البعض؟!
المسألة السادسة: في أن المجاز المركب عقلي:
ومثاله في القرآن: قوله تعالى: {وأخرجت الأرض أثقالها} [الزلزلة: 2] وقوله: {مما تنبت الأرض} [يس: 36].
فالإخراج والإنبات غير مستندين في نفس الأمر إلى الأرض، بل إلى الله تعالى، وذلك حكم عقلي ثابت في نفس الأمر، فنقله عن متعلقه إلى غيره نقل لحكم عقلي، لا للفظ لغوي؛ فلا يكون هذا المجاز إلا عقليا.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يقال: صيغة (أخرج وأنبت) وضعت في أصل اللغة بإزاء صدور الخروج والنبات من القادر، فإذا استعملت في صدورهما من الأرض، فقد استعملت الصيغة في غير موضوعها؛ فيكون هذا المجاز لغويا؟!
قلت: إن أمثلة الأفعال لا تدل بالتضمن على خصوصية المؤثر:
والدليل عليه وجوه:
أحدهما: أنه لو كان كذلك، لكان المفهوم من لفظة (أخرج) أن القادر صدر عنه هذا الأثر، فيكون مجرد قولنا:(أخرج) خبرا تاما فكان يلزم أن يتطرق إليه وحده التصديق والتكذيب، ومعلوم أنه ليس كذلك.
وثانيها: أنه يصح أن يقال: أخرجه القادر، ولو كان القادر جزءا من مفهوم (أخرج) لكان التصريح بذكر القادر تكرارا.
وثالثها: هب أنها دالة على صدور الفعل عن القادر، فأما عن القادر المعين، فلا؛ وإلا لزم حصول الاشتراك اللفظي بحسب كل واحد من القادرين.
إذا ثبت هذا فنقول: إذا أضيف ذلك الفعل إلى غير ذلك القادر الذي هو صادر عنه، لم يكن التغيير واقعا في مفهومات الألفاظ، بل في إسناد مفهوماتها إلى غير ما هو مستندها.
فإذا قال قائل: ما الفرق بين هذا المجاز، وبين الكذب؟
قلنا: الفارق هو القرينة، وهي قد تكون حالية، وقد تكون مقالية.
أما الحالية فهي: ما إذا علم أو ظن أن المتكلم لا يتكلم بالكذب؛ فيعلم أن المراد ليس هو الحقيقة، بل المجاز.
ومنها: أن يقترن الكلام بهيئات مخصوصة قائمة بالمتكلم، دالة على أن المراد ليس هو الحقيقة، بل المجاز.
ومنها: أن يعلم بسبب خصوص الواقعة أنه لم يكن للمتكلم داع إلى ذكر الحقيقة؛ فيعلم أن المراد هو المجاز.