الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجوهر والعرض والكون- للمتكلمين.
والرفع والنصب والجر- للنحاة ولاشك في وقوعه.
المسألة الثالثة: في الحقيقة الشرعية:
وهى: اللفظة التي استفيد من الشرع وضعها للمعنى، سواء كان المعنى واللفظ مجهولين عند أهل اللغة أو كانا معلومين، لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى، أو كان أحدهما مجهولا، والآخر معلوما، واتفق على إمكانه، واختلفوا في وقوعه.
فالقاضي أبو بكر منع منه مطلقا، والمعتزلة أثبتوه مطلقا، وزعموا أنها منقسمة إلى أسماء أجريت على الأفعال، وهى: الصلاة، والزكاة، والصوم، وغيرها.
وإلى أسماء أجريت على الفاعلين، كالمؤمن، والفاسق، والكافر، وهذا الضرب يسمى: بالأسماء الدينية، تفرقة بينها وبين ما أجريت على الأفعال، وإن كان الكل على السواء في أنه اسم شرعي.
والمختار أن إطلاق هذه الألفاظ على هذه المعاني على سبيل المجاز - من الحقائق اللغوية.
لنا: أن إفادة هذه الألفاظ لهذه المعاني، لو لم تكن لغوية، لما كان القرآن كله عربيا وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم.
أما الملازمة، فلأن هذه الألفاظ مذكورة في القرآن، فلو لم تكن إفادتها لهذه المعاني عربية، لزم ألا يكون القرآن كله عربياً.
وأما فساد اللازم فلقوله تعالى:} قرآنا عربيا {[يوسف: 2]، وقوله تعالى:} وما أرسلنا من رسول، إلا بلسان قومه {[إبراهيم: 4].
فإن قيل: هذا الدليل فاسد الوضع، لأنه يقتضى أن تكون هذه الألفاظ مستعملة في عين ما كان العرب يستعملونها فيه، وبالاتفاق ليس كذلك.
فإن الصلاة لا يراد بها في الشرع نفس الدعاء، أو المتابعة فقط، فإذن ما يقتضيه هذا الدليل لا تقولون به، وما تقولون به لا يقتضيه هذا الدليل، فكان فاسدا.
سلمنا أنه ليس فاسد الوضع، لكن الملازمة ممنوعة:
بيانه: أن إفادة هذه الألفاظ لهذه المعاني، وإن لم تكن عربية، لكنها في الجملة ألفظ عربية، فإنهم كانوا يتكلمون بها في الجملة، وإن كانوا يعنون بها غير هذه المعاني، وإذا كان كذلك كانت هذه الألفاظ عربية.
سلمنا أنها، إذا استعملت في غير معانيها العربية، لا تكون عربية، لكن لم يلزم ألا يكون القرآن عربيا؟.
بيانه: أن هذه الألفاظ قليلة جدا، فلا يلزم خروج القرآن بسببها عن كونه عربيا، فأن الثور الأسود لا يمتنع إطلاق اسم الأسود عليه، لوجود شعرات بيض في جلده، والشعر الفارسي يسمى فارسيا، وإن وجدت فيه كلمات كثيرة عربية.
سلمنا ذلك، لكن لا يجوز خروج القرآن عن كونه عربيا؟!
وأما الآيات، فهي لا تدل على أن القرآن بكليته عربي، لأن القرآن يقال بالاشتراك على مجموعة، وعلى كل بعض منه لأربعة أوجه:
أحدها: لو حلف ألا يقرأ القرآن، فقرأ آية، حنث في يمينه، ولولا أن الآية الواحدة مسماة بالقرآن، وإلا لما حنث.
الثاني: أن الدليل يقتضى أن يسمى كل ما يقرأ قرآنا، لأنه مأخوذ من القرأة أو القرء، وهو الجمع، خالفناه فيما عدا هذا الكتاب، فنتمسك به في الكتاب بمجموعه وأجزائه.
الثالث: أنه يصح أن يقال: هذا كل القرآن، وهذا بعض القرآن، ولو لم يكن القرآن إلا اسما للكل، لكان الأول تكرارا، والثاني نقضا.
الرابع: قوله تعالى في سورة يوسف:} إنا أنزلنه قرآنا عربيا {[يوسف: 2] والمراد منه تلك السورة.
فثبت أن بعض القرآن قرآن، وإذا ثبت هذا لم يلزم من كون القرآن عربيا كونه بالكلية كذلك.
سلمنا أن ما ذكرتم من الدليل يقتضى كون القرآن بالكلية عربيا، لكنه معارض بما يدل على أنه ليس بالكلية عربيا، فإن الحروف المذكورة في أوائل السور ليست عربية، والمشكاة من لغة الحبشة، والإستبراق والسجيل فارسيتان معربتان، والقسطاس من لغة الروم.
سلمنا أن ما ذكرتموه يدل على مذهبكم، لكنه معارض بأدلة أخرى من حيث الإجمال والتفصيل:
أما الإجمال: فهو أنه قد ثبت بالشرع معان لم تكن ثابتة قبله، وما لم يكن معقولا للعرب لا يجوز أن يضعوا له اسما، وإذا لم يكن لها شيء من الأسمى واحتيج إلى تعريفها فلابد من الأسامي لها، كالولد الحادث، والأداة الحادثة.
أما التفصيل فهو: أن يتبين في كل واحد من هذه الألفاظ أنها مستعملة لا في معانيها الأصلية.
أما الإيمان فهو، في أصل اللغة عبارة عن التصديق، وفى الشرع: عبارة عن فعل الواجبات، يدل عليه ثمانية أوجه:
الأول: أن فعل الواجبات هو الدين، والدين هو الإسلام، والإسلام هو الإيمان، ففعل الواجبات هو الإيمان.
وإنما قلنا: إن فعل الواجبات هو الدين، لقوله تعالى:} وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، وذلك دين القيمة {(البينة:5) فقوله تعالى:} وذلك دين القيمة {يرجع إلى كل ما تقدم، فيجب أن يكون كل ما تقدم دينا.
وإنما قلنا: إن الدين هو الإسلام، لقوله تعالى:} إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران:19].
وإنما قلنا: إن الإسلام هو الإيمان لوجهين:
أحدهما: أن الإيمان، لو كان غير الإسلام، لما كان مقبولا ممن ابتغاء، لقوله تعالى:} ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه {[آل عمران: 85]
والثاني: أنه تعالى استثنى المسلمين من المؤمنين في قوله تعالى:} فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين {[الذاريات:35 - 36]، ولولا الاتحاد، لما صح الاستثناء.
الثاني: قوله تعالى:} وما كان الله ليضيع إيمانكم {[البقرة: 143]، قيل: صلاتكم.
الثالث: قوله تعالى:} إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله {[النور:62] إلى آخر الآية، ثم إن الله تعالى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر هذه الآية أن يستغفر لهم، والفاسق لا يستغفر له الرسول حال كونه فاسقا بل يلعنه، ويذمه، فدل على أنه غير مؤمن.
الرابع: أن قاطع الطريق يخزى يوم القيامة، وكل من كان كذلك، فقد أخزى: أما الأول، فلقوله تعالى في صفتهم:} ولهم في الآخرة عذاب عظيم {[المائدة: 23].
وأما الثاني: فلقوله تعالى حكاية عنهم:} إنك من تدخل النار فقد أخزيته {[آل عمران:192]، ولم يكذبهم، فدل على صدقهم فيه.
وإنما قلنا: إن المؤمن لا يخزى يوم القيامة، لقوله تعالى:} يوم لا يخزى لله النبي والذين آمنوا معه {[التحريم:8].
الخامس: لو كان الإيمان في عرف الشرع عبارة عن التصديق، لما صح
وصف المكلف به إلا في الوقت الذي يكون مشتغلا به، على ما مر بيانه في باب الاشتقاق، لكن ليس كذلك، لآن من أتى بأفعال الإيمان، ولم يحبطها يقال: ـه مؤمن، بل حال كونه نائما يوصف بأنه مؤمن.
السادس: يلزم أن يوصف بالإيمان كل مصدق بأمر من الأمور، سواء كان مصدقا بالله تعالى أو بالجبت والطاغوت.
السابع: من علم بالله تعالى، ثم سجد للشمس، وجب أن يكون مؤمنا، وبالإجماع ليس كذلك.
الثامن: قوله تعالى:} وما يومن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون {[يوسف:106] أثبت الإيمان مع الشرك، والتصديق بوحدانية الله لا يجامع الشرك، فالإيمان غير التصديق.
أما الصلاة: فهي في أصل اللغة: إما للمتابعة، كما يسمى الطائر الذي يتبع السابق (مصليا).
وإما للدعاء، كما في قول الشاعر [المتقارب].
وصلى على دنها وارتسم
أو لمعظم الورك كما قال بعضهم: الصلاة إنما سميت صلاة، لأن العادة في الصلاة أن يقف المسلمون صفوفا، فإذا ركعوا كان رأس أحدهم عند صلا الآخر، وهو: عظم الورك.
ثم إنها في الشرع لا تفيد شيئا من هذه المعاني الثلاثة لوجهين:
الأول: أنا إذا أطلقناها، لم يخطر ببال السامع شيء من هذه الثلاثة، ومن شأن الحقيقة المبادرة إلى الفهم.
الثاني: أن صلاة الإمام والمنفرد صلاة، ولم يوجد فيها شيء من المتابعة، ولا يكون رأسه عند عظم ورك غيره.
وإذا انتقل الإنسان من الدعاء إلى غيره، لا يقال: إنه فارق صلاته.
ولأن صلاة الأخرس صلاة، ولا دعاء فيها؛ فدل على أن هذه اللفظة غير مستعملة في معانيها اللغوية.
وأما الزكاة: فإنها في اللغة للنماء والزيادة، وفى الشرع لتنقيص المال على وجه مخصوص.
وأما الصوم: فإنه في اللغة: لمطلق الإمساك، وفى الشرع: للإمساك المخصوص، ولا يتبادر الذهن عند سماعه إلى مطلق الإمساك.
والجواب: قوله: الدليل فاسد الوضع؛ لأنه يقتضى كون هذه الألفاظ موضوعة في المعاني التي كانت العرب يستعملونها فيها.
قلنا: هذا الدليل يقتضى كون هذه الألفاظ مستعملة في المعاني التي كانت العرب يستعملونها فيها على سبيل الحقيقة فقط، أو سواء كانت حقيقة، أو مجازا؟!
الأول ممنوع، والثاني مسلم.
بيانه: أن العرب كما كانوا يتكلمون بالحقيقة، يتكلمون بالمجاز.
ومن المجازات المشهورة: تسميتهم الشيء باسم جزئه، كما يقال للزنجي:
إنه أسود؛ والدعاء أحد أجزاء هذا المجموع المسمى بالصلاة، بل هو الجزء المقصود؛ لقوله تعالى:{وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] ولأن المقصود من الصلاة التضرع والخضوع؛ فلا جرم لم يكن إطلاق لفظ الصلاة عليه خارجا عن اللغة، فإن كان مذهب المعتزلة في هذه الأسماء الشرعية- ذلك، فقد ارتفع النزاع، وإلا فهو مردود بالدليل المذكور.
فإن قلت: من شرط المجاز اللغوي تنصيص أهل اللغة على تجويزه، وهاهنا لم يوجد ذلك؛ لأن هذه المعاني كانت معقولة لهم، فكيف يمكن أن يقال: إنهم جوزوا نقل لفظ الصلاة من الدعاء الذي هو أحد أجزاء هذا المجموع إليه؟ ّ!
قلت: لا نسلم أن شرط حسن استعمال المجاز تصريح أهل اللغة بجوازه.
سلمنا ذلك؛ إلا أنهم صرحوا بأن إطلاق اسم الجزء على الكل على سبيل المجاز- جائز، فدخلت هذه الصورة فيه.
قوله: إفادة هذه اللفظة لهذا المعنى، وإن لم تكن عربية، فلم لا يجوز أن يقال: هذه اللفظة عربية؟ ّ
قلنا: لأن كون اللفظة عربية ليس حكما حاصلا لذات اللفظة من حيث هي، بل من حيث هي دالة على المعنى المخصوص، فلو لم تكن دلالتها على معناها عربية، لم تكن اللفظة عربية.
قوله: اشتمال القرآن على ألفاظ قليلة لا يخرجه عن كونه عربيا.
قلنا: لا نسلم؛ فإنه لما وجد فيه ما لا يكون عربيا، وإن كان في غاية القلة؛
لم يكن المجموع عربيا، وأما الثور الأسود الذي توجد فيه شعرة واحدة بيضاء، والقصيدة الفارسية التي توجد فيها ألفاظ عربيه، فلا نسلم جواز إطلاق الأسود والفارسي على مجموعهما على سبيل الحقيقة.
والدليل عليه: جواز الاستثناء، ولولا أنه بمجموعه لا يسمى بهذا الاسم حقيقة، وإلا لما جاز الاستثناء.
قوله: القرآن اسم لمجموع الكتاب، أو له ولبعضه؟!
قلنا: بل للمجموع؛ بدليل إجماع الأمة على أن الله تعالى ما أنزل إلا قرآنا واحدا، ولو كان لفظ القرآن حقيقة في كل بعض، منه لما كان القرآن واحدا.
وما ذكروه من الوجوه الأربعة معارض بما يقال في كل آية وسورة: إنه من القرآن، وإنه بعض القرآن.
قوله: وجد في القرآن ألفاظ عربية.
قلنا: لا نسلم؛ أما الحروف المذكورة في أوائل السور، فعندنا أنها أسماء السور.
وأما المشكاة والقسطاس والإستبرق، فلا مانع من كونها عربية، وإن كانت موجودة في سائر اللغات؛ فإن توافق اللغات غير ممتنع.
سلمنا: أنها ليست بعربية؛ لكن العام إذا خص، يبقى حجة فيما وراءه.
قوله: هذه المسميات حدثت، فلابد من حدوث أسمائها.
قلنا: لم لا يكفى فيها المجاز، وهو تخصيص هذه الألفاظ المطلقة ببعض مواردها؟ فإن الإيمان والصلاة والصوم كانت موضوعة لمطلق التصديق،
والدعاء، والإمساك، ثم تخصصت بسبب الشرع؛ بتصديق معين، ودعاء معين، وإمساك معين، والتخصيص لا يتم إلا بإدخال قيود زائدة على الأصل.
وحينئذ يكون إطلاق اسم المطلق على المقيد إطلاقا لاسم الجزء على الكل.
وأما الزكاة: فإنها من المجاز الذي ينقل فيه اسم المسبب إلى السبب.
والجواب عن المعارضة الأولى: أنا لا نسلم أن فعل الوجبات هو الدين، أما قوله تعالى:{وذلك دين القيمة} [البينة: 5] فنقول: لا يمكن رجوعه إلى ما تقدم؛ لوجهين:
أحدهما: أن ذلك لفظ الوجدان؛ فلا يجوز صرفه إلى الأمور الكثيرة.
والثاني: أنه من ألفاظ الذكران؛ فلا يجوز صرفه إلى إقامة الصلاة، وإذا كان كذلك، فلابد من إضمار شيء آخر وهو أن يقولوا: ذلك الذي أمرتم به دين القيمة.
وإذا كان كذلك، فليسوا بأن يضمروا ذلك أولى منا بأن نضمر شيئا آخر؛ وهو أن نقول: أن ذلك الإخلاص، أو ذلك التدين دين القيمة، ويكون قوله تعالى:{مخلصين له الدين} (البينة: 5) دالا على الإخلاص.
وإذا تعارض الاحتمالان، فعليهم الترجيح، وهو معنا؛ لأن إضمارهم يؤدى إلى تغيير اللغة، وإضمارنا يؤدى إلى عدم التغيير.
والجواب عن الثاني: أنا لا نسلم أن المراد في قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143] أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، بل المراد منه موضوعه اللغوي، وهو التصديق بوجوب تلك الصلاة.
وعن الثالث: لا نسلم أن كلمة (إنما) للحصر.
سلمناه؛ لكنه معارض بآيات؛ منها: ما يدل على أن محل الإيمان هو القلب، وذلك يدل على مغايرة الإيمان لعمل الجوارح؛ قال تعالى:{أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} [المجادلة: 22]، {وقلبه مطمئن بالإيمان} [النحل: 106]، {يشرح صدر للإسلام} [الأنعام: 1250].
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك).
ومنها: الآيات الدالة على أن الأعمار الصالحة أمور مضافة إلى الأيمان، قال الله تعالى:{الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [الرعد: 29] و {من يؤمن بالله ويعمل صالحا} [التغابن: 9]{ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات} [طه: 75]، {فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمنا} [الأنبياء: 94].
ومنها: الآيات الدالة على مجامعة الإيمان مع المعاصي؛ قال الله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82]، {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] وهذا هو الجواب عن سائر الآيات التي تمسكوا بها.
والجواب عن الخامس: أن ما ذكروه لازم عليهم؛ لأنه قد يسمى مؤمنا حال كونه غير مباشر لأعمال الجوارح.
والجواب عن السادس: أنا نعترف بأن الإيمان في عرف الشرع ليس لمطلق التصديق، بل التصديق الخاص، وهو تصديق محمد- صلى الله عليه وآله