الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: إمكان الإرادة لا ينفي الحمل على الغير.
قلنا: مسلم ولا نثبته أيضا.
فلم قلت: إن أحد الجائزين واقع؟ هذا موضع النزاع، ولذلك يقول في المتواطئ: لا يحمله على أخص منه نوع أو شخص، إلا بدليل منفصل لا بمجرد اللفظ.
وقوله: "وقد وفينا كل فرد بالحمل على المجموع"- ممنوع لاحتمال أن يكون اللفظ في سياق النهي أو النفي، فمتى حملناه على نفي المجموع لا يلزم نفي كل فرد على حياله، ولا النهي عنه، بل يكون اللفظ غير متعرض له ألبتة.
(فوائد ثمانية)
الأولى: قال سيف الدين] في (الإحكام) [: القائلون بجواز الاستعمال في جميع المعاني قالوا: بشرط ألا يمتنع الجمع بينهما.
الثانية: قال المجوزون: لم يقل منهم بوجوب الحمل عند التجرد إلا الشافعي رضي الله عنه، وأما المعتزلة فلم يوجبوا الحمل عند التجرد.
الثالثة: قال القائل بأن المنع لأجل الإرادة لا اللغة، وهو الغزالي وأبو الحسين البصري.
الرابعة: قال بالتعميم في سياق النفي كان اللفظ مفردا أو جمعا، والبعض منع في الإثبات.
قال أبو الحسين البصري: فيه احتمال واشتباه، فيجوز أن يقال بنفي
الاعتداد بالحيض والطهر معا، وهو إشارة لما تقدم في بحث (المحصول) في الإيراد عليه من جهة أن نفي المجموع غير ثبوت المجموع، وتقدم جوابه.
الخامسة: قال: ليس اللفظ المشترك عند الشافعي والقاضي] عند الجبار [إذا أراد به مجموع مسمياته مجازا، بل حقيقة كسائر الألفاظ العامة في صيغ العموم، ولهذا حمله عند التجرد على العموم، كصيغ العموم، قال: وعلى هذا تبطل الأسئلة الواردة على المعتزلة القائلين بأنه وضع لأحد مسمياته على سبيل البدل حقيقة، وهذا كلام سيف الدين، وصمم على التعميم، وكونه حقيقة حتى أنه لم يضع هذه المسألة في (باب العموم) وهي في اللغات.
وكذلك (المستصفى) و (البرهان) نقلا العموم، ووضعاها في باب العموم
وقال شرف الدين بن التلمساني في (شرح المعالم):
وقد اختلف المعممون فمنهم من قال: حقيقة، قال: ويعزي للشافعي، وهو بعيد، ومنهم من قال بطريق المجاز، وإليه مال إمام الحرمين.
واعلم أنه من صيغ العموم مشكل؛ لأن مسمى العموم كما سيأتي إن شاء الله- تعالى- مسماه واحد، فلذلك حمل عليه، وها هنا المسميات متعددة، وإلا لما كان مشتركا، وحينئذ يأتي قول الإمام: إن لم يكن وضع للمجموع امتنع القول بالعموم الحقيقي لعدم الوضع، فإن كان وضع للمجموع كان المجموع أحد المسميات، فلا يعمم في جميعها إذا حمل على المجموع، ويكون حينئذٍ كلا ومجموعا لا كلية، والعام من شأنه أن يكون كلية على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في (باب العموم)، والعام لابد أن تكون أفراده غير متناهية، وهذا أفراده متناهية، وكيف يكون حقيقة مطلقا مع أنه لم
ينقل لنا أنه وضع للمجموع، بل هذا مجاز قطعا؟ ولعل الشافعي يريد بأنه حقيقة في كل فرد على حاله، لا في الجميع، ولما كان مشتملا على الحقيقة من حيث الجملة سماه حقيقة توسعا، ويكون مدركه في الحمل والتعميم إنما هو الاحتياط لتحصيل مراد المتكلم جزما، فهذا هو اللائق لمنصب هذا الإمام العظيم دون هذه النقول.
السادسة: مثل شرف الدين بن التلمساني النفي في المشترك بقولنا: لا عين لي هل يعم جميع مسميات العين أم لا؟
السابعة: قال النقشواني: اللفظ المشترك إما فرد أو جمع، والمفرد إما معرف باللام أو منكر، والجمع إما مذكور بلفظ الكل والجمع نحو: اعتدى بكل قرء، أو بالأقراء جميعها بصيغة العموم، وعلى التقادير، فإما مكرر نحو: اعتدي بقرء قرء، أو اعتدي بالأقراء والأقراء، وكل ذلك إما في الثبوت، أو النفي كما في النهي.
أما المفرد المنكر غير المكرر، فلا يستعمل في معنييه نفيا ولا إثباتا؛ لأن التنكير يقتضى التوحيد، وهو يضاد الجمع، وإن كرر فقد جوزوا استعماله في المعنيين؛ لأنه لما لم توجد قرينة تجمعهما في معنى واحد حملا على المعنيين، والمذكور بلفظ الكل والجمع قالوا: يجب الحمل على معانيه جمعا؛ لأنه لا كل ولا جمع في مثل هذه الصورة غير هذه المعاني؛ لأن الحيض والطهر لا يمكن الحمل على جميع أفرادهما، فتعين الحمل عليهما.
وأما في مثل العين فقد يتصور ذلك، فلا يجب الحمل، وإن كان بصيغة العموم، أو مفردا محلى باللام، فهو كما سبق.
والظاهر أن هذا التقسيم من عند النقشواني؛ لأنه منقول؛ لأن ظاهر كلامه وبحثه في كتابه، ونقلت كلامه؛ لأن فيه محلا للناظر، ويحرك أنواعا من البحث، وأقرب ذلك إذا كرر المنكر أمكن أن يقال: لا يتعين أن يكون اللفظ
الثاني في معنى ثانٍ لصدق اللفظ الأول، وأمكن أن يقال: بل يتعين لئلا يلزم التأكيد والتكرار، وهو خلاف الأصل، وكذلك العطف يضر أيضا نوعا من النظر؛ ولأن الشيء لا يعطف على نفسه، فيتأكد التغاير والجمع، بخلاف صورة عدم العطف، وكذلك إذا جاء التعريف بعد التنكير، نحو: اعتدّى بقرء، اعتدى بالقرء، هل تحمل اللام على العهد أو على العموم؟ موضع نظر.
وكذلك إن اجتمع العطف واللام أمكن القول بحصول التعارض، كما في العطف من موجب التغاير، فيتعدد، وما في اللام من العهد، فلا يتعدد، وهذه كلها بحوث يمكن تحريكها، وأما النقل عن العلماء، فما من متبع، ولا مدخل للنظر فيه.
الثامنة: قد تقدم أن محل الخلاف في هذه المسألة ثلاثة: الجمع بين مجازين أو حقيقتين أو مجاز وحقيقة.
نقل إمام الحرمين في (البرهان) أن القاضي اشتد إنكاره للجمع بين مجاز وحقيقة؛ لأن كونه حقيقة يقتضى اعتبار كونه في موضوعه، وكونه مستعملا في مجازه يقتضي عدم اعتبار كونه في موضوعه، فيكون كونه في موضوعه معتبرا وغير معتبر، وهو جمع بين النقيضين.
قال: وجوزه الشافعي؛ لأن النقيضين باعتبار إضافتين إلى معنيين ليس محالا، والمجاز مطلقا متفق عليه بين الكل فهو أرجح من التضمين، والفرق بينهما أنك في المجاز مطلقا تارك للحقيقة بالكلية، كما تقدم من كلام الغزالي في التعبير بلفظ الصلاة عن معنى التعظيم تاركا للدعاء بالكلية، والتضمين أن يريد الدعاء مع غيره، وعده أرباب علم البيان من فصيح إيجاز العرب واختصارها، فقالوا: إذا أرادت العرب أن تخبر عن معنيين بجملتين حذفت إحدى الجملتين، وجعلت معناها في الجملة الباقية بطريق الإرادة، وبقيت قرينة لفظية من المحذوفة تدل عليها، أو قرينة حالية، أو خارجية.
مثال اللفظية قوله تعالى: {عينا يشرب بها المقربون} ] المطففين: 28 [، ويشرب لا يتعدى للمشروب بالباء، فكان الأصل: يشرب بها المقربون، ويروون بها، فحذفت الجملة الثانية، وبقي منها الباء، فأضيفت الجملة الباقية فقيل:"يشرب بها"، فالباء من الجملة المحذوفة وهي تدل عليها وأريد بـ (يشرب) المعنيان اختصارا وإيجازا.
وكذلك قوله تعالى: {آمنوا بالله ورسوله} ] الحديد: 7 [أصل "آمن" "أمن" بالقصر إذا صار ذا أمن في نفسه قاصر غير متعدٍ تعدي بالألف فقيل: (أأمن) إذا (أأمن) غيره، أي صير غيره ذا أمن، ومنه قوله تعالى: {أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}] قريش: 4 [بغير حرف جر، فالمؤمن بكلام الشخص آمنه التكذيب فيه فأصل الآية: {آمنوا بالله ورسوله}] الحديد: 7 [بغير حرف جر، والإيمان في القلب، فقصد معنى آخر، وهو الإقرار باللسان بما في القلب، والإقرار يتعدى الباء، تقول: أقررت بكذا، فصار المقصود حينئذ أن ينطق به (آمنوا الله ورسله) وأقروا بذلك، فحذفت الجملة الثانية، وخلى منها الباء دليلا عليها، فقيل:(آمنوا بالله)، فكذلك قال جمهور العلماء: إن الإيمان بالقلب لا يكون به الإنسان مسلما يستحق دخول الجنان والسلامة من النيران حتى يقول بلسانه، وإن سكت مع الإمكان خلد في النيران.
وهذه المسألة مستوفاة الأقسام والأحكام في (الشفاء) عند القاضي عياض، وليس هذا موضعها.
وهذا النوع كثير في القرآن، ومنه قول الفرزدق] الرجز [:
كيف تراني قالبا مجني .... قد قتل الله زيادا عني
مع أن (قتل) لا يتعدى بـ (عن)، لكن أصل كلامه صرفه (عني) بأن قتله، فحذفت الجملة الأولى، وبقي منها (عن) مع الجملة الثانية كما تقدم.
ومثال الحالية: تعدد إرادة الدعاء مضافا إلى الله- تعالى- في آية الصلاة؛ لأن شأن الله- تعالى- ألا يسأل؛ لأن المسئول الغني على الإطلاق، فيتعين الجمع بين الحقيقة والمجاز.
ومثال القرينة الخارجية: أن يقول القائل: رأيت أسدا، ثم يقول: أردت الحقيقة والمجاز، فالتضمين موضع حسن، فتأمله، وتأمل تحقيقه.
والفرق بينه وبين المجاز العرف، فهو محتاج إليه في كتاب الله- تعالى- وسنة رسوله احتياجا كثيرا لكثرة تكرره.
(تنبيه)
استشكل الأبياري في "شرح البرهان" قول القاضي بعموم المشترك مع توقفه في صيغ العموم، حيث اتحاد المسمى مع إمكان إرادة الجمع، بل أولى من المشترك للتباين في مسمياته، وهو مشكل كما قال، ولاسيما والمنقول عنه في دليل التعميم أنه قال: يصح أن يراد كل واحد منهما مفردا، فيجوز الجمع عموما، وهذا يتكرر في العموم بل أولى.
المسألة الخامسة: الأصل عدم الاشتراك:
قد تقدم أن الأصل في اصطلاح العلماء أربعة معان:
أصل الشيء ما منه الشيء لغة، وأصل الشيء دليله، ومنه أصول الفقه، وأصل الشيء رجحانه، ومنه الأصل] عدم الاشتراك أي الراجح عند العقل احتمال عدم الاشتراك، والأصل عدم المجاز، والأصل براءة الذمة، والأصل [بناء ما كان على ما كان.
والرابع الصورة المقيس عليها في القياس يسمى أصلا.
(تنبيه)
الألفاظ ثلاثة أقسام:
لفظ نقل الاشتراك فيه، واعتقدناه كالعين والجون.
ولفظ نقل عدم الاشتراك فيه، واعتقدناه كلفظ الله، ولفظ الرحمن، فهذان القسمان لا نزاع فيهما، ولم نردهما بالاستدلال.
وقسم نقل لنا أنه موضوع لمعنى، وسكت عن غيره كلفظ الفرس، فهذا هو المقصود بأن الأصل عدم الاشتراك فيه، والذي يريده بالأدلة.
(سؤال)
قوله: لو كان احتمال الاشتراك مساويا لاحتمال الانفراد لما حصل الفهم بين أهل اللسان في أغلب الأحوال.
لا معنى لقوله: "في أغلب الأحوال"؛ لأن اللفظ إن تجرد عن المفيد للرجحان والتقدير والتساوي، فمن المحال أن يفيد في صورة، وإن اقترن به مفيد الرجحان حصل في كل صورة، فحينئذ الصادق السلب الكلي، أو الإيجاب الكلي، فلا وجه لدعوى الغلبة.
(سؤال)
ادعى الرجحان وأبطل المساواة، ولم يتعرض للمرجوحية، مع أن تعين رجحان عدم الاشتراك إنما يتعين عند انتفاء المساواة، وانتفاء مرجوحيته، ولم يتعرض لها، فلا تتعين دعواه في رجحان عدم الاشتراك.
جوابه: أن الطريق الذي أبطل المساواة متقررة في المرجوحية، فإن احتمال عدم الاشتراك إذا كان مرجوحا تعذر الفهم عند التخاطب، كما في المساواة بطريق الأولى، فلذلك تركه.
(سؤال)
قوله: "لما أفادت الأدلة السمعية الظن، فضلا عن اليقين"- مشكل؛ لأن الأدلة السمعية هي بعض الألفاظ التي وقع بها التخاطب، وقد بين في الوجه الأول أن الألفاظ لا تفيد عند التخاطب، وقد بين في الوجه الأول أن الألفاظ لا تفيد عن التخاطب، فهو إعادة لبعض ما ذكره أولا، فالدليل واحد وهو يعيد أجزاءه، فلا معنى له حتى يجعله دليلا ثانيا.
جوابه: أن القاعدة عند النظار متى تنازعنا في الدليلين هل هما واحد أو اثنان؟ نظرنا اللازم عنهما إن كان واحدا فهو واحد، أو كان اللازم متعددا، فهما متعددان، واللازم هاهنا متعدد؛ لأن مقصوده بالأول: فساد المعاش بين الناس في التخاطب، فلا يتمكنون من إصلاح معاشهم.
والمراد من الثاني: فساد المعاد؛ لأنا إذا لم نفهم الألفاظ الواردة في الشرائع لا نتمكن في طاعة الله تعالى؛ لعدم فهم مدلولات الألفاظ، فيفسد علينا المعاد؛ لأن السعادة لا تحصل فيه إلا بطاعة الله- تعالى- فاللازم مختلف، فهما دليلان، وكذلك إذا تنازعنا في القياسين، هل هما قياس واحد، أو اثنان؟
قال النظار: إن كان الجامع فيهما واحدا، فهما واحد، فلا يستحق الثاني جوابا، وهو ثمرة الخلاف في تعدد الأدلة والأقيسة، وإن كان الجامع متعددا فهما قياسان؛ لأن الدليل الذي هو روح القياس إنما هو الجامع الذي هو سره، فإذا تعدد] تعدد [القياس، فاستحق الثاني جوابا آخر.
قوله: (كتب النحاة شاهدة بشركة الحرف).
يريد نحو (الواو) فإنها عاطفة وللقسم، وواو (رب) وغير ذلك و (لا) النافية والناهية والزائدة وغير ذلك، وعلى هذه الطريقة كما وقع في كتب النحو.
قوله: الماضي والمستقبل مشترك؛ لأنه يستعمل خبرا ودعاء.
قلنا: قد بينا في المسألة قبل هذه أن الدعاء إنما يستعمل فيه الخبر على سبيل الاستعارة للتفاؤل، فلا اشتراك.
قوله: (المضارع مشترك بين الحال والاستقبال).
قلنا: نقل الشيخ أبو عمر في شرح مقدمته في ذلك ثلاثة أقوال مشتركة كما قال: حقيقة في الحال مجاز في المستقبل، حقيقة في المستقبل مجاز في الحال.
قلنا: المنع على القولين الآخرين.
قوله: (الأصل في الألفاظ الأسماء)
يريد الغالب الكثير، فاستعمل الأصل لمعنى الراجح عند العقل؛ فإن الأغلب هو الذي يسبق للعقل.
وتقرير هذا الجواب أنه لا يلزم من تقسيم جنس إلى ثلاثة أنواع أن تكون أفراد كل نوع ثلث العدد الواقع من تلك الأنواع، كما إذا فرضنا مدينة فيها نصرانيان ويهوديان، وبقيتها مسلمون، صدق أن أهل هذه المدينة إما مسلمون أو يهود أو نصارى، مع أنه لا يصدق أن كل فريق ثلث عدد المدينة، كذلك الكلمات إما اسم، أو فعل، أو حرف، والأكثر الأسماء كالمسلمين في المدينة في المثال، فلا يلزم من تسليم أن القسمين الأولين مشتركان، وبعض الثالث في المثال، فلا يلزم من تسليم أن القسمين الأولين مشتركان، وبعض الثالث أن يكون الثلثان، وبعض الثلث الآخر وقع فيها الاشتراك.
(سؤال)
قوله: (الاشتراك يخل بفهم السامع والقائل) - مشكل؛ لأن التلفظ بكل لفظ كان مشتركا أو غيره لا يحصل فيهما للمتكلم، وإنما المقصود به فهم السامع، فكيف يجعل المشترك مخلا بفهم القائل؟
جوابه: أنه قد قال في آخر كلامه: إن المتكلم ربما ظن أن السامع فهم القرينة، أو فهم المقصود في قوله: أعط السائل عينا، ولا يكون السامع فهم ذلك، فهذا هو حظ المتكلم من عدم الفهم، وإنما نشأ ذلك الجهل، وعدم الهم عن كون اللفظ مشتركا، فلو كان اللفظ غير مشترك لم يقع المتكلم في ذلك الغلط.
قوله: "يحصل مقصود اللفظ المشترك بالترديد بين المفردات بصيغة (أو) أو (أم) أو (إمَّا).
فنقول: أعط ذهبا أو ماء.
(سؤال)
الترديد يحتاج فيه إلى التركيب، وتكثير الألفاظ، والمشترك يحصل منه الإجمال المقصود باللفظ المفرد، فكان أولى.
(سؤال)
قال النقشواني: قولنا: (الاشتراك أقل ومرجوح).
يريد باعتبار كل الأمصار والأعصار، لا باعتبار مصر معين، وعلى هذا جاز أن يكون الغالب الاشتراك باعتبار مجموع الدنيا، واشتهر عند كل قوم فرد من تلك المسميات، فلا يختل فهمه، وإن كان الغالب الاشتراك ينتظم قوله: لو كان احتمال الاشتراك مساويا لما حصل الفهم، فيبطل استدلاله في الوجوه الثلاثة الأول، إلا أن يقصد بالمسألة مصرا معينا، أو قبيلة معينة، فيتم جوابه احتمال الاشتراك، باعتبار جملة العام مرجوح؛ لأن الأصل عدم تعدد مسميات الألفاظ، وهذه مقدمة ظنية، فيكتفي فيها بمثل هذا، ثم إنا نرده في كل قبيلة معينة على حيالها حتى يستوعب آخر الدنيا بما ذكرنا من الدليل.
(سؤال)
قال: الوجهان الآخران إنما يتم الاستدلال بهما إذا كان الواضع واحدا حكيما يحدد تلك المفاسد، أما إذا جوزنا لكل واحد من القبائل أن يضع، فجاز أن تضع قبيلة لفظا لمعنى، وتضعه أخرى لغيره، فيحصل الاشتراك، ولا تمنعهم هذه المفاسد لعدم شعورهم بها.
جوابه: أن الاستقراء دل على أن الوضع قليل التعدد، وإلا لكثر الاشتراك بغير ما ذكره، والاشتراك ليس كثيرا كملا بالاستقراء، وإذا كان الغالب اتحاد الواضع اتجه الوجهان الأخيران أيضا، بناء على الغالب.
فإن قلت: هذا الجواب يبطل بما تقدم من كلامه أن السبب الأكثري للاشتراك وهو ضع القبيلتين، وإلا على وضع الواضع الواحد.
قلت: لا يضر ما تقدم؛ لأن معناه إذا وقع الاشتراك كان أكثره عن وضع القبيلتين، والكلام في هذه المسألة في تقليل الاشتراك جملة.
فنقول: اتفاقه أيضا من القبيلتين مرجوح، وإلا لكان أكثر الألفاظ مشتركا، وليس كذلك، فلا تناقض بين الوضعين.
قال سراج الدين: ظن وضع اللفظ للمعنى يوجب حمله عليه، وإن أمكن وضعه لغيره احتمالا سواء.
جوابه: لا نسلم أن ظن الوضع يوجب الحمل، بل لو قطعنا بالوضع، وجوزنا أنه موضوع لغيره احتمالا على السواء امتنع منا الحمل قطعا، لجواز أن يكون المتكلم أراد ذلك المسمى الآخر الذي ما علمناه.
(سؤال)
قال التبريزى: قوله: (لو كان الغالب الاشتراك لما أفاد كلام الشرع الظن) ممنوع لجواز أن يكون الغالب الاشتراك على اللغة، ولكن البليغ في الفصاحة
والبلاغة يحترز عنه، فلا يقع في الكتاب والسنة، أو يقع نادرا، أو محفوظا بالقرائن.
جوابه: متى كان الاشتراك هو الغالب، فمتى وردت لفظة مجردة عن القرائن الحالية والمقالية تكون دائرة بين النادر والغالب، فيحمل على الغالب عملا بالقاعدة، ولا يحصل الهم جزما.
فإن قلت: المجاز غالب على اللغة على ما سيأتي بيانه، ومع ذلك لا يحمل اللفظ على الغالب الذي هو المجاز، فلم لا يكون الاشتراك غالبا، ولا يعتقد في اللفظة أنها مشتركة كالمجاز؟
قلت: لغة العرب تقتضي أن المجاز لا يوقعونه مجازا إلا محفوظا بالقرينة، فإذا وجدنا اللفظة بغير قرينة اعتقدنا أنها ليست مجازا، ولم يلتزم العرب أنها لا تضع لفظة مشتركة إلا ومعها قرينة، فالاشتراك ينشأ عن الوضع، وهو لا قرائن معه، والمجاز ينشأ عن الاستعمال، وعادتهم لا يتركون القرائن في استعمالهم المجاز، فافترقا.
فإن قلت: وعادتهم أيضا لا يتركون القولين في استعمال المشترك، إلا أن يريدوا التلبيس على السامع، وكذلك في المجاز إذا أرادوا التلبيس لم يأتوا بالقرينة، فاستويا.
قلت: الاشتراك ثابت قبل الاستعمال؛ لأنه ينشأ عن الوضع، فإذا وقع اللفظ مجردا مع اعتقادنا أن الغالب هو الاشتراك وجب صرفه للاشتراك، وأما المجاز المجرد عن القرينة، فليس هو غالبا إجماعا، فليس هذا النوع من المجاز نوعا غالبا يصرف إليه فافترقا.
(سؤال)
قال التبريزى: مما يدل على أن الغالب الاشتراك أن كل اسم هو موضوع لأربع مراتب:
الوجود الخارجي، والوجود الذهني، والوجود النطقي، والوجود الكتابي، كما تقول للفرس الواقفة: فرس، وللمتخيل في الذهن فرس، فتقول: خطر ببالي اليوم فرس، وتقول: لفظ فرس على وزن (فعل) وهو اسم صحيح غير معتل، ورأيت فرسا مكتوبا بالحبر بخط منسوب، وكل اسم كذلك.
وأجاب عنه بأن هذا ليس محل البحث، وإلا لزم أن تكون الأسماء كلها مشتركة، بل اللفظ حقيقة في العيني أو الذهني، وما عداه مجاز فيه.
(سؤال)
في (المعالم) الملازمة في قولك: لو استوى الاحتمالان لما حصل الفهم- ممنوعة، بل يحصل التصريح بالمراد، وأجاب عنه بوجهين:
أحدهما: أنا نجد الفهم من غير تصريح، فدل على أن التساوي غير واقع، والفهم إنما حصل بالتصريح.
وثانيهما: أن التصريح إنما يكون بلفظ، أو كتابة، أو إشارة، والكلام فيه كما في الأول، فيلزم التسلسل، يعني أن الكتابة والإشارة من جملة الموضوعات، فيكون الكلام فيها كما في اللفظ، وإن كان احتمال الاشتراك مساويا، ففي ذلك كله أجاب شرف الدين بن التلمساني في (شرح المعالم) عن هذا الأخير، فقال: يكون البيان بقرائن الأحوال، وهي لا يدخلها الوضع، فما ذكره غير لازم.
المسألة السادسة: فيما يعين مراد اللافظ:
قوله: إن كانت المعاني متناهية بقى اللفظ مترددا بينهما.
مثاله: إذا قلنا: العسعسة مشتركة بين أول الليل وآخره، وأوجب الله-تعالى- صلاة في العسعسة، فلا ندري أيهما يصلى فيه؟، أو الأمر مشتركا بين الوجوب والندب، فلا ندري كيف نجعل نية الوجوب، أو نية الندب إلا
أن نقول: يحمل اللفظ على جميع مسمياته] فيفعلهما [.
قله: أو أن المتكلم قد تكلم به مرتين، هذا إنما يأتي في ما إذا لم يكن السامع مباشرا للمتكلم، بل نقل إليه المشترك عنه، ونقل إليه أدلة دالة على أن الجميع مراد، فنقول: لعله تكلم به مرارا.
أما إذا باشر المتكلم، فلا يتأتى بذلك.
قوله: (إن كان بعض الحقائق أرجح من بعض).
يعني يكون بعضها عادة ذلك المتكلم أن يتكلم بذلك المسمى أكثر من غيره من المسميات، أو يكون النطق به أفصح، أو أعذب، أو أخف حروفا، أو التجوز عنه قليل وغيره بخلاف ذلك، أو يكون عاما، وهو أقل أفراد من المسميات الأخرى، فإنه كلما قلت أفراد العموم قل احتمال تطرق التخصيص إليه.
قوله: (إما أن تكون المجازات مستوية أم لا).
معناه: أن المجاز قد يرجح إن كان بينه وبين حقيقته ملازمة ذهنية، والمجاز الآخر ليس كذلك.
أو يكون في المرتبة الأولى من التجوز، والآخر ليس كذلك، كما نقول في الحقيقة: إنها مجاز في الرتبة الثالثة من المجاز، أو يكون بينه وبين حقيقته تسبب والآخر اتفاقي، كتسمية المرض الشديد بالموت؛ لأنه سبب الموت، وتسمية العنب بالخمر؛ لأنه آيل إليه، وقد لا يئول.
قوله: إن كان مجاز الحقيقة مرجوحا وقع التعارض بين المجازين؛ لأن أحدهما راجح بنفسه، مرجوح من جهة حقيقته، والآخر على العكس، فيصار إلى الترجيح.
قلنا: لا يلزم من ذلك التساوي حتى يصار للترجيح؛ لأن رجحان الحقيقة في أحدهما قد يكون أكثر من رجحان المجاز في الآخر فيرجح، أو رجحان المجاز في أحدهما قد يكون أكثر من رجحان الحقيقة في الآخر.
وإنما يصار للترجيح من خارج إذا استوت أسباب الترجيح فيهما
قوله: الدال على اعتبار البعض بنفي الإجمال- يستقيم إذا كان ذلك
البعض واحدا، وأما إن كان أكثر من واحد، فإن التردد يبقى بينهما كما سبق في الدال على اعتبار الكل.
والفرق أن إلغاء البعض مع الكثرة، واعتبار البعض مع الكثرة أن واحدا من الجميع إذا ثبت أنه مراد أعرضنا عما عداه لحصول المقصود من التمكين من العمل، وأما إذا ثبت أن بعض العدد الكثير غير مراد بقى الذهن مترددا بين بقية العدد أيهما المراد.
(سؤال)
قال النقشوانى: جعل مورد التقسيم القرينة المخصصة، وقسمها للقرينة الموجبة لاعتبار الكل، مع أن الموجبة لاعتبار الكل لا تخصيص فيها.
جوابه: أنه قال: إما أن يوجد مع اللفظ المشترك قرينة مخصصة، أو لا يوجد تقسيم القرينة المخصصة إلى وجودها وعدمها، ثم قسم وجودها إلى مخصصة للبعض، وإلى ما لا تخصيص فيه، كما قال السائل، وهذا لا غرو فيه لما تقدم أن المقسم قد يكون مقسما إلى الأعم مطلقا، وإلى الأعم من وجه، فالأعم مطلقا يلزم صدقه على كل أقسام المقسم إليه، وكتقسيم الحيوان إلى الناطق والأعجمي، والأعم من وجه لا يلزم صدقه على جميع أقسام المقسم إليه، كالحيوان المقسم إلى الأبيض والأسود، ثم الأبيض ينقسم إلى الجير والحيوان، فلا يلزم صدق الحيوان على الجبر، وإذا كان التقسيم أعم من كونه في الأعم مطلقا، فمن التزمه لا يرد عليه ما يرد على أحد نوعيه؛ لأن ذلك السؤال قد ينشأ عن خصوص ذلك النوع، وهذه القاعدة قد تقدمت في مواطن، ويتخرج بها أسئلة كثيرة.
المسألة السابعة: يجوز حصول المشترك في كتاب الله تعالى، لقوله تعالى:{والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} ] البقرة: 228 [.
يرد عليه أن الخصم يقول: هذا متواطئ لا مشترك، وقيل في المتواطئ ثلاثة مذاهب:
قيل: هو موضوع لمطلق الجمع؛ لأن الدم يجتمع في الطهر في الجسد، وفي الحيض في الرحم من قولك: قريت الماء في الحوض إذا جمعته.
وقيل: اسم للانتقال، والطاهر تنتقل للحيض، والحائض تنتقل للطهر.
وقيل: للزمان، تقول العرب: جاءت الريح لقرئها أي لزمانها، وقوله
تعالى: {والليل إذا عسعس} ] التكوير: 17 [.
قيل: متواطئ، ومعناه: اختلاط الظلام بالضياء، وهو قدر مشترك بين أو الليل وآخر، فلا اشتراك.
(سؤال)
ادعى وقوعه في الكتاب والسنة ولم يذكر إلا الكتاب إما لثبوت الحكم فيها بطريق الأولى؛ لأنها أخفض وتبة؛ وإما أنه لا قائل بالفرق؛ وإما لظنه أنه ذكره وما ذكره.
قوله: والأولى تكليف مالا يطاق.
قلنا: ونحن نقول به.
قوله: إن كان البيان مذكورا مع المشترك كان تطويلا بغير فائدة كان لا نسلم عدم الفائدة ونحن ننتزع بذكر فوائد منها كثرة الأجور في حروف التلاوة، ومنها: التشريف بالمخاطبة مع الله تعالى، وإن خطاب الله تعالى لعباده من أعلى مراتب الشرف؛ وذلك لما قاله الله تعالى {وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى} ] طه: 17 [وكان يكفيه هي عصاي، وإنما قصد تكثير الخطاب مع الله تعالى، ليحوز الشرف الأعلى.
ومنها: امتحان العباد بذلك فجاهل يقول ما لي حاجة في الأدب، ولما لم يقول الله تعالى في هذا حكم وأسرار، ومواهب ربانية فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيا عن بينة.
قوله: وإن كان البيان غيره مقرون بالمشترك أمكن ألا يصل إلى المكلف فيبقى الخطاب.
قلنا: لا نسلم مجهولا، لكن يحصل للمكلف أجو الطلب ونجوز رتبة النسبة، ولا قائم ينزل العمل لعدم وجدانه البيان.
قوله: (إما على أصول المعتزلة فسيأتي الجواب عنه في مسألة تأخير البيان إلى وقت الخطاب) يريد أن العرض قد يكون ذكر الشيء على سبيل التفصيل منشأ المفسدة، وعلى سبيل الإجمال منشأ المصلحة فخاطب المشترك في الصور التي يكون فيها التفصيل منشأ المفسدة.