الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترك الاستعمال فيه، فلا يكون مجازا فيه، وعليه مناقشة في قوله:(المجازية كيفية عارضة من جهة دلالتها على المعنى)؛ لأن اللفظ إذا استعمل مجازا لا يدل على المعنى المجازى، بل الدال القرينة، فنسبة الدلالة للفظ فيه توسع، ويمكن أن يقال: اللفظ دل بواسطة القرينة، فله نوع من الدلالة، كما أن اللفظ المشترك إذا احتفت به قرينة، صار المجموع دالا على ذلك المعنى المعين.
قوله: (وثاني عشرها المجاز بسبب الزيادة والنقصان).
قلنا: هذا من مجاز التركيب كما تقدم بيانه، وهو لا يعتقده مجازا لغويا، بل عقليا، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، فلم جعله قسما منه؟
وجوابه: أنه لم يفرع على مذهبه، بل على المذهب الآخر.
(سؤال)
مجاز التركيب ما العلاقة فيه
؟
فماذا قلنا: {كفي بالله شهيدا} [الإسراء: 96، الرعد: 43]، (الباء) زائدة، وهو من مجاز التركيب، وكذلك قوله تعالى:{فبما نقضهم ميثاقهم} [النساء: 155، المائدة: 13]، (ما) زائدة، وهو من مجاز التركيب، فإن هاتين الكلمتين لم توضعا لتركبا هذا التركيب، بل (الباء) تركب مع الذي يلتصق به الفعل، أو تكون أداه أو سببا على اختلاف أحوالها، وكذلك (ما) لم توضع للزيادة، بل الأقسام الأحد عشر التي لها مذكورة مفصلة في كتب النحاة، ولا يمكن أن تكون العلاقة إحدى العلاقات المتقدمة؛ لأن التقدير أن المجاز بالزيادة والنقصان قسم آخر غيرها.
أو يقولون: هذا مجاز لا علاقة له، فيبطل قولكم في حد المجاز: لعلاقة بينهما، ولا بد من علاقة عامة تشمل جميع مجاز التركيب على اختلاف أنواعه ومواده، فإنه كثير جداً.
جوابه: أن أصل العلاقة هو الارتباط بوجه ما، وهي متنوعة، فذكر المصنف أحد عشر نوعا غير هذا النوع، وهذا النوع فيه نوع خاص من العلاقة، وهو متشابهة التركيب الكائن مع الزيادة أو النقصان، للتركيب الكائن في التركيب الذي هو الوضع الأصلي، فالتشبيه واقع في صورة التركيب، وبهذا يفارق المستعار المتقدم ذكره؛ لأن المستعار شبهه في المعنى، وهذا شبهه في تركيب اللفظ، ولهذا جعل المصنف الزيادة والنقصان نوعا واحدا؛ لأن علاقتهما واحدة، وإن اختلفا في المعنى، فالزيادة أبدا للتأكيد، كما تقدّم نقله عن ابن جنى، فلا زيادة إلا للتأكيد، تقدم بسطه في باب التأكيد، وأما النقص فلا تأكيد فيه، فحينئذ هما متباينان، فلا جامع يجمعهما جمعا عاما إلا ما ذكرته لك من مشابهة التركيب، وهذا الموضع من مشكلات مجازات العرب؛ لأن مجاز التركيب في نفسه قل من يعرفه، وعلاقته أقل من ذلك ظهورا، وأخفى سبيلا.
قوله: (تسمية المتعلق به باسم المتعلق، كتسمية المعلوم علما، والمقدور قدرة).
مثاله: قوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه} ] البقرة: 255 [.
فلفظ (من) يقتضى أن العلم نفسه ليس مرادا، فإن (من) هاهنا ظاهرة في التبعيض، علم الله- تعالى- لا يتبعض، ومعلوماته تتبعض، فتعين الصرف لها، فيكون التقدير: ولا يحيطون بشيء من معلوماته (إلا بما شاء)، وتقول العرب للأمر العظيم إذا رأته كالأهرام ونحوها: ما هذا إلا قدرة عظيمة، أي: مقدور عظيم، فالقدرة والعلم متعلقان، والمعلوم والمقدور متعلق بهما.
(تنبيه)
قال التبريزي في قوله: (سال الوادي) يحتمل أن يكون المجاز في
(سال) لا في (الوادي) يريد بأن يكون معناه: دفع الوادي بما فيه من الماء قال: ويجوز أن يكون على حذف المضاف تقديره: سال ماء الوادي.
وعلى قول المصنف وقول التبريزي يجوز أن يكون من مجاز التركيب؛ لأن السيلان لم تضعه العرب لتركبه مع لفظ ما لا يصلح للسيلان، فإذا ركبته معه كان مجازا في التركيب. قال:(ويجوز في تسمية المرض الشديد والمذلة بالموت أن يكون من إطلاق اسم الغاية).
وقول التبريزي هذا لا يتجه، فإنه يتخيل أن غاية المرض الموت، وهذا ليس كافيا في السبب الغائي؛ فإن الذي يفضى إليه الشيء، ويكون نهايته وغايته قسمان:
تارة تكون الغاية هي الباعثة عليه كالخمر في العنب، والسترة في الدار، والنوم على السرير، فإن هذه الأمور هي الباعثة على هذه الحقائق.
وتارة لا تكون الغاية، والنهاية المترتبة على الشيء هي المقصودة منه كصيرورة الإنسان للموت، والدار للخراب، والثوب للإخلاق، ونحو ذلك فهذه لا تسمى في عرف أهل هذا اللسان علة غائية؛ لأنها لم تبعث عليه، وإن ترتبت عليه، ولذلك قالوا: أول الفكرة آخر العمل، وقالوا: العلة الغائية علة في الأذهان، معلولة في الأعيان، وذلك لا يصح في هذا القسم الثاني، إنما يصح في الأول، والذي يوقع الذل بالإنسان ما يتعين أن يكون مقصوده كالموت لا كليا ولا أكثريا.
نعم قد يقصد وذلك لا يكفى حتى يكون كليا أو أكثريا، ولذلك خلق الله- تعالى- الأمراض المقصود منها تكفير السيئات، ورفع الدرجات، وإظهار مكارم العباد، وتفاوت رتبهم، وإن قلنا: أفعال الله -تعالى- لا تعلل بالأغراض بطل ذلك بالكلية لا نادرا ولا أكثرياً.