الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحقيقة احترازا من الضدين، فإنهما مختلفان في الحقيقة، فلا فارق بين الضدين والمثلين إلا الاختلاف والتساوي في الحقيقة.
الثاني: أن قولنا في الضدين: يمكن ارتفاعهما يشكل بالحركة والسكون، والموت والحياة، والعلم والجهل، والنور والظلمة، وبكل ضدين لا ثالث لهما، فإنهما لا يرتفعان، وإنما يتصور الارتفاع في الضدين اللذين لهما ثالث، كالألوان والطعوم والورائح.
وجوابه: أنه يمكن ارتفاع هذه الأمور بارتفاع محالها، فقبل وجود العالم لا متحرك ولا ساكن، ولا جاهل ولا عالم من الخلائق التي يتضاد في حقهم ذلك ويتعاقب، وكذلك النور والظلمة، وسائر هذه النقوض، وإمكان الارتفاع أعم من الارتفاع المحلى، فهو صادق بما ذكرناه.
الثالث: أن صانع العالم مع العالم ليس من الأربعة
، فليسا نقيضين، لأنهما وجوديان، والنقيضان لابد وأن يكون أحدهما عدميا.
ولا ضدين، لأن المؤثر لا يضاد أثره وإلا صدر عنه بل نافاه.
ولا مثلين لعدم المنافاة، ولأن الواجب الوجود لا يماثل الممكن، ولا خلافان، لأنهما لا يمكن ارتفاعهما لتعذر العدم على الواجب الوجود سبحانه وتعالى.
وجوابه: أنا نريد بالمعلومات ماعدا هذه الصورة.
الرابع: أنه اشتهر من قواعد علم الكلام أن الضدين لابد أن يكونا ثبوتيين
، وليس كذلك فإنهما قد يكون أحدهما عدميا كما قيل: إن سلب الشيء عن الشيء قد يكون المحل قابلا له، وقد لا يكون، فإن لم يكن قابلا له قبل لمنافاة ذلك الوجود، ولما يقابله يقابل السلب، والإيجاب كالنفي المقابل لوجود المستحيل.
نقول: التقابل بينهما تقابل السلب والإيجاب، وإن كان المحل قابلا لذلك الوجود. قيل: التقابل بينهما العدم والملكة، فالملكة هي الوجود المقبول، والعدم هو النفي الذي لا يقابله، وسمى بذلك، لأنه لما كان يقبله عد كأنه مالك له، وعلى هذا العدم والملكة متنافيان، وهما ضدان لإمكان رفعهما بأن يكون الوجود ليس واقعا، والعدم غير واقع، لأن المحل لا يقبل ذلك الوجود، مع أن أحدهما ليس ثبوتيا، فانتقضت القاعدة.
الخامس: ينبغي أن يعلم أن الخلافين قد يمكن افتراقهما مع إمكان اجتماعهما وارتفاعهما، وقد لا يمكن، فالأول كالحركة والبياض، والتاني كالزوجية مع العشرة، وسائر اللوازم مع الملزومات، فإنهما لا يفترقان، وهما خلافان لانطباق حد الخلافين عليهما.
إذا تقررت هذه الحقائق الأربعة، فتقول: قاعدة الكليات لا تناقض بينها لإمكان ارتفاعهما، والنقيضان لا يرتفعان، كقولنا: كل عدد زوج، ولا شيء من العدد بزوج، كلاهما كاذب، فقد ارتفعا، والجزئيتان لا تناقض بينهما لإمكان اجتماعهما على الصدق، كقولنا: بعض العدد زوج، وبعضه ليس بزوج، والنقيضان لا يجتمعان، فتكون الكليتان ضدين، والجزئيتان ضدين، فحينئذ التناقض إنما يقع بين الكلية والجزئية المخالفة لها في السلب أو الإيجاب، فتقيض الموجبة الكلية السالبة الجزئية، ونقيض السالبة الكلية الموجبة الجزئية، فعلى هذا اتجه منع قوله: كل واحد منهما يستعمل لتكذيب الآخر، لأن الضارب موجبة جزئية، وليس بضارب سالبة جزئية، والجزئيتان لا تناقض بينهما ما لم يضف إلى احديهما الدوام فنقول: ضارب دائما، أو ليس ضارب دائما، فبقيد الدوام تصير كلية تقابلها الجزئية بالتناقض، ولا يمكن الإضافة ها هنا في ضارب، لأن التقدير أنه ضارب في الماضي فقط.
وقوله: (إنما يكونان متناقضين إذا اتحد الوقت) - ممنوع، ولا يلزم من اتحاد الوقت التناقض.
وتقرير شروط التناقض أن نقول: قاعدة التناقض لها ثمانية شروط: اتحاد الموضوع احترازا من تعدده نحو: زيد قائم، عمر ليس بقائم.
واتحاد المحمول احترازا من قولنا: [زيد قائم]، زيد ليس بقائم.
ووحدة الزمان احترازا من قولنا: زيد قائم يوم الجمعة ليس قائما يوم الخميس.
ووحدة المكان احترازا من قولنا: زيد قائم في الدار ليس قائما في السوق.
ووحدة الإضافة احترازا من قولنا: زيد أبو عمرو ليس أبا خالد.
واتحاد الجزء والكل احترازا من قولنا: الزنجي أسود، ويريد جلده، وليس بأسود يريد أسنانه.
واتحاد القوة والفعل احترازا من قولنا: الخمر مسكرة بالقوة ليس مسكرة بالفعل.
والاختلاف في الكمية احترازا من قولنا: بعض العدد زوج، وبعضه ليس بزوج.
فجميع هذه المثل الثمانية ليس فيها تناقض.
وقال: يكفي اتحاد الإضافة في الثمانية، فإن اختلاف أحد الثمانية يوجب اختلاف الإضافة؛ لأن اختلاف الصيام يوجب اختلاف السفر، وكذلك بقيتها.
وإذا تقررت هذه القاعدة ظهر أنه لا يلزم من اتحاد الزمان حصول التناقض.
وأما مناقضة أهل العرف فصحيحة بناء على أنهم يريدون عند التكذيب المناقضة بالشروط الثمانية، فإذا عضد هذه المقدمة بأن الأصل عدم النقل، والتغيير صحت المقدمة.
تقرير قوله: يجوز أن يكون حكم الشيء وحده مخالفا له مع غيره.
معناه: أن قولنا: قام زيد حكمه الإخبار والجزم، وإن دخل عليه حرف الشرط فقلنا: إن قام زيد بطل ذلك، وصار غير مفيد البتة، وكذلك هل قام زيد؟ بطل الإخبار، وصار استخبارا، ونظائره كثيرة.
يقول السائل: فلعل قولك: في الحال يوجب صدق معنى لا يصدق عند إفراد ضارب عن قيد الحال، فيكون الصادق الثبوت عند عدم القيد، وعند القيد يصدق السلب.
قوله: (الضارب من حصل له الضرب، وهو أعم من الحال).
ممنوع؛ لأن قوله: (حصل) صيغة ماضية، والماضي لا يصدق على الحال، نعم لو قال: حاصل أو يحصل أمكن تسليمه، أما (حصل له) فلا.
قوله: (اتفقوا على أن إطلاق اسم الفاعل بمعنى الماضي إذا قلنا: زيد ضارب عمرا أمس).
قلنا: اتفاقهم على الإطلاق لا يلزم منه الحقيقة، وقد يكون مجازا، وهو مذهبنا، فقد أطلقوه باعتبار المستقبل، وهو مجاز إجماعا، وأولى أن يكون حقيقة؛ لأنهم قالوا: إذا كان بمعنى المستقبل عمل فأثبتوه، وأثبتوا له العمل، فيكون أقوى من الماضي الذي لم يثبتوا أثره.
قوله: (لو كان حصول المشتق منه شرطا لما كان حصول الأمس واليوم حقيقة).
قلنا: النزاع إنما هو في بعض المشتقات لا في كل الألفاظ، فالماضي،
والمستقبل، والمتقدم، والمتأخر، وغير ذلك أسماء وحقيقة في الماضي، والمستقبل إجماعا، وقد تقدم ألفاظ كثيرة لم تندرج في صورة النزاع، وإنما يرد اليوم والأمس أن لو كان النزاع في كل لفظ.
تقرير قوله: الإلزام عائد في لفظ المخبر.
معناه: أن المخبر اتفق الناس على أنه يصدق فيمن نطق بكلام غير مفيد، والكلام المفيد إنما يحصل بمجموع حروف.
وأما المتكلم فقد قيل: إن الكلام حرفان، أفاد أم لا، كانا مهملين موضوعين لمعنى، فلذلك سلم الكلام، ونازع في الخبر مع أن الكلام وإن فسر بأقل الأقوال فهو حرفان، وما علمت أحدا يقول: الحرف الواحد كلام، إلا أن يكون في الأصل أكثر من ذلك، والحرفان لا يجتمعان، فلا فرق بينهما وبين الخبر.
(تنبيه)
الشهر، والسنة أمكن أن يكونا من محل النزاع؛ لأن الشهر من الاشتهار برؤية الهلال وغيره، والسنة قالوا: من السنة الذي هو التغيير؛ لأن أحوال العالم تتغير فيها بالرفع والخفض، أو بالفصول الأربعة، وكذلك العام من العوام، لأن الشمس عامت في الفلك عومة كاملة، فكانت في نقطة، وخرجت منها، وعادت إليها، ويؤيده قوله تعالى:{وكل في فلك يسبحون} [يس:40].
وكذلك اختار أرباب الآداب أن يقال: عام مبارك، ولا يقال: سنة مباركة؛ لإشعار السنة بالتغيير والجدب والمكاره، والعام ليس كذلك، وكذلك قال الله تعالى:{ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون} [يوسف:49].
وقال في الجدب: {سبع سنين} [يوسف:47]، ولم يقل: سبعة
أعوام، فظهر أن هذه مشتقة تفريعا على الاشتقاق الأكبر لا الاشتقاق الأصغر على ما تقدم بيانه.
وأما اليوم، والأمس فما سمعت لهما اشتقاقا منقولا لأهل الأدب، وظهر الفرق.
وقوله: (كل يستعمل إما حقيقة، وإما مجازا).
ممنوع، لأن لفظ (جعفر) إذا استعمل في الإنسان المخصوص لا حقيقة؛ لأن (جعفر) اسم للنهر الصغير، ولا مجازا لعدم العلاقة بين النهر الصغير، وبين الإنسان المخصوص، ونظائره كثيرة في الأعلام.
وفيما قاله العلماء: إذا قال: اسقني الماء، أو سبحان الله، وأراد طلاق امرأته، أو عتق عبده، فليس حقيقة في الطلاق، ولا مجازا لعدم العلاقة، وهو كثير أيضا.
قوله في الجواب: (مدلول الألفاظ المركبة ليس إلا المركب الحاصل من المفردات التي هي مدلولات الألفاظ المفردة) لا يتم جوابا؛ لأنا نسلم له الآن أن مدلول المركب الآن هو مدلول الألفاظ الموجودة الآن، ولكن إذا انفرد بعض هذه الألفاظ عن بعض، هل يبقى الحال كما كان أو يختلف؟ هذا موضع النزاع، وقد تقدمت مثل لم يبق فيها مدلول المفرد حالة التركيب، ولا مدلول التركيب حالة الإفراد.
قوله: (كلمة (ليس) موضوعة للسلب، فإذا قلنا: ليس بضارب، فلابد أن يفيد سلب ما فهم من قولنا: ضارب).
قلنا: ظاهر كلامه أن السلب لا بد أن يرفع جملة ما فهم من الثبوت، وهو غير لازم، فإن سلب الكل المركب يكفي فيه نفي جزء منه، نحو: لا نصاب للزكاة عندك، يكفي فيه نفي دينار واحد، وكذلك الكليات إذا دخل عليها السلب.