الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السابعة: في أنه يجوز حصول اللفظ المشترك في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم
.
والدليل على جوازه وقوعه، وهو في قوله تعالى:} والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء {(البقرة: 228)، وفي قوله تعالى:} والليل إذا عسعس {(التكوير: 17) فإنه مشترك بين الإقبال والإدبار.
واحتج المانع بأن ذلك اللفظ: إما أن يكون المراد منه حصول الفهم، أو لا يكون، والثاني عبث.
والأول لا يخلو: إما أن يكون المراد منه حصول الفهم بدون بيان المقصود، أو مع بيانه.
والأول: تكليف ما لا يطاق.
والثاني: لا يخلو: إما أن يكون البيان مذكورا معه، أو لا يكون.
فإن كان الأول، كان تطويلا من غير فائدة، وهو سفه وعبث.
وإن كان الثاني، أمكن ألا يصل البيان إلى المكلف؛ فحينئذ يبقى الخطاب مجهولا.
والجواب: أن هذا غير وارد على مذهبنا في أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وأما الجواب على أصول المعتزلة، فسيأتي في مسألة تأخير البيان عن وقت الخطاب إن شاء الله تعالى.
قال القرافي: قوله: اللفظ المشترك هو اللفظ الموضوع لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعا أولا من حيث هما كذلك، فاحترزنا بحقيقتين مختلفتين عن
الأسماء المفردة، وبالوضع الأول عن الحقيقة والمجاز، وبقولنا:(من حيث هما كذلك) عن المتواطئ لتناوله المختلفات لا من حيث هي مختلفة، بل من حيث اشتراكهما في معنى واحد، وعليه سبعة أسئلة:
الأول: على قوله: (مختلفتين):
فإن كل قيد في حد إنما يحترز به عن ضده، فيحترز (بالمختلفات) عن الوضع للمتمائلات، لكن الوضع للمثلين محال عقلا، فلا حاجة للاحتراز عنه.
برهانه: أن المثلين لا بد أن يمتاز كل واحد منهما عن الآخر بشخصه، وبعينه عن الآخر، فالواضع إما أن يتخذ التعيين في المسمى أم لا، فإن أخذ جزءا من المسمى في كل واحد من المثلين، أو في أحدهما لزم أن يكون وضع للمختلفين، لا للمثلين، أو في أحدهما لزم أن يكون وضع للمختلفين، لا للمثلين؛ لأن المثل بعد التعيين مخالف للمثل الآخر بالضرورة، وإن لم يأخذ التعيين، وما وقع به التشخيص في التسمية، والقاعدة العقلية أن المثلين إذا حذف عنهما مشخصاتهما لم يبق إلا القدر المشترك بينهما، والمشترك بينهما واحد، والواحد ليس بمثلين، فما وضع حينئذ لمثلين، فعلمنا بالضرورة أن الوضع للمثلين متعذر مستحيل، والمستحيل لا يحترز عنه.
الثاني: على قوله: (احترزنا به عن الأسماء المفردة)، فأقول:
لفظ السواد والبياض لفظان مفردان، وقد وضعا للمختلفين، وهما السواد والبياض، وإن أراد به كل لفظ مفرد على حاله من غير أن يضاف إليه غيره، وهو الأقرب لمراده، فقد خرج بقوله: حقيقتين، فلا حاجة للاختلاف.
الثالث: على قوله: (وضعا أولا) احترازا عن الحقيقة والمجاز:
قلنا: لا نسلم أن المجاز فيه وضع ثان، حتى يحترز عنه بالوضع الأول.
سلمنا أن فيه وضعاً، لكن له ثلاثة معان:
جعل اللفظ دليلا على المعنى، وهو وضع اللغات، وعليه استعمال اللفظ في المعنى، وهو وضع الحقائق العرفية والشرعية؛ فإن أهل العرف لم يجتمعوا في صعيد واحد حتى اتفقوا على جعل اللفظ لذلك المعنى، بل استعمل هذا وهذا، حتى كثر الاستعمال، واشتهر اللفظ في تلك الحقيقة، فهذا معنى آخر من الوضع.
والقسم الثالث: أصل الاستعمال، ولو مرة واحدة، فإذا سمع من الغرب التجوز مرة واحدة باعتبار المشابهة، كان مجاز التشبيه موضوعا، والوضع في هذا الباب مفسرا بأصل الاستعمال، وإذا كان لفظ الاستعمال مشتركا بين معان ثلاثة، فقول: في أصل الحد (هو اللفظ الموضوع) إن أراد المعاني الثلاث، فهذا لا يحسن في الحد؛ إما لأن اللفظ المشترك لا يجوز أن يقع في الحد، وإما لأن المشترك لا يجوز استعماله في جميع مفهوماته، وإن أراد الوضع الذي هو الجعل فقط، وهو الظاهر؛ لأنه وضع اللغات لا يندرج المعنى الآخر، وهو الوضع المفسر بأصل الاستعمال، فلا يحتاج إلى إخراجه.
الرابع: على قوله: (من حيث هو كذلك) احترازا عن المتواطئ؛ فإنه يتناول المختلفات.
قلنا لا نسلم أن اللفظ المتواطئ يتناول المختلفات، ولا يدل عليها البتة؛ فإن القاعدة أن الدال على الأعم غير دال على الأخص.
فلفظ الحيوان غير دال على الإنسان البتة فلا يتناوله؛ لأن التناول هو الدلالة.
الخامس: سلمنا أنه يتناول المختلفات، لكنه خرج بقوله: الموضوع لحقيقتين؛ لأن المتواطئ لم يوضع إلا للمشترك، وهو حقيقة واحدة.