الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يفد في جانب الإثبات إلا أمرا واحدا، لم يرتفع عند حرف النفي إلا المعنى الواحد.
فأما إن أريد حمله على أن المراد منه: لا تعتدي بما هو مسمى الأقراء؛ فحينئذ يكون كون الحيض والطهر مسمى بالقرء وصفا معقولا مشتركا بينهما؛ فيكون اللفظ على هذا التقدير متواطئا، لا مشتركا.
الثاني: أنا لو جوزنا أن يفاد باللفظ المشترك جميع معانيه، فإنه لا يجب ذلك.
ونقل عن الشافعي رضي الله عنه، والقاضي أبي بكر أنهما قالا: المشترك إذا تجرد عن القرائن المخصصة، وجب حمله على جميع معانيه، وفيه نظر؛ لأنه إن لم يكن موضوعا للمجموع، فلا يجوز استعماله فيه، وإن كان موضوعا له، فهو أيضا موضوع لكل واحد من الأفراد، واللفظ دائر بين كل واحد من الفردين وبين المجموع، فيكون الجزم بإفادته للمجموع دون كل واحد من الفردين ترجيحا لأحد الجائزين على الآخر من غير مرجح؛ وهو محال.
فإن قلت: حمله على المجموع أحوط، فيكون الأخذ به واجبا:
قلت: القول بالاحتياط ستتكلم عليه إن شاء الله تعالى.
المسألة الخامسة في أن الأصل عدم الاشتراك:
ونعني به: أن اللفظ متى دار بين الاشتراك وعدمه، كان الأغلب على الظن عدم الاشتراك، ويدل عليه وجوه:
أحدها: أن احتمال الاشتراك، لو كان مساويا لاحتمال الانفراد، لما حصل
التفاهم بين أرباب اللسان حالة التخاطب في أغلب الأحوال، من غير استكشاف، وقد علمنا حصول ذلك، فكان الغالب حصول احتمال الانفراد.
وثانيهما: لو لم يكن الاشتراك مرجوحا، لما بقيت الأدلة السمعية مفيدة ظنا؛ فضلا عن اليقين؛ لاحتمال أن يقال: إن تلك الألفاظ مشتركة بين ما ظهر لنا منها وبين غيره؛ وعلى هذا التقدير يحتمل أن يكون المراد غير ما ظهر لنا؛ وحينئذ لا يبقى التمسك بالقرآن والأخبار مفيدا للظن؛ فضلا عن العلم.
وثالثها: أن الاستقراء دل على أن الكلمات في الأكثر مفردة لا مشتركة، والكثرة تفيد ظن الرجحان، فإن قلت: لا نسلم أن الكلمات في الأكثر مفردة؛ لأن الكلمة إما حرف، أو فعل، أو اسم.
أما الحرف، فكتب النحو شاهدة بأنه مشترك.
وأما الفعل، فهو إما الماضي، أو المستقبل، أو الأمر.
أما الماضي والمستقبل، فهما مشتركان؛ لأنهما تارة يستعملان في الخبر، وأخرى في الدعاء، ولأن صيغة المضارع مشتركة بين الحال، والاستقبال، وأما صيغة (أفعل) فالقول بأنها مشتركة بين الوجوب والندب مشهور.
وأما الأسماء ففيها اشتراك كثير، فإذا ضممنا إليها الأفعال والحروف، كانت الغلبة للاشتراك!!
قلت: الأصل في الألفاظ الأسماء، والاشتراك نادر فيها، بدليل أنه لو كان الاشتراك أغلب، لما حصل فهم غرض المتكلم في الأكثر، ولما لم يكن كذلك، علمنا أن الغالب عدم الاشتراك.
ورابعها: أن الاشتراك يخل بفهم القائل والسامع؛ وذلك يقتضي ألا يكون موضوعا.
بيان أنه يقتضى الخلل في الفهم: أما في حق السامع، فمن وجهتين:
الأول: أن الغرض من الكلام حصول الفهم، وهو غير حاصل في المشترك؛ لتردد الذهن بين مفهوماته.
الثاني: أن سامع اللفظ المشترك ربما يتعذر عليه الاستكشاف؛ إما لأنه يهاب المتكلم، أو لأنه يستنكف عن السؤال، وإذا لم يستكشف، فربما حمله على غير المراد، فيقع في الجهل، ثم ربما ذكره لغيره، فيصير ذلك سببا لجهل جمع كثير؛ ولهذا قال أصحاب المنطق: إن السبب الأعظم في وقوع الأغلاط حصول اللفظ المشترك.
وأما في حق القائل؛ فلأن الإنسان إذا تلفظ باللفظ المشترك، احتاج في تفسيره إلى أن يذكره باسمه المفرد، فيقع تلفظه باللفظ المشترك عبئا، ولأنه ربما ظن أن السامع متنبه للقرينة الدالة على تعيين المراد، مع أن السامع لم يتنبه له، فيحصل الضرر؛ كمن قال لعبده: أعط الفقير عينا، على ظن أنه يفهم أن مراده الماء، ثم إنه يعطيه الذهب، فيتضرر السيد به.
فثبت بهذه الوجوه: أن الاشتراك منشأ للمفاسد، فهذه المفاسد إن لم تقتض امتناع الوضع، فلا أقل من اقتضاء المرجوحية.
وخامسها: أن الإنسان مضطر في بقائه إلى استعمال المفردات، ولا حاجة به إلى المشترك، فيكون المفرد أغلب في الوجود، وفي الظن.