الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زيدا)، فزيد ليس عبارة عن جملة البنية المشاهدة؛ لأنا نعلم أن زيدا هو الذي كان موجودا وقت ولادته، ونعلم أن أجزاءه وقت شبابه أكثر مما كانت وقت ولادته، ولا شك أن زيدا هو تلك الأجزاء الباقية من أول حدوثه إلى آخر فنائه، وتلك الأجزاء قليلة؛ فإذن المسمى بزيد هو تلك الأجزاء.
فإذا قلت: (ضربت زيدا) فلعل هذا الإمساس ما وقع على تلك الأجزاء؛ فيكون الكلام أيضا مجازا؛ من هذا الوجه.
ثم هاهنا دقيقة، وهي أن هذه المجازات من باب المجاز العقلي؛ لأنك إذا قلت:(رأيت زيدا، وضربت عمرا) فصيغتا (رأيت) و (ضربت) مستعملتان في موضوعيهما الأصليين؛ فلا يكون مجازا، وأما لفظة (زيد) فهي من الأعلام؛ فلا تكون مجازا؛ فلم يبق إلا أن المجاز واقع في النسبة فيكون مجازا عقليا، والله أعلم.
المسألة العاشرة: في أن المجاز على خلاف الأصل، والذي يدل عليه وجوه:
أحدها: أن اللفظ، إذا تجرد: فإما أن يحمل على حقيقته أو على مجازه، أو عليهما، أو لا على واحد منهما؛ والثلاثة الأخيرة باطلة، فتعين الأول.
وإنما قلنا: إنه لا يجوز حمله على مجازه؛ لأن شرط الحمل على المجاز حصول القرينة؛ فإن الواضع، لو أمر بحمل اللفظ عند تجرده على ذلك المعنى، لكان حقيقة فيه؛ إذ لا معنى للحقيقة إلا ذلك.
وأما أنه لا يجوز حمله عليهما معا، فظاهر؛ لأن الواضع لو قال:(احملوه وحده عليهما معا) كان اللفظ حقيقة في ذلك المجموع، ولو قال:(احملوه إما على هذا، أو على ذاك) كان مشتركا بينهما.
وأما أنه لا يجوز أن يحمل على واحد منهما البتة؛ فلأنه على هذا التقدير يكون اللفظ حال تجرده من المهملات، لا من المستعملات، وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة، تعين القسم الأول، وهو المطلوب.
وثانيها: أن المجاز لا يتحقق إلا عند نقل اللفظ من شيء إلى شيء، لعلاقة بينهما، وذلك يستدعي أمورا ثلاثة:
وضعه للأصل، ثم نقله إلى الفرع، ثم علة للنقل.
وأما الحقيقة، فإنه يكفي فيها أمر واحد، وهو: وضعه للأصل.
ومن المعلوم أن الذي يتوقف على شيء واحد، أغلب وجودا مما يتوقف على ذلك الشيء، مع شيئين آخرين معه.
وثالثهما: أن واضع اللفظ للمعنى، إنما يضعه له، ليكتفي به في الدلالة عليه، وليستعمل فيه؛ فكأنه قال: إذا سمعتموني أتكلم بهذا الكلام، فاعلموا أنني أعني هذا المعنى؛ وإذا تكلم به متكلم بلغتي، فليعن به هذا.
فكل من تكلم بلغته يجب أن يعني به ذلك المعنى؛ ولهذا يسبق إلى أذهان السامعين ذلك المعنى، دون ما هو مجاز فيه.
ولو قال لنا مثل ذلك في المجاز، لكان حقيقة، ولم يكن مجازا.
ورابعها: إجماع الكل على أن الأصل في الكلام الحقيقة، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:(ما كنت أعرف معنى الفاطر، حتى اختصم إلي شخصان في بئر، فقال أحدهما: فطرها أبي، أي: اخترعها).
وقال الأصمعي: (ما كنت أعرف الدهاق، حتى سمعت جارية بدوية تقول: اسقني دهاقا، أي: ملآنا).
فهاهنا استدلوا بالاستعمال على الحقيقة، فلولا أنهم عرفوا أن الأصل في الكلام الحقيقة، وإلا لما جاز لهم ذلك.
وخامسها: لو لم يكن الأصل في الكلام الحقيقة، لكان الأصل إما أن يكون هو المجاز، وهو باطل بإجماع الأمة، أو لا يكون واحد منهما أصلا؛ فحينئذ يتردد كل كلام الشارع بين أمرين، فيصير الكل مجملا، وهو باطل بالإجماع.
ويلزم أن يصير كل متكلم به في العرف مجملا؛ لتردد تلك الألفاظ بين حقائقها ومجازاتها، ولو كان الكل مجملا، لما فهمنا المراد في شيء من الألفاظ، إلا بعد الاستفسار، وطلب تعيين المراد، ولما كان ذلك باطلا، علمنا أن الأصل في الكلام الحقيقة.
فرع:
إذا دار اللفظ بين الحقيقة المرجوحة، والمجاز الراجح، فأيهما أولى؟
فعند أبي حنيفة رضي الله عنه: الحقيقة المرجوحة أولى.
وعند أبي يوسف رحمه الله: المجاز الراجح أولى.
ومن الناس من قال: يحصل التعارض؛ لأن كل واحد منهما راجح على الآخر من وجه، ومرجوح من وجه آخر؛ فيحصل التعارض.
قال القرافي: اعلم أن المجاز المفرد أن ينقل الاسم المفرد عن المعنى المفرد إلى معنى مفرد فأكثر.
فقولنا: (الاسم المفرد) - نريد به ما عدا الجملة كان اسما واحدا كزيد، أو مركبا كعبد الله، وبعلبك.
وقولنا: (إلى معنى مفرد) نريد به ما لا إسناد فيه احترازا عن الجمل؛ فإن فيها إسنادا.
وقولنا: (فأكثر) احترازا عما يقال: إن الجمع بين مجازين فأكثر جائز، وهو مذهب مالك، والشافعي وغيرهما، كما تقدم في مسألة أن المشترك لا يستعمل في مفهوميه.
والمجاز في التركيب: أن يكون اللفظ وضع ليركب مع لفظ معنى، فركب مع غيره، كما إذا قلت: شربت العلم، وأكلت الماء، ووزنت. المسائل، فإن الوضع الأول يقتضى أن الشرب يركب مع المائعات، والأكل مع الجامدات، والوزن في ذوات الثقل من الأجرام، والعدول عن هذا مجاز في التركيب، ومنه تركيب السؤال مع القرية؛ لأن الوضع الأول يقتضى أن يركب مع لفظ من يصلح للجواب.
ومنه قول الشاعر [المديد]:
وتركت الموت جريان ينظر
فإن الموت لا يجرى ولا ينظر.
فهذا كله مجاز في التركيب، فتأمله ونظائره في الصفات والأفعال، وسائر الكلمات.
قوله: (التركيب لا يكون مطابقا لما في الوجود).
قلنا: هذه عبارة مجملة تحتمل الصدق والكذب؛ لأنه غير مطابق لما في الوجود، ويحتمل غير مطابق للوضع الأول، والثاني هو الحق، والأول قد
يكون حقيقة، فليس مراد الحق قول القائل: الواحد نصف العشرة لا يقول أحد: إنه مجاز في التركيب، وكذلك أنوع الكذب قوله-[المتقارب]:
أشاب الصغير وأفنى الكبيـ
…
ر كر الغداة ومر العشى
وأن جميع المفردات مستعملة في موضوعاتها يبطل بأشاب الصغير؛ فإن الشيب لا يأتي على صغير حقيقة، بل من تقدم فيه الصغر، وهو كقوله: تحرك الساكن، وسكن المتحرك: أي من كان متحركا، فالشيب والصغر ضدان، وإنما يصدق ذلك باعتبار ما كان عليه، وتسمية الشيء باعتبار ما كان عليه مجاز.
قوله: (الشيب يحصل بفعل الله- تعالى- لا بكر الغداة).
قلنا: كر الغداة هو طول العمر، وهو سبب عادى للإشابة، والعرب لم تخص الوضع في الأفعال بالمؤثر الحقيقي العقلي، بل تقول العرب: قتل زيد عمرا، وهو باعتبار أنه استعمال اللفظ فيما وضع له، وكذلك برد الماء، وسقط الحائط ونحوه مما لا كسب فيه، أو ما فيه كسب نحو صلى، وصام، أو هو مؤثر حقيقي نحو خلق الله العالم، فالوضع اللغوي أعم من كل واحد من الثلاثة، ولا أجد أشابه طول العمر إلا من باب نسبة الفعل إلى السبب العادي نحو: أماته الجوع، وأهرمه الهم، مع أن الفاعل للهرم هو ألله تعالى فكذلك هاهنا، ونبه عليه التبريزي.
(أحياني اكتحالي بطلعتك)
تقريره: أن القائل استعمل الإحياء مجازا في السرور، والعلاقة بينهما أن الحياة إذا كانت في محل ظهرت آثاره، وتنوعت حركاته، وكثرت قوته