الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثانيها: أن التقدير من باب الإضمار الذي تكفى فيه أدنى قرينة، والنقل يحتاج لمقدمات لأكثر كما تقدم تقريره.
وثالثها: على تقدير الإضمار يكون اللفظ حقيقة لغوية، وعلى تقدير النقل يكون مجازا لغويا، والحقيقة أولى من المجاز، ثم إن التقدير واقع في الذي قال: اعتق عبدك عنى، فيقدر دخول العبد في ملك الآمر قبل العتق بالزمن الفرد، وتقدير الدية في ملك المقتول خطأ قبل موته بالزمن الفرد، وتقدير، النقود، والقيم والأعيان في السلم، والمنافع في الإجارات في الذمم حتى يصح ورود العقد عليها، وقد بينت في كتاب (الأمنية في إدراك النية) أن غالب أبواب الفقه لا بد فيه من التقدير، فالعدول إلى القاعدة العامة أولى من النقل المختلف فيه، احتج المخالفون بأن علامة الحقيقة موجودة في هذه الألفاظ من المبادرة عند عدم القرينة، والاستعمال مع التجريد عنها وغير ذلك، فوجب القول بأنها حقيقة، ولا نعنى بالنقل إلا ذلك.
(قاعدة)
الفرق بين الإنشاء والخبر من ثلاثة أوجهٍ:
الأول: أن الأخبار يدخلها التصديق والتكذيب، بخلاف الإنشاء.
الثاني: أن الخبر تابع لتقرر مخبره في زمانه ماضيا وحالا أو مستقبلا، والإنشاء، يتبعه مدلوله ومتعلقه، فالخبر تابع، والإنشاء متبوع.
الثالث: أن الخبر ليس سببا لمدلوله، والإنشاء سبب لمدلوله، قولنا: قام زيد، ليس سببا لقيامه
وقولنا: أنت حر سبب للعتق.
قوله: (لو كانت إخبارا عن الماضي أو الحال لامتنع تعليقه).
قلنا: لا نسلم، ومستند المنع أنه إذا قال: إن دخلت الدار فأنت حر، هذا عندنا إخبار عن ارتباط العتق بالدخول، فنحن نقدر بعد نطقه بصيغة التعليق الارتباط قبل نطقه بالزمن الفرد لضرورة تصديقه، ومتى كان المخبر قبل الخبر، ولو بالزمن الفرد صدق على ذلك الخبر أنه ماض؛ لأنا لا نعنى بالخبر عن الماضي إلا الذي يتقدمه مخبره، فقد اجتمع التعليق، وكونه خبرا عن ماضٍ من غير محال، وإما يمتنع تعليق الماضي إذا كان واقعا قبل النطق بالخبر، أما (ذا كان معدوما قبله، وقدرناه بعده بالزمن الفرد فليس محالا، وإذا كان الماضي أعم مما يصح تعليقه صح المنع في أنه لو كان ماضيا امتنع تعليقه لما بيّنا.
(قاعدة)
عشر حقائق في اللغة لا تتعلق إلا بالاستعمال دون الحال والماضي: الأمر، والنهي، والدعاء، والشرط وجزاؤه، والوعد، والوعيد، والترجي، والتمني، والإباحة.
فهذه القاعدة هي أصل هذا البحث، ويبنى عليها فوائد كثيرة في الأصول، والفروع، والكتاب، والسنة، ويفهم منها معنى قوله عليه السلام: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم
…
) الحديث، ويندفع الإشكال في أن هذا الحديث يقتضى تفضيل إبراهيم على محمد عليهما أفضل السلام؛ لأن المشبه دون المشبه فتأمل ذلك، فليس هذا موضع بسطه، وهي قاعدة جليلة، فاضبطها ضبطا حسنا.
قوله: (لو كانت الصيغة كذبا لم يعتبرها الشرع.
تقريره: أن الشرع لا يعتبر الخبر الكذب في أن يرتب عليه ما يرتبه على الصدق، فمن قال: أنا زنيت بهذه وهو مجبوب لا نحده، أو قال: اليوم سرقت من الهند مالا لا نقطعه ونحو ذلك؛ لأن الأحكام تتبع المصالح والمفاسد، والخبر الكاذب ليس معه مفسدة المخبر عنه، ولا مصلحته، فلا يترتب حكم.
قوله: (الخبر الصدق يتوقف على وجود المخبر عنه).
قلنا: لا نسلم؛ فإن الخبر عن المستقبل صدق، ومخبره لم يوجد بعد، بل ينبغي أن يقول: الخبر الصدق يتوقف على تقرير مخبره في زمانه ماضيا أو حالا أو مستقبلا، فلولا تقرر قيام الساعة لما صح إخبارنا عنها، وكذلك جميع المستقبلات فلفظ التقرر أولى من لفظ الوجود، ثم إنه ينتقض بالخبر عن المستحيلات نحو الخبر عن اجتماع النقيضين، وغيره فإنه إخبار عما لا يقبل الوجود ألبتة، وبالخبر عن عدم العالم وجميع أجزائه، فإن العدم لا يقبل الوجود وإن قبله المعدوم.
قوله: (يلزم الدور).
قلنا: لا نسلم بل هاهنا ثلاثة أمور: الخبر، وتقدير الطالقية قبله بالزمن الفرد، وصدق الخبر، فالواقع في الرتبة الأولى الخبر، ثم تقدر بعد النطق به الطالقية لضرورة التصديق، فيصير صادقا بعد التقدير، فاللفظ متوقف عليه مطلقا، ولم يتوقف على شيء، والصدق متوقف مطلقا، ولم يتوقف عليه شيء، وتقدير الطالقية متوقف عليه، فيتوقف على اللفظ، ويتوقف عليه الصدق، وإذا كان الأمر واقعا على هذا الترتيب بين ثلاثة أشياء فلا دور، إنما الدور بين شيئين يتوقف كل واحد منهما على الآخر توقفا سبقيا احترازاً