الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم، وكذلك هذا راجح فيه أحد الطرفين بعد التساوي، وعند كمال تصور مراد المتكلم منه، والعلم بحقيقته، أي: حقيقة اللفظ، وحصل الجزم.
وتوهم التبريزي من هذا السؤال فغير العبارة، وقال: النص والظاهر يشتركان في تعين المراد فيهما، فهما نوعا المحكم، وفي (المنتخب)(المشترك بينهما هو المحكم) ولم يذكر الرجحان، و (الحاصل) و (التحصيل) مثل (المحصول) في ذكر الرجحان.
(سؤال)
قولهم: (النص ما لا يحتمل)
، يبطل النص بأمور:
أحدها: أن أقوى ألفاظ النصوص لفظ العدد كالعشرة مثلا، والعقل يجوز بالضرورة أن تكون العرب وضعتها لمعنى آخر من الجماد، والنبات، والحيوان، وأن ذلك المسمى الآخر هو مراد المتكلم، هذا الاحتمال لا يبطل تجويزه أبدا، وإن كان اللفظ لا يقبل أن يراد به التسعة، أو الإحدى عشرة، ويرد مع احتمال الاشتراك التقديم، والتأخير، والنقل، والمعارض الفعلي والإضمار، وهذه احتمالات لا يبطلها لفظ العدد.
وثانيها: أن مذهب أهل الحق جواز النسخ قبل الفعل، فإذا أمرنا بعدد جاز أن يكون الله -تعالى- علم نسخه قبل وقوعه، فلا يكون مراده بالنص الأول الإيقاع، بل إظهار الطواعية من المأمور، كما اتفق في قصة إبراهيم وإسحاق عليهما السلام فإن لفظ (إسحاق) نص، ومع ذلك لم يكن
المراد بالنص الأول الذبح، بل إظهار طواعيتهما، وحسن إقبالهما على أوامر الله تعالى.
وثالثها: أن صيغ الأعداد تقبل المجاز بدليل قوله تعالى:
} ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه {] الحاقة: 32 [، وكذلك قوله تعالى:} إن تستغفر لهم سبعين مرة {] التوبة: 80 [.
قالوا: المراد الكثرة لا خصوص السبعين.
قال العلماء: العرب تعبر بالسبعين عن أصل الكثرة، فالمراد أنها كثيرة الذرع. وكذلك قوله تعالى:} ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير {] الملك: 4 [.
قال العلماء: معناه أرجعه دائما، ودل بـ (الكرتين) على أصل الكثرة، وتقول الناس في العرف: كلمني كلمتين، ومراده كلاما كثيرا، وكذلك قولهم: امش معي خطوتين، والأصل عدم النقل والتغير، فيكون ذلك لغة، وهذا عين المجاز، فإنه استعمال اللفظ في جميع هذه الصور في غير ما وضع له.
وإذا كان هذا في لفظ العدد، فكيف غيره؟ ولا يتصور لفظ يتعذر فيه أمثال هذه الاحتمالات إلا لفظ الجلالة، وهو قولنا: الله، فإن هذا اللفظ علم بالضرورة لا يقبل كثيرا من هذه الأسئلة مع أنه قد جاء في الكتب القديمة في التوراة: جاء الله من سيناء،
وأشرق من ساعير، واستعلى من جبال (قازان) و (سيناء) طور سيناء، و (ساعير) الموضع الذي كان به عيسى عليه السلام بـ (الشام) و (قازان) بـ (مكة)، ومراد هذا اللفظ مجيء هدي الله تعالى، وكتبه، وآياته الكرام، وبراهينه.
وفي القرآن الكريم قال تعالى:} وجاء ربك والملك صفا صفا {] الفجر: 22 [.
وفي السنة النبوية (ينزل ربنا] تبارك وتعالى] كل ليلة إلى السماء الدنيا) [حين يبقى ثلث الليل الأخير يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له [) [.
والمراد المجاز على ما تقرر في موضعه، فقد قيل: هذا اللفظ مجاز لغة، فبطل أن لنا لفظا لا يقبل المجاز، والنص بتفسير عدم القبول لا حقيقة له.
ورابعها: أن الاستثناء يدخل في صيغ العدد.
قال الله تعالى:]} ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه [فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون {] العنكبوت: 14 [.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا).
والاستثناء عبارة عن إخراج ما لم يرد باللفظ، فدل على أنه لم يرد بالألف والمائة، إلا ما ذكر، وذلك عين المجاز.
ولأجل هذا البحث حكى (الشلوبين) خلافا بين النحاة؛ هل يجوز دخول الاستثناء في العدد أم لا؟
وصمم هو على عدم جواز دخوله، واعتذر عن هذه النصوص بأعذار ضعيفة، بناء منه على أن كل موطن فيه استثناء، ففيه مجاز.
(فائدة)
قال صاحب كتاب (الزينة): المحكم، والحكمة، والحكيم، والحاكم، كله مأخوذ من حكمة الدابة: وهي الآلة التي يمنعها الفساد، فسمى كل ما فيه منع فساد بذلك، فالحاكم يمنع الخصوم من الظلم، والحكمة تمنع الموصوف بها من الوقوع في الرذائل، والآيات المحكمات التي لم يقع فيها نسخ، كأن مراد الشرع هذه اللفظة لم يبطل، والبناء المحكم الذي يمتنع عليه الهد،] ومقصود الواضع الإفهام، والنص أفهم، والظاهر كذلك، ولم