الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معناه: لا يكون مجازيا عربيا في صورة حتى يسمع من العرب نوع ذلك المجاز، فإذا سمعناهم في صورة تجوزوا بعلاقة الشجاعة تجوزنا نحن في كل صورة بها على ذلك الشرط، وكذلك جميع العلاقات الاثنتى عشرة التي تقدم ذكرها في أنواع المجاز، فإذا وجدنا نحن علاقة أخرى غير الاثنتى عشرة المسموعة، لا نتجوز بها حتى ينقل عن العرب أنهم تجوزوا بها، ولا يشترط أنه سمع من العرب التجوز بلفظ الأسد لزيد نفسه؛ لأن العرب لم تعلم بزيد؛ لكونه كان معدوما مجهولا، بل المراد السماع في النوع في تلك العلاقة لا في كل صورة جزئية.
(سؤال)
قال النقشوانى: لا يبعد أن بعض الشجر إذا عظم طوله، واستقامته، ومشابهته للنخلة، أن يتجوز له بلفظ النخلة
، فاستدلاله بعدم إطلاق النخلة على غير الرجل الطويل ضعيف.
(تنبيه)
قال التبريزى: استدلال المصنف ضعيف؛ لأن الشجاع لم يسم أسدا
للمشابهة في مسمى الشجاعة، بل قولنا: هو شجاع أبلغ من قولنا: هو فلان الذي فيه الشجاعة، بل الغرض المبالغة، ولا يحصل ذلك ما لم يكن محل الاستعارة منه مشهورا بأقصى مراتب الوصف، فلا جرم كل من اختص لمبالغة في وصف، جازت الاستعارة لمن شاركه في أصله إذا أردنا المبالغة، وللاستعارة مراتب في الجواز، ودقائق في الحسن، فليس من شبه الساق المليح بالقمر كمن شبه الوجه المليح به، وإن زعم أنه يشاركه في كمال الحسن.
قال: والأشبه أن ذلك لا يتوقف على السماع، فإنا وإن قدرنا عدم السماع، فلا يمتنع أن نقول: فلان كالأسد أي: في الشجاعة، ويفهم منه المقصود، وإن لم يذكر مناقب التشبيه، ثم تدرج زيادة في التخفيف،
ومبالغة في الوصف، فنقول: فلان أسد، أي: كالأسد، كما قال الشاعر] الطويل [:
فعيناك عيناها، وجيدك جيدها
…
ولكن عظم الساق منك دقيق
ثم الدليل عليه أنا بينا أن العرف الشرعي مجاز عن العرف اللغوي، وتقرير الإذن اللغوي في أعيان المعاني الشرعية محال.
قلت: (قوله: قولنا: شجاع أبلغ من قولنا: فلان الذي فيه الشجاعة) ليس كذلك بل الأمر بالعكس؛ لأن اسم الفاعل الذي هو شجاع، لا يدل إلا على أصل المعنى، وأما الشجاعة كما قال بالألف واللام فهي للعموم، أو للكمال، وأيهما كان فهو أبلغ من أصل المعنى، ولو كانت الشجاعة نكرة أيضا؛ لأن النكرة من المصدر تدل على أصل المعنى، واسم الفاعل يدل على أصل المعنى تضمنا؛ لأنه يدل على الذات الموصوفة بالمعنى، فالمعنى جزء مسماه، والدلالة بالمطابقة أبلغ من دلالة التضمن؛ لأنها مقصودة بالذات، والتضمن مقصود بالعرض.
وقوله: نحن نشبه الوجه بالقمر دون الساق صحيح؛ لأن العرب تقصد في التشبيه معنى خاصا بذلك المشبه به، فالوجه أخص بالقمر من حيث الاستدارة، والوضاءة، والأنس، والجمال، وميل النفوس إليه، وهذا المجموع لم يحصل للساق، فكل شيء يقصد فيه أخص الأشياء به شبهاً.
قال المبرد في (الكامل): يقصد في كل مشبه به معنى يخصه، فلا يقصد من الظبية قرونها ولا جلدها، بل حلاوتها في رأى العين، وكذلك يقصدون من القمر ما تقدم.
ويحكى أن ذا الرمة، واسمه (غيلان) - كانت جاريته تحفظ من شعره كثيرا، فعبر يوما عن الحى الذي هي فيه، فوجدها تستقى الماء، فطلب منها ماء يشربه فسقته، فقصد مداعبتها، فقال لها: إن ماءك حار يشير إلى ماء منيها الذي تنزله عند الجماع، وكانت تحفظ له قصيدته التي منها] الطويل [:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل
…
وبين النقا أأنت أم أم سالم؟
فأنشدته:
أأنت الذي شبهت عنزا بقفرة
…
لها ذنب فوق استها أم سالم
جعلت لها قرنين فوق جبينها
…
وظبيين مسودين مثل المحاجم
وساقين إن يستمكنا منك يتركا
…
بجلدك يا غيلان مثل المباسم
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل
…
وبين النقا أأنت أم أم سالم؟
فعلم أنها انتقدت عليه التشبيه، وخشي من شده هجوها، فقال لها: خذي ناقتي هذه، ولا تحدثي بذلك أحدا، فردت إليه ناقته، ووعدته بكتمانها، وما جاء انتقادها عليه إلا من وجهة أنها عممت، أما لو أنصفته في التشبيه، وخصصته بحلاوة الغزالة؛ لا ندفع تشنيعها عنه.
قوله: (لا نمنع أن نقول: فلان كالأسد عند عدم السماع، ويفهم المقصود).
قلنا: ليس النزاع بين الفريقين في فهم المقصود، إنما النزاع في أنه مجاز عربي أم لا؟ كما أنا لو قلنا: إن قائم زيدا فهم المقصود، ورجل في الدار فهم المقصود، ولا يكون كلاما عربيا حتى نقول: إن زيدا قائم، وفي الدار رجل.
وقوله: (يقصد بحذف الكاف التخفيف، والمبالغة).
قال الأدباء: أصل التشبيه زيد كالأسد، وفي الرتبة الثانية زيد الأسد، وفي الرتبة الثالثة الأسد كزيد، وفي الرتبة الرابعة الأسد زيد.
ووجه المبالغة: أن مع حذف الكاف جعل زيد نفس الأسد، وهو أبلغ من الأسد به؛ لأن المشبه أقصر رتبة من المشبه به، ثم إذا عكسنا القضية صيرنا الأسد يشبه زيدا، فهو أبلغ في شجاعة زيد، ومن هذا الباب مكان ورد في السنة الصحيحة في (مسلم)، وغيره ظل يجهله كثر من غلاة الصوفية فيه، واعتقدوا الاتحاد في حق الله تعالى، وفي حق صفاته العلا، وهو قوله- عليه السلام حكاية عن الله تعال:(ما تقرب إلى أحد بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها).
فقال أهل الضلال: أخبر الله- تعالى- أن ذاته- تعالى- تصير صفات العبيد.
ووجه تقرير الحديث: أن أصل الكلام: فإذا أحببته صار سمعه كسمعي، وبصره كبصري، ويده كقدرتي، ثم بالغ في التشبيه، فحذف أداة التشبيه، فقال: سمعه سمعي، وبصره بصري، ويده قدرتي، ثم عكس مبالغة فقال: كان سمعي سمعه، وبصري بصره، وقدرتي يده، ثم حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وإذا حذف السمع من قوله: سمعي، لم يبق إلا الياء، والياء ضمير مخفوض لا يصلح أن يكون اسم كان، فعوضت بالتاء المرفوعة التي تصلح أن تكون اسم كان، فقال: كنت سمعه، وبصره، ويده.
ومعنى حصول الشبه: أن سمع العبد يصير مشبها بسمع الله- تعالى- من جهة أنه مخالف لمجرى العادة، كما اتفق لسارية يسمع عمر، وعمر (بالمدينة)، وسارية- رضي الله عنه ببلاد الترك، وهو يقول: يا سارية الجبل، صار بصر عمر- رضي الله عنه على خلاف العادة، لكونه رأى سارية ببلاد الترك من (المدينة)، وصارت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلم، على خلاف مجرى العادة في رميه بكف من حصا؛ فعميت