الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: حق إن العلم لا يفيد في المسمى صفة، وليس بحق أنه لا يفيد أصلا، بل هو يفيد عين تلك الذات، لكنه يفيد صفة في الذات.
وثالثها: ما ذكره ابن جني وهو) أن الحقيقة ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة، والمجاز: ما كان بضد ذلك).
وهذا ضعيف؛ لأن ما ذكره في حد الحقيقة تخرج عنه الحقيقة الشرعية والعرفية، وهما يدخلان فيما جعله حد المجاز.
وأيضا فقوله: (والمجاز ما كان بضد ذلك) معناه: أن المجاز هو الذي ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة، وهو باطل، وإلا لكان استعمال لفظ الأرض في السماء مجازا.
ورابعها: ما ذكره عبد القاهر النحوي رحمه الله، فقال الحقيقة كل كلمة أريد بها عين ما وقعت له في وضع واضع وقوعا لا يستند فيه إلى غيره؛ كالأسد للبهيمة المخصوصة، والمجاز: كل كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها؛ لملاحظة بين الأول والثاني).
وهذا التعريف أيضا ليس بجيد؛ لأنه يقتضى خروج الحقيقة الشرعية والعرفية عن حد الحقيقة، ودخولهما في حد المجاز، وهو غير جائز.
المسألة الثالثة: في أن لفظتي الحقيقة والمجاز بالنسبة إلى المفهومين المذكورين حقيقة أو مجاز
؟.
الحق: أن هاتين اللفظتين في هذين المفهومين مجازان؛ بحسب أصل اللغة، حقيقتان؛ بحسب العرف.
بيان الأول: أما في الحقيقة؛ فلأنا بينا أنها مأخوذة من الحق، وبينا أن الحق
حقيقة في الثابت، ثم إنه نقل إلى العقد المطابق؛ لأنه ولى بالوجود من العقد غير المطابق، ثم نقل إلى القول المطابق لعين هذه العلة، ثم نقل إلى استعمال اللفظ في موضوعه الأصلي، لأن استعماله فيه تحقيق لذلك الوضع، فظهر أنه مجاز واقع في الرتبة الثالثة بحسب اللغة الأصلية.
وأما المجاز: فإطلاقه على المعنى المذكور على سبيل المجاز أيضا؛ لوجهين: الأول: هو أن حقيقة العبور والتعدي، وذلك إنما يحصل في انتقال الجسم من حيز إلى حيز، فأما في الألفاظ فلا، فثبت أن ذلك إنما يكون على سبيل التشبيه.
الثاني: هو أن المجاز مفعل، وبناء المفعل حقيقة: إما في المصدر، أو في الموضع، فأما الفاعل، فليس حقيقة فيه، فإطلاقه على اللفظ المنتقل لا يكون إلا مجازا.
هذا إذا قلنا: إن المجاز مأخوذ من التعدي.
وأما إذا قلنا: إنه مأخوذ من الجواز، كان حقيقة لا مجازا؛ لأن الجواز، كما يمكن حصوله في الأجسام، يمكن حصوله في الأعراض.
فاللفظ يكون موضوعا لذلك الجواز؛ لأنه موضوع لجواز أن يستعمل في غير معناه الأصلي، فيكون حقيقة من هذين الوجهين، إلا أنا قد ذكرنا أن الجواز إنما سمي جوازا؛ مجازا عن معنى العبور والتعدي، والله أعلم بالصواب.
قال القرافي: قوله: (لفظ فعيل يكون بمعنى فاعل، وبمعنى مفعول)
اعلم أن فعيلا يقع على قسمين: