الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نجده في غرائب المصنفات، وقد لا ينقل أصلا، ولا يلزم من عدم نقله تغييره، فكم من لفظ للعرب لم نسمعه؛ ولا يلزم من ذلك تغييره، والذي حاوله بهذه المقدمة لا يحصل له.
السابع: على قوله: سلمنا أنه لا بد من اشتهار التغيير، ثم قال: إنه اشتهر،
ووصل موصل القطع، فإن أهل اللغة كالخليل وأبي عمرو بن العلاء وأبي عمرو الشيباني،
وغيرهم ما كانوا بمعصومين، واقتصر على هذا القدر، مع أنه لا يلزم من عدم العصمة وقوع التغيير، ولا اشتهاره، فقد لا يكونون معصومين، ولا يقع منهم الخطأ، وقد يقع ولا يشتهر، فدعواه لم تحصل بمقدماته.
الثامن: على قوله: هؤلاء الرواة مجرحون، فلا تفيد روايتهم الظن، فقد يكون المخبر مجروحا، بل فاسقا، بل كافرا ويفيد خبره الظن، بل العلم، ولذلك أجمع الناس على جواز حصول التواتر والعلم اليقين بإخبار الجماعة من الكفار، فمجرد الجرح لا يخل بالظن، بل يضعفه عند من يعتقد صحة ذلك الجرح، وقد ينتهي الجرح إلى رتبة تخل بأصل الظن، ولكن القوادح التي وقعت في هؤلاء العلماء الفضلاء لا يكاد يعتقدها أحد إلا نادرا، ولو اعتقدها لا يسقط عنده أصل الظن ألبتة، بل يبقى في صدره ظن كثير من أقوالهم وأخبارهم.
"
تنبيه"
وقع في النسخ يروى عن رؤبة
، وأبيه وابنه، بالنون والباء، وصورة
الخط واحدة، وهذا رؤبة كان أبوه يسمى العجاج، وابنه يسمى عقبة،
وكان رؤبة، وأبوه العجاج راجزين عظيمين في العرب بالرجز، وغيره من فضائل لسان العرب،
وكان عقبة بن رؤبة مخضرما، والمخضرم في اصطلاح الأدباء من أدرك الجاهلية، والإسلام، وكانت فيه نسبة قوية لمن خالط العجم، فيضعف الاستشهاد بكلامه، والظاهر حينئذ أن المراد أبوه لا ابنه، لضعف حاله عن هذه الرتبة، وهي الوصول إلى أن يقاس بأنه رؤبة في جرأته على ارتجال اللغة، فإن ظاهر الحال فيمن لا يستشهد بكلامه لا يبقى له داعية على ارتجال اللغة، وهذا هو الذي رأيت الأدباء ينصرونه، ويقولون: هو العجاج، دون عقبة، والعجاج لقب،
واسمه عبد الله، وكنيته أبو الشعثاء، وأبو العجاج جد رؤبة يسمى رؤبة أيضا،
ولم ينقل عنه كلام في اللغة، وربة بن العجاج يكنى أبا الجحاف، فالصحيح في الرواية عن رؤبة وأبيه بالباء الذي هو العجاج، والمراد برؤبة ولد العجاج لا أبوه.
التاسع: على قوله: العجب من الأصوليين أنهم ما اجتهدوا في إثبات اللغة، وفحصوا عن أحوال الرواة كما فعلوا ذلك في الحديث، ورواته، ليس في ذلك عجب؛ فإن العلماء-رضي الله عنهم رأوا أن الدواعي متوفرة، على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصرفوا عنايتهم للتحرز عن ذلك
الكذب، وقد وضع ابن الجوزي، وغيره كتبا طويلة في الموضوعات على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكروا أسباب عديدة تبعث الواضعين والكاذبين على الوضع، حتى حكي عن طائفة كثيرة من العباد أنهم كانوا يضعون الأحاديث، في أجور العبادات، ويقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى كذا فله من الدرجات كذا، ومن القصور كذا، ومن المثوبات السنية كذا، وكذلك يقولون في سائر الأذكار والأعمال الشرعية التي يتقرب بها، فإذا قيل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كذب علي عامدا متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
قالوا: نحن ما كذبنا عليه، بل كذبنا له؛ لتكثر الأعمال الصالحة، ومنها نصرة المذاهب، ومنها عداوة الدين، كما وضعت الباطنية فضائل
القرآن، وخواصه حتى يجربها الضعيف الإيمان، فلا يجد تلك المنفعة لتلك السور فيسوء ظنه بها، والمقاصد في هذا الباب كثيرة.
وأما اللغة فالدواعي على الكذب فيها في غاية الضعف، وكذلك كتب الفقه لا تكاد تجد فروعها موضوعة عن الشافعي، أو مالك، أو غيرهما ألبتة، وكذلك أن السنة جمع الناس منها موضوعات كثيرة، وجدوها، ولم يجدوا في غيرها من اللغة، وفروع الفقه مثل ذلك، ولا قريبا منه، حتى يروى أن البخاري كان يحفظ مائة ألف حديث غير صحيحة ليحترز منها،
ويحذر منها، ولما كان الخطأ والكذب في اللغة، وغيرها في غاية الندرة اكتفى العلماء فيها بالاعتماد على الكتب المشهورة المتداولة، فإن شهرتها وتداولها يمنعان ذلك مع ضعف الداعية له، فهذا هو الفرق عند العلماء، فلا عجب حينئذ من صنيعهم.
وهذا كما عمل صاحب الشريعة المطهرة، اكتفي في الإقرار بمجرد الإخبار من العاقل لكون الداعية لا تتوفر من الإنسان على أن يتقول بذلك.
قال العلماء: لا يشترط في ولاية النكاح العدالة، على الخلاف في ذلك؛ فإنه لا داعية للقاضي على إذنه بولايته، فاكتفى بالوازع الطبعي السالم عن معارضة داعية الإعلام، كذلك الكذب مفسدة ونقيصة، فوازع الطبع يمنع منه، ولا داعية تعارض هذه الداعية فاكتفى بذلك.
العاشر: على قولهم: إن اللغة يتطرق إليها النقصان والزيادة، فلا يفيد ما نقل إلينا الظن.
قلنا: لا نسلم صحة تلك المطاعن، فإن اعتبارها في الجرح فرع صحة نقلها.
سلمنا صحة نقلها عن قائلها، لكن لا نسلم أنه مصيب في ذلك الطعن،
سلمنا أنه مصيب، لكن القادح كون بعض الرواة أدخل في اللغة ما ليس
منها، ولا يصح قياسه، أو ما يصح قياسه عليها.
الأول ممنوع؛ لأنه لم ينقل صريحا هكذا.
والثاني لا يضر؛ لأن القياس في اللغة قد قاله جماعة من العلماء الأتقياء القدوة.
سلمنا قدح الزيادة، لكن لا نسلم قدح النقصان، فإن بعض اللغة ليس شرطا في بعض حتى يلزم من عدم ذلك البعض خلل في الباقي، لو ذهب
النحو كله إلا باب الفاعل والمفعول، لم يقع خلل في باب الفاعل والمفعول
إذا بقي كاملا في نفسه، وكذلك لو جهل علم التصريف كله لم يختل شيء من علم الإعراب،
وجميع العوامل في الأسماء، والأفعال، ثم إن كتاب الله تعالى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقواعد الشريعة فما وجدنا فيها شيئا يتوقف على لغة هي مجهولة لتأويل الموجود، بل بعضه كاف فيها، فلا يضرنا عدم ما فقد من اللغة في شريعتنا، وغير شريعتنا لا ضرورة لمعرفته،
نعم هو من باب المستحسنات.
الحادي عشر: على قوله: الصحابة رضي الله عنهم لم يضبطوا أمر الإقامة ورفع اليدين في الصلاة.
فإنَّا نقول: قال العلماء رضي الله عنهم: لم يفرط الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، بل الجميع وقع، وروى الجميع واختلف العلماء لاختلاف طرق تلك الروايات في القوة والضعف، وما هو معضود بعمل أهل المدينة، أو غيره وما ليس كذلك، فلا تفريط حينئذ.
وقيل: لما كان ذلك من باب المندوبات لا من الواجبات التي يوجب تركها خللا ضعفت الداعية في ضبطها بحيث يصل إلى حد التواتر، ولم تهمل بالكلية بل نقلت نقلا صحيحا كثيرا، بخلاف قواعد الديانة أمرها مهم لا تضعف الداعية فيها، فلا تلحق بهذه الأمور، وضبط اللسان من قواعد الدين، بل هو من أصل كل أصل، وقاعدة كل قاعدة تقرير الناقض على
الواضع هو أن الرواة يسمعون العرب يدخلون صيغة الاستثناء على صيغة
الجمع المعرف، وسمعوهم يقولون: الاستثناء عبارة عما لولاه لاندرج المستثنى تحت الحكم،
وبعد انفصال هؤلاء الرواة عنهم أبطلوا ذلك، ونقضوه، فنبقى نحن نبني على مقدمتين منسوختين، والبناء على المنسوخ الباطل باطل، فلا يصح الاستدلال بتلك المقدمتين حينئذ.
الثاني عشر: على قوله: "إنما ينتفي التناقض إذا كان الواضع هو الله تعالى".
قلنا: التناقض هاهنا مفسر بإبطال ما تقدم من الوضع، وهذا ليس محالا على الله تعالىن فإن الله -تعالى- يجوز عليه إبطال الأحكام الشرعية، بل جملة الشرائع، فكيف لا يجوز أن يبطل وضع لفظة بإزاء معنى معين، بل نسخها أيسر من نسخ الشرائع، لتضمن الشرائع تحصيل المصالح ودرء المفاسد، بخلاف اختصاص اللفظ المعين بالمعنى المعين إنما هو للتعريف، وأي لفظ وضع غيره عرفه، وإن ترك مهملا اندرج في جملة مجهولات العالم، ولا يجب على الله أن يحصل لنا العلم بجميع المعلومات، بل يستحيل ذلك علينا، فظهر أن احتمال التناقض مشترك بين الله تعالى، وبين عباده.
تقرير: يريد بقوله لا يثبتون شيئا من اللغة إلا هذا الطريق، يريد النقل أو المركب من النقل والعقل.
الثالث عشر: قال التبريزي: جعله ذلك الطريق مركبا من العقل، والنقل
بعيد، بل هو نقلي صرف، والنقل تارة يدل صريحا، وتارة يدل ضمنا،
وإذا قال صاحب الشرع: السارق يقطع، والنباش سارق، قطع النباش
بالنقل لا بالعقل، نعم لو ثبت كونه سارقا بضرب من النظر، أو أن السارق
يقطع بضرب من النظر كالمناسبة، والاعتبار، وثبت الآخر بالنقل كان مركبا من العقل والنقل.
أما إذا لم يكن للعقل تصرف سوى التفطن لوجه وجود الحكم، في
النقلين فهو نقلي محض، فإن الدليل هو المنظور فيه، والمنظور فيه هاهنا هو النقل.
جوابه: أن الإمام قال: إما العقل، أو النقل، أو ما تركب منهما، فإن